الدنيا دول وتداول ‏

mainThumb

29-02-2016 09:37 AM

في علم السياسة هناك دولة وطنية تخدم الوطن وتبنيه وهي ‏في خدمة شعبها وتعطيه الأولوية في كل خير ورعاية، وهي ‏أيضا تمثل الشرعية والهوية والوطنية وتحظى بتمثيل إرادة ‏الشعب وتمثل ارادته، من خلال صناديق الاقتراع والانتخاب ‏الحر، هذا من جهة .‏
 
‏ وبالمقابل والنقيض: هناك دولة في الوطن لا تمثل اهله ولا ‏هويته ولا شرعيته ولا وطنيته، تتحول الى عصابة وزمر ‏خرقاء لا هم لها الا النهب والسلب والاستعباد وتخريب ‏البلاد، وتفرض نفسها بالقوة واللاشرعية واستخدام العنف ‏والاعتقال والاغتيال والاقصاء والتهميش وإلغاء الاخر بشتى ‏انواعه المادي والمعنوي، وتعتبر هذه دولا محتلة بامتياز، ‏وقامت الحركات الوطنية في العالم لتحرير بلدانها من هذه ‏الدول الطفيلية المتطفلة المحتلة والزمر الطاغوتية وقطعان ‏الاذلال والاستكبار. ‏
 
وعندما نالت الدول العربية ما سمي (أقول ما سمي) استقلالها ‏من الاحتلال الأجنبي، وحلت أنظمة حكم فيها لبست في ‏بدايتها لباس الوطنية الزائف، فاذا بها تنتهج القمع والقتل ‏والتشريد والتعذيب والتهميش والفساد والافساد والاستبداد ‏والتجويع والحصار والاقصاء وادعاء الالوهية أكثر من ‏الاحتلال الأجنبي. واجبار الشعوب العربية على عبادة ‏الاصنام البشرية التي لا تحمل طهر الاصنام الحجرية، ‏وصار قول الإنسان العربي: (الحرية مع الاحتلال، خير من ‏الاذلال والعبودية مع الاستقلال).‏
 
‏  ذلك ان مقاومة المحتل الأجنبي تعتبر عملا وطنيا وجهادا ‏وشهادة، اما السعي لاستعادة الحرية في ظل الدول القائمة ‏المستبدة المتجبرة في العالم العربي فيصنف انه مقاومة ‏وإرهاب وتشكيل عصابات الاشرار. فالوصف الشرير ‏للوطنيين صار جاهزا بدون الاهتمام بالحرية والعدالة ‏والديموقراطية. ‏
 
وتقولها بحزن عميق: لو ان العربي وضع امام خياراته ‏لاختار الحرية مع الاحتلال على العبودية الحالية مع ‏الاستقلال، ففي ظل ما يسمى الاستقلال يتم تشريد شعوبنا ‏العربية ويتم تقسيم الأوطان وتدميرها وتقزيم الأعلام ‏والقامات والهامات، وكل ذلك من اجل الحفاظ على الحاكم في ‏العالم العربي على انه الملهم القائد العظيم الذي لا شبيه له في ‏العالم، وكل ما بناه الشعب هو من بناء ذلك القائد العظيم ‏الخارق الحارق، والشعب لا قيمة له ولا لحياته واعراضه ‏طالما ان القائد بخير وان اسرته تعيش حياة الرغد على ‏حساب شقاء الشعب.‏
 
‏ والوطن ليس مهما طالما صارت الوطنية أغاني واهازيج ‏ودبكات وتسحيج، بل وتفنن عجيب في أنواع الاعلام ‏المرفوعة والرايات المنصوبة. فالأغنية عن القائد تكفي ‏الشعب طعاما وشرابا، والطاعة له تكفي عن الهوية والشرعية ‏والفقر والجوع، والوطنية والولاء والانتماء ليس للعقيدة ‏والوطن والهوية بل للقائد الملهم رغم ان الكل يعرف ان ‏الوحي انقطع بانتقال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الى ‏الرفيق الأعلى.‏
 
من هنا فانا أقول ان الدول في العالم العربي هي قاتلة لشعوبها ‏وللإرادة الشعبية والوطنية، ومستلبة للحرية والديموقراطية ‏وهي تعلن ان على الشعب الا يرى الا ما يراه الحاكم {قَالَ ‏فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} ‏‏(سورة غافر 29) فكل شيء هو رؤيته وهو الملهم الذي ‏يوحى اليه سياسيا ولو كان هذا من وساوس الشيطان.‏
 
‏   اما الشعوب فهي ارقام وما عليها الا السمع والطاعة ودفع ‏الضرائب والحراسة وكتابة التقارير كل بالأخر، ونشر الجوع ‏والخوف بين الافراد والجماعات بحجة الامن والأمان وحجة ‏ان هذا الحاكم او ذاك هو من يطعم الناس من جوع ويؤمنهم ‏من خوف، رغم ان ذلك كله من عند الله وليس من البشر ‏‏(الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (4) سورة قريش .‏
 
 
الدولة بالأردن تعمل بنجاح ظاهر وفشل باطن على تفتيت ‏الوطن وأهله وتعويم هويته الوطنية من خلال الطوفان ‏البشري المتلاحق الذي لا ينقطع، وعمليات التجنيس القاتلة ‏لأهل الهوية والوطنية والشرعية، والمراحل الناعمة لتمرير ‏مخططات   التطهير العرقي للأردنيين وجعلهم اقلية في ‏بلادهم، وكلما جاءت هذه الدولة العجيبة ...؟ بطوابير ‏مخرجات الأمة العربية قالت انهم جزء من المكون الأردني ‏أي من كينونة الوطن واهله وشرعيته، وبعد حين من الدهر ‏يطلقون عليهم مواطنين بالتجنيس، ثم بعد حين مواطنين ‏بالتأسيس، ونسوا ان هذه مراحل خادعة .‏
 
ومن طرق القضاء على الأردنيين أيضا وتحويلهم الى ارقام ‏وهمية هو تدمير عناصر الثروة والبقاء عندهم، واهمها ‏المصادر الطبيعية التي تم بيعها لشركاء فاسدين باسم شركاء ‏استراتيجيين، وهم في الحقيقة غطاء لزمر اللصوص ‏الحقيقيين الذين يعرفهم الأردنيون، وأيضا نهب شواطئ البحر ‏الميت وشواطئ العقبة لتكون مملوكة لزمر الفاسدين المفسدين ‏وحرمان الأردنيين منها.‏
 
من المبكي أيضا تدمير الثروة الحيوانية الذي بدا في عام ‏‏2007/2008 بالقضاء على الأمهات المواليد ثم اغراق ‏السوق باللحوم الفاسدة، والان يجري تدمير القطاع الزراعي ‏وذلك ليتوقف الناس عن الزراعة ويقوم الشعب باستيراد ‏الخضروات والفواكه من مزارع الفاسدين في دولة عربية ‏شقيقة وافريقية واوروبية صديقة، ويصبح طعامنا من ‏الخضروات والفواكه والحبوب مستوردا من مزارع هؤلاء ‏الفاسدين والتي يشرف على بعضها اردنيون يتقاضون رواتب ‏من الخزينة .‏
 
نقول لهؤلاء جميعا: ليس المرة الأولى بالتاريخ ان يبتلى ‏الأردن بدول لا ترحم اهله ولا تتوانى عن نهبه ومنها من ‏دامت قرونا وأخرى عشرات السنين، الا انه كان دائما يأتي ‏جيل في حقبة من حقب التاريخ ويحرر البلاد، وهنا أقول لا ‏تتوهم الدولة ومن يسير في ركابها ويؤمن بديمومتها بعكس ‏نظرية ابن خلدون التي تقول ان للدول اعمار كأعمار ‏الأشخاص تنتهي عند شيخوختها.‏
 
‏ وعندما تقوم الدولة بأكل لحم اهل لشرعية والوطنية والهوية ‏فإنما تكتب نهايتها بنفسها، ونقول للدولة ان تعود الى رشدها ‏لان الأيام دول وتداول ويوم بالسرج ويوم بالخرج، فمن كان ‏بالخرج سيصبح بالسرج، ولا يأمن من في السرج ان ينهض ‏عليه من في الخرج ويمتطي السرج ويطيح بمن يعتليه.‏
 
ان الأردنيين في ضائقة لا يعلمها الا الله، وان صمتهم ليس الا ‏الهدوء الذي يسبق العاصفة، وان تربصهم للفرص هو ‏لإيمانهم بالحفاظ على بلدهم وامنه، وعندما يجد الأردنيون ان ‏الحركة والعاصفة العارمة هي التي تخدم الأردن وتحافظ ‏عليه وتريحهم من الفاسدين والمفسدين، فلن يتوانوا عن ‏الحركة واظن ان الامر قاب قوسين او أدني وحينها يكتشف ‏الطواغيت ان الدنيا دول وتداول، وان الأردنيين سيستعيدون ‏سيادتهم وقرارهم ويبنون دولتهم الأردنية .‏
 
‏(إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ ‏نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ ‏وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) سورة ال عمران. صدق الله ‏العظيم. فالدنيا دول وتداول.‏


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد