عن القرار 1850

mainThumb

19-12-2008 12:00 AM

من دون قراءة النص الكامل للقرار الدولي الأخير 1850 ، يصعب على المراقب تفسير رد الفعل الإسرائيلي المرحب بحرارة بهذا القرار ، وحتى قبل ساعات من صدوره.

فالقرار المذكور فيه من الإنشاء والتكرار والجمل الفضفاضة ، ما يمكن أي حكومة إسرائيلية من "شراء سنوات" في التفاوض على الشروحات والتفاصيل والقراءات المختلفة...والقرار المذكور فيه من اللوم - غير المباشر - على الفلسطينيين أكثر بكثير مما يحمل من معاني اللوم - غير المباشر ايضا - على الإسرائيليين...والقرار المذكور جاء استجابة لحاجة الإدارة الأمريكية أكثر مما جاء لخدمة عملية السلام في الشرق الأوسط.

ولأن إسرائيل أدركت على الفور أن اليوم التالي للقرار لن يختلف عن اليوم الذي سبقه ، فإنها لم تجد غضاضة في قبوله والترحيب به ، فالعبارات الواردة في النص ، والتي جرى التشاور بشأنها مسبقا مع الحكومة الإسرائيلية ، ليس فيها عبارة واحدة لا تستطيع إسرائيل أن "تشتريها" أو تتعايش معها ، بما في ذلك البند المتعلق بمبادرة السلام العربية ، والتي جاء القرار على ذكرها - بالخير - ولكن باستحياء ومن دون تبني.

الذين ابتهجوا باللجوء إلى مجلس الأمن بعد سنوات خمس من اللجوء إليه آخر ، عندما أقر خطة خارطة الطريق ، عليهم أن يتذكروا جيدا ، المصائر والمآلات التي انتهت إليها الخريطة ، وألاّ يتوقعوا مصيرا مغايرا لمنطوق القرار الجديد وتوصياته الفضفاضة ، فمجلس الأمن أصبح إطارا لا يستدعى للانعقاد ولا تطلب خدماته ، إلا عندما يراد له أن يصدر شهادة حسن سلوك لواشنطن أو للتغطية على مواقف وسياسات غير مقبولة وغير مبررة تصدر عنها.

أما الترحيب الفلسطيني بالقرار المذكور ، فلا يمكن النظر إلا من بوابة "العجز وقلة الحيلة" ، لكأن القرار بات القشة التي يتعلق بها المفاوض الفلسطيني الغريق في مستنقع الأوحال الإسرائيلية ، أو لكأن القرار هو بارقة الأمل الأمل الوحيدة التي تشعر أصحاب خيار "المفاوضات حياة" بأن لحياتهم بقية ، وبأن ثمة فصل جديد بانتظارهم وتحت عنوان "القرار 1850".

ولا أدري كيف يرحب بقرار لا يرفع الحصار عن مليون ونصف مليون فلسطيني جائع ومحاصر ويائس في قطاع غزة...لا أدري كيف يرحب بقرار لا يقطع بوقف الاستيطان ، حتى لا نقول لا يدعو لتفكيك المستوطنات غير الشرعية ، وجميع الاستيطان في فلسطين غير شرعي...لا أدري كيف يرحب بقرار لا ينهي معاناة الفلسطينيين في الضفة الغربية جراء نشر أكثر من 600 حاجز واحتجاز أكثر من 11 ألف مواطن خلف القضبان ، فيما شاليط يذكر بالاسم ويطلب إطلاق سراحه من دون قيد أو شرط ، بل ومن دون مفاوضات أو تبادل أسرى

والحقيقة أن مستقبل عملية السلام لا يقرأ من نيويورك ، لا من القرار الدولي ولا من بيان الرباعية الدولية ، مستقبل عملية السلام يقرأ أساسا من بوابة العاشر من شباط القادم ونتائج الانتخابات الإسرائيلية المنتظرة ، فهناك ، وربما هناك فقط ، سيتقرر مصير العملية السلام ، وكل المؤشرات تقطع بأن الأسوأ ما زال بانتظار عملية السلام والشعب الفلسطيني.
الدستور


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد