بل توجد هناك "واجهات عشائرية"!

mainThumb

16-08-2008 12:00 AM

في العهد العثماني, كانت الأراضي كلها, باستثناء البيوت (500 متر) في "جدار البلد", أي في مراكز القرى والبلدات, ملكا للدولة. إلا أن ذلك لم يمنع, ولم يلغ اشكالا من حقوق الملكية الواقعية من بينها حقوق العشائر في "واجهاتها". وهو ترتيب مدني حصل بتوافق العشائر - وغالبا بعد صراع - على تقسيم الأراضي فيما بينها. وبما أن الملكية الخاصة للأرض لم تكن مشروعة, فقد كان ذلك الترتيب حلا رضائيا بين العشائر, يسمح لها بممارسة أنشطة الرعي والزراعة والحركة في حدود "واجهاتها" ونجعاتها أي الأراضي التي يمكنها الانتقال الموسمي إليها.

غياب الملكية الفردية للأرض هو المسؤول الأول عن تشكيل البنية الاجتماعية ¯ السياسية الأردنية التي ما تزال تمثل قلب البلد ومستقبله, من حيث المساواة بين العشائر, أو المساواة بين أفرادها الذين لهم حقوق استعمالية داخل الواجهات من دون أن تكون لهم حقوق ملكية. وهذه المساواة هي التي أسست لروح المواطنة والالتحام بالفضاء العام للدولة الحديثة, وكذلك لنشوء العقلية الدولتية والنزعة إلى أولوية القطاع العام في الأردن.

نظام الملكية الخاصة للأراضي في الثلاثينيات, لم يستوعب كل أراضي المملكة, فظل الباقي منها وهو يمثل القسم العظم, ملكية عامة بالمعنيين, للخزينة وللعشائر التي تقاسمت أراضي الواجهات داخليا من دون طابو, استنادا إلى الحقوق العشائرية المتوارثة, وليس استنادا إلى الملكية القانونية.

ولطالما أدت هذه الإزدواجية إلى مشاكل وصراعات بين العشائر والحكومة خلال العهد العثماني, مثلما في عهدي الإمارة والمملكة. وهي مشاكل وصراعات لم تنته أبدا. وأذكر, هنا, أن النقاشات التي تلت المشكلة حول الواجهات العشائرية بين بني حسن وحكومة مضر بدران, أواسط الثمانينيات, قادت إلى طرح حلول تبدأ من الاعتراف بالوضع الحقوقي المزدوج للواجهات العشائرية, بين كونها ملكية للخزينة وبين كونها ملكية اجتماعية. ومن ثم التوصل إلى تفويض أراضي الواجهات العشائرية, قانونيا, إلى جمعيات تعاونية لا يحق لها الاتجار بالأراضي.

ومن المعروف أن الكثير من قطع الأراضي الخاصة بالواجهات العشائرية قد بيعت ممن يحق له ذلك عشائريا إلى مالكين جدد بواسطة "حجج" غير مسجلة ولكن معترف بها, بحيث يمكن تداولها.

هذه الحقائق الاجتماعية التاريخية لا يمكن شطبها بجرة قلم أو بتصريح مثل تصريح وزير الداخلية, عيد الفايز, الأربعاء, بأنه "لا يوجد شيء اسمه واجهات عشائرية".

وربما يكون الوزير أراد أن يؤكد حق الخزينة في الواجهات العشائرية. وهو حق قانوني قائم, لكنه لا يلغي ولا يستطيع أن يلغي وجود الواجهات العشائرية والحقوق الاجتماعية الموروثة للعشائر فيها. فلم يحدث, أبدا, أن نجحت أية حكومة في فرض القانون ضد إرادة المجتمع وحقوقه, إلا بالقوة التي يعني استخدامها الفشل في الإدارة السياسية.

لم تحصل أية عشيرة أردنية على ملكية أرض بالطابو منذ الثلاثينيات وحتى الآن, من دون الاستناد إلى حقوقها التاريخية المعروفة في واجهاتها من الأراضي أو حقوقها الناجمة عن الإقامة والاستثمار وسوى ذلك من اشكال التملك الاجتماعي المقننة في العهد العثماني. ولذلك, فإن نفي وجود وشرعية الواجهات العشائرية الآن, يعني نفي شرعية كل الملكيات العشائرية المسجلة لدى دائرة الأراضي. وإذا لم يكن هناك حل ديمقراطي وواقعي لهذه المشكلة, فإننا نقترح على الحكومة طيّ هذا الملف بسبب وعورته الاجتماعية والسياسية.0العرب اليوم




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد