ملامح المؤامرة على فلسطين والأردن

mainThumb

06-01-2009 12:00 AM

في تصريحاته الخاصة بفضائية الجزيرة، بالأمس، أخرج الملك الحديث حول العدوان الإسرائيلي على غزة من سياقه الآني والعسكري إلى المربع الاستراتيجي الأخطر، الذي تُقرأ من خلاله الأهداف الإسرائيلية، بخاصة لمرحلة "ما بعد غزة".
الملك قال، بعبارة صريحة جريئة، محّددةُ الوجهة والهدف: "هناك مؤامرة على الشعب الفلسطيني ومستقبله". موضّحاً أنّ تخوفه مما سيحدث بعد غزة.
باختصار، كان الملك يقرع جرس الخطر، ويرسل رسالة تحتوي في طياتها الكثير من الاشارات المهمة، غير المرئية، أو المنسية في تفاصيل العدوان.
بلا شك، يُقرأ التصريح الملكي في سياق التحليل المنطقي المرتبط بالعملية العسكرية. لكن، في المقابل، فإنّ الرسالة الملكية تشي بوجود "طبخة" في كواليس إسرائيلية وأميركية، يجري الإعداد لها وإنضاجها على حساب القضية الفلسطينية للأبد.
الملاحظة الملفتة حقّاً أنّ التصريحات الملكية حول المؤامرة، تزامنت مع مقال لسفير أميركا السابق في الأمم المتحدة، جون بولتون (في الواشنطن بوست) بعنوان "خيار الثلاث دول"، والذي ينعى فيه مشروع الدولة الفلسطينية، ويؤكد أنّ الحل الوحيد اليوم هو عودة كل من الضفة إلى الأردن وغزة إلى مصر. وهو، ربما، مما دفع بمسؤولين أردنيين كبار بالأمس للتحذير من أنّ "شبح ضم جزء من أراضي الضفة الغربية إلى الأردن بدأ يلوح مجدداً في الأفق"، كما ورد في تقرير الزميلة رندا حبيب لوكالة الأنباء الفرنسية.
مقال بولتون جاء بعد كتاب خطر جدّاً قدّمة الخبير الاستراتيجي الإسرائيلي المعروف، غيورا إيلاند، ونُشر من خلال مركز الشرق الأدنى في واشنطن، بعنوان "إعادة التفكير في حل الدولتين"، ويؤكد على النغمة ذاتها: ضرورة عودة الضفة الغربية إلى الأردن.
المفارقة الأهم أنّ سجالاً دار في واشنطن مع إيلاند حول أفكاره، قبل أسابيع قليلة، من قبل وزير الخارجية السابق د. مروان المعشر والأكاديمي الأردني، الباحث والكاتب المتميز، د. حسن البراري، اللذين فنّدا رؤية إيلاند، وردّا عليه في فصول كتاب صدر عن المعهد نفسه.
طالما اتّهم تيارٌ من السياسيين والإعلاميين من يحذِّرون من خطر "الخيار الأردني" والمخططات الأميركية الإسرائيلية بأنّهم "مسكونون بعقدة الوطن البديل"، وأنهم يبالغون في منطق المؤامرة. واليوم، تشير التسريبات والرسائل بل المسار المنطقي الطبيعي للأحداث أنّ عدوان غزة هو المدخل الإسرائيلي لتكريس الواقع الإقليمي الجديد.
بالعودة قليلاً إلى الوراء، ومع تصريحات الملك نجد أنّه أوّل من حذّر من خطور العدوان على غزة، قبل أسابيع من العدوان الإسرائيلي، في لقائه بكل من أولمرت وباراك، وفور وقوع العدوان كان الملك ينبِّه أنّ تداعيات العدوان أكبر مما يحدث في غزة، وأنّ لها ما بعدها.
بل قبل ذلك، تحدّثت الزميلة رنا الصباغ (في مقالها في الحياة اللندنية 25-12-2008) عن الزيارة المتوقعة للملك إلى واشنطن ولقائه المرتقب بأوباما، بهدف رئيس وهو استئناف الدعوة لإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة.
في المقال نفسه تأطير عميق للرؤية الأردنية للمرحلة الإقليمية المقبلة والتعامل معها، وثمة اقتباس في غاية الأهمية لمسؤولين كبار يؤكدون أنّ الحل الوحيد المقبول أردنياً هو إقامة دولة فلسطينية واحدة على أراضي عام الـ67، ويشددون على رفض خيار الكونفدرالية والفدرالية أو أي دور أردني في الضفة الغربية.
بالتزامن مع هذه الإشارات المهمة؛ كانت مؤسسة وطنية استراتيجية حيوية تعقد لقاءً سنوياً لبحث مصادر التهديد على الأمن الوطني، وكان الملفت هو التأكيد على أولوية مواجهة "الخيار الأردني" في كافة السبل، حتى وإن اتخذت المقاربة طابعاً عسكرياً.
من هنا، فإنّ القراءة الأردنية لتدحرج العدوان العسكري على غزة تقوم على أنّه يسعى إلى فرض واقع جديد في القطاع يربطه بمصر من ناحية، ويجذّر الانقسام الفلسطيني من ناحية أخرى، ويؤمّن الجبهة الجنوبية الإسرائيلية، مع التمهيد - لاحقاً - لحلول إقليمية تتجاوز قصة الدولة الفلسطينية المستقلة.
المتابع للخطاب والدبلوماسية الأردنية يلحظ الاهتمام بمسارين رئيسين؛ الأول وقف العدوان بأسرع وقت، وإيقاف آلة الدمار والفتك الفلسطينية، والمسار الثاني لفت الانتباه إلى الآثار الاستراتيجية للعدوان التي تتجاوز غزة إلى ما بعدها، والمسارعة إلى جهود عربية ودولية لعدم تمرير الأجندة الإسرائيلية.الغد



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد