هل كان على روسيا أن تبقى تحلق بطائراتها في سماء سوريا العروبة لتمطر أهل حلب وحمص والرقة وغيرها بحمم الموت الفاجعة؟...هل ظن بشار الأسد أن الدب الروسي القادم من صقيع الأرض المتلبس بأحلام المال المتدفق من جهات نجهلها ولا نعلم من دفع لها لتتعاظم فاتورة الدم المسلم والعربي في سوريا..هل ظن أنهم باقون إلى الأبد...لقد رأت روسيا بأم عينها أن الحرب الخاسرة في سوريا بدأت تلوح بوادرها وخصوصاً بعد إعلان التحالف الإسلامي بقيادة السعودية وتركيا بأنهم عازمون على خوض غمار معركة فاصلة في تاريخ الربيع العربي، أخذت إحداثيات الجاهزية لها تكتمل بوصول الطائرات وفيالق الحق التي شدت حزام الحزم لتكشف سوءة الكفر والعمالة في بلد لطالما كان مهبط الديانات ومنجم الحضارات...
لقد راهنت كل من إيران وسوريا على حصان خاسر، فالروس لهم تجارب مريرة مع حروب المسلمين، في التاريخ السابق والمعاصر، فقد خذلوا صدام حسين حليفهم الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وتعاملوا مع من جاء بعده، والآن لن تقبل روسيا بأن تكون كبش فداء الربيع العربي الذي تدير أمريكا فصول مسرحه بكل جدارة واقتدار، وتريد أن تقضى على دبها المدلل، في معركة ظن في البداية أنها مجرد نزهة لطيفة يتدرب فيها طياروها وتجرب من خلالها القدرة الفتاكة لصواريخها التي لم يرغب أحد بشرائها إلا إيران وبعض الدول التي لا زالت تعيش على أمجاد المد الأحمر المنقرض.
روسيا أعلنت دخول الحرب بطلب سوري، وتغاضي أمريكي، وترحيب إيراني، لكنها قررت الخروج من الحرب بشكل فردي، والمضحك أن بوتين لم يبلغ الأسد بقراره بصورة دبلوماسية كما هو الحال في هكذا ظروف، بل اكتفى بإعلامه هاتفياً كمن يعتذر عن موعد عشاء ويطلب إلغائه لعدم التفرغ أو الرغبة في اللقاء ذاته...خسر الأسد الرهان على الدب الروسي، حيث رأت موسكو ضخامة الفاتورة التي ستدفعها لو استمرت في التعامل بعقلية الدب، فروسيا قررت الخروج بهذا الشكل المفاجئ تفادياً لقيام منظمات حقوق الإنسان وبعض الأطراف رفع دعاوى قضائية تتهمها بارتكابها جرائم حرب ضد أطفال سوريا ومدنيها...هي نفسها روسيا التي جاءت تحارب الإرهاب المسمى (داعش) فعلت أفظع مما فعلته داعش نفسها، فقد حولت حياة السوريين إلى بركة دماء، ليلهم موت ونهارهم ويلات، وطعامهم جنائز ومناطقهم الآمنة كالمساجد والمدارس والأسواق والمستشفيات هي الأهداف التي قصدتها بدل معسكرات داعش ومن والاها...روسيا تخرج الآن من الحرب خاسرة غير رابحة، لكن خسارتها كبدت السوريين مليارات من الخراب الزائد الذي يتوجب على كل الأطراف الدولية أن تناصبها العداء لأجله...ففي الجولات المكوكية (لكيري ولافروف) شاهدنا الفرحة ترتسم على محيا كل منهم وكأنهم يقتسمون كعكة عيد ميلاد لطفل مدلل في عائلة ثرية...أمريكا شاركت روسيا في دمارها لسوريا بصمتها وإظهارها أنها لم تعد تملك حلاً أو تسيطر على الأوضاع كما تدعي، بينما الآن تمتدح الخطوة الروسية، وتجعل من روسيا بأنها بطلة الحرب والسلام...بوتين جاء لسوريا وهو يتوعد وخرج منها وهو يتلفت...فهل نستطيع أن نقول: إن الحرب انتهت...؟ أم أنها بداية لمخاض جديد سيخرج له العراب الأمريكي حجر دومينو جديد من أجل أن يكمل الشوط، ....ولكن السؤال المحير...أين العرب من هذه المهزلة المسماة بالربيع العربي؟ هل اكتفوا بمجرد التعليق على خطوات الثنائي المرح (كيري ولافروف)؟ أم أن العرب مجرد شهود على التاريخ سيتفرغون - بعد انتهاء المعركة على الإسلام والأمة العربية - لكتابة مذكراتهم عن جولاتهم ولقاءاتهم ومداخلاتهم في الأمم المتحدة؟ فدائماً يفاجئك العرب بأنهم أبطال المرحلة، وفي الحقيقة فإن الكثير ممن يزعمون ذلك لا يتعدون أن يكونوا مثل: ديك المزبلة...ينفش ريشه ويظن أنه طاووس وفي الحقيقة ما هو إلا ديك نسي نفسه في المزبلة...