في علم السياسة هناك دولة وطنية تخدم الوطن وتبنيه وهي في خدمة شعبها وتعطيه الأولوية في كل خير ورعاية، وهي أيضا تمثل الشرعية والهوية والوطنية وتحظى بتمثيل إرادة الشعب وتمثل ارادته، من خلال صناديق الاقتراع والانتخاب الحر، هذا من جهة .
وبالمقابل والنقيض: هناك دولة في الوطن لا تمثل اهله ولا هويته ولا شرعيته ولا وطنيته، تتحول الى عصابة وزمر خرقاء لا هم لها الا النهب والسلب والاستعباد وتخريب البلاد، وتفرض نفسها بالقوة واللاشرعية واستخدام العنف والاعتقال والاغتيال والاقصاء والتهميش وإلغاء الاخر بشتى انواعه المادي والمعنوي، وتعتبر هذه دولا محتلة بامتياز، وقامت الحركات الوطنية في العالم لتحرير بلدانها من هذه الدول الطفيلية المتطفلة المحتلة والزمر الطاغوتية وقطعان الاذلال والاستكبار.
وعندما نالت الدول العربية ما سمي (أقول ما سمي) استقلالها من الاحتلال الأجنبي، وحلت أنظمة حكم فيها لبست في بدايتها لباس الوطنية الزائف، فاذا بها تنتهج القمع والقتل والتشريد والتعذيب والتهميش والفساد والافساد والاستبداد والتجويع والحصار والاقصاء وادعاء الالوهية أكثر من الاحتلال الأجنبي. واجبار الشعوب العربية على عبادة الاصنام البشرية التي لا تحمل طهر الاصنام الحجرية، وصار قول الإنسان العربي: (الحرية مع الاحتلال، خير من الاذلال والعبودية مع الاستقلال).
ذلك ان مقاومة المحتل الأجنبي تعتبر عملا وطنيا وجهادا وشهادة، اما السعي لاستعادة الحرية في ظل الدول القائمة المستبدة المتجبرة في العالم العربي فيصنف انه مقاومة وإرهاب وتشكيل عصابات الاشرار. فالوصف الشرير للوطنيين صار جاهزا بدون الاهتمام بالحرية والعدالة والديموقراطية.
وتقولها بحزن عميق: لو ان العربي وضع امام خياراته لاختار الحرية مع الاحتلال على العبودية الحالية مع الاستقلال، ففي ظل ما يسمى الاستقلال يتم تشريد شعوبنا العربية ويتم تقسيم الأوطان وتدميرها وتقزيم الأعلام والقامات والهامات، وكل ذلك من اجل الحفاظ على الحاكم في العالم العربي على انه الملهم القائد العظيم الذي لا شبيه له في العالم، وكل ما بناه الشعب هو من بناء ذلك القائد العظيم الخارق الحارق، والشعب لا قيمة له ولا لحياته واعراضه طالما ان القائد بخير وان اسرته تعيش حياة الرغد على حساب شقاء الشعب.
والوطن ليس مهما طالما صارت الوطنية أغاني واهازيج ودبكات وتسحيج، بل وتفنن عجيب في أنواع الاعلام المرفوعة والرايات المنصوبة. فالأغنية عن القائد تكفي الشعب طعاما وشرابا، والطاعة له تكفي عن الهوية والشرعية والفقر والجوع، والوطنية والولاء والانتماء ليس للعقيدة والوطن والهوية بل للقائد الملهم رغم ان الكل يعرف ان الوحي انقطع بانتقال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الى الرفيق الأعلى.
من هنا فانا أقول ان الدول في العالم العربي هي قاتلة لشعوبها وللإرادة الشعبية والوطنية، ومستلبة للحرية والديموقراطية وهي تعلن ان على الشعب الا يرى الا ما يراه الحاكم {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} (سورة غافر 29) فكل شيء هو رؤيته وهو الملهم الذي يوحى اليه سياسيا ولو كان هذا من وساوس الشيطان.
اما الشعوب فهي ارقام وما عليها الا السمع والطاعة ودفع الضرائب والحراسة وكتابة التقارير كل بالأخر، ونشر الجوع والخوف بين الافراد والجماعات بحجة الامن والأمان وحجة ان هذا الحاكم او ذاك هو من يطعم الناس من جوع ويؤمنهم من خوف، رغم ان ذلك كله من عند الله وليس من البشر (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (4) سورة قريش .
الدولة بالأردن تعمل بنجاح ظاهر وفشل باطن على تفتيت الوطن وأهله وتعويم هويته الوطنية من خلال الطوفان البشري المتلاحق الذي لا ينقطع، وعمليات التجنيس القاتلة لأهل الهوية والوطنية والشرعية، والمراحل الناعمة لتمرير مخططات التطهير العرقي للأردنيين وجعلهم اقلية في بلادهم، وكلما جاءت هذه الدولة العجيبة ...؟ بطوابير مخرجات الأمة العربية قالت انهم جزء من المكون الأردني أي من كينونة الوطن واهله وشرعيته، وبعد حين من الدهر يطلقون عليهم مواطنين بالتجنيس، ثم بعد حين مواطنين بالتأسيس، ونسوا ان هذه مراحل خادعة .
ومن طرق القضاء على الأردنيين أيضا وتحويلهم الى ارقام وهمية هو تدمير عناصر الثروة والبقاء عندهم، واهمها المصادر الطبيعية التي تم بيعها لشركاء فاسدين باسم شركاء استراتيجيين، وهم في الحقيقة غطاء لزمر اللصوص الحقيقيين الذين يعرفهم الأردنيون، وأيضا نهب شواطئ البحر الميت وشواطئ العقبة لتكون مملوكة لزمر الفاسدين المفسدين وحرمان الأردنيين منها.
من المبكي أيضا تدمير الثروة الحيوانية الذي بدا في عام 2007/2008 بالقضاء على الأمهات المواليد ثم اغراق السوق باللحوم الفاسدة، والان يجري تدمير القطاع الزراعي وذلك ليتوقف الناس عن الزراعة ويقوم الشعب باستيراد الخضروات والفواكه من مزارع الفاسدين في دولة عربية شقيقة وافريقية واوروبية صديقة، ويصبح طعامنا من الخضروات والفواكه والحبوب مستوردا من مزارع هؤلاء الفاسدين والتي يشرف على بعضها اردنيون يتقاضون رواتب من الخزينة .
نقول لهؤلاء جميعا: ليس المرة الأولى بالتاريخ ان يبتلى الأردن بدول لا ترحم اهله ولا تتوانى عن نهبه ومنها من دامت قرونا وأخرى عشرات السنين، الا انه كان دائما يأتي جيل في حقبة من حقب التاريخ ويحرر البلاد، وهنا أقول لا تتوهم الدولة ومن يسير في ركابها ويؤمن بديمومتها بعكس نظرية ابن خلدون التي تقول ان للدول اعمار كأعمار الأشخاص تنتهي عند شيخوختها.
وعندما تقوم الدولة بأكل لحم اهل لشرعية والوطنية والهوية فإنما تكتب نهايتها بنفسها، ونقول للدولة ان تعود الى رشدها لان الأيام دول وتداول ويوم بالسرج ويوم بالخرج، فمن كان بالخرج سيصبح بالسرج، ولا يأمن من في السرج ان ينهض عليه من في الخرج ويمتطي السرج ويطيح بمن يعتليه.
ان الأردنيين في ضائقة لا يعلمها الا الله، وان صمتهم ليس الا الهدوء الذي يسبق العاصفة، وان تربصهم للفرص هو لإيمانهم بالحفاظ على بلدهم وامنه، وعندما يجد الأردنيون ان الحركة والعاصفة العارمة هي التي تخدم الأردن وتحافظ عليه وتريحهم من الفاسدين والمفسدين، فلن يتوانوا عن الحركة واظن ان الامر قاب قوسين او أدني وحينها يكتشف الطواغيت ان الدنيا دول وتداول، وان الأردنيين سيستعيدون سيادتهم وقرارهم ويبنون دولتهم الأردنية .
(إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) سورة ال عمران. صدق الله العظيم. فالدنيا دول وتداول.