لسنا دولة للتفكيك

mainThumb

11-01-2009 12:00 AM

الحديث عن اخطار العدوان على غزة يذهب باتجاه أن هناك مؤامرة صهيونية على القضية الفلسطينية وهدرا لفكرة الدولة المستقلة ومحاولة صهيونية لتطبيق جزئي او كلي لأفكار صهيونية متجددة بتصدير المشكلة الفلسطينية إلى العرب عبر تصدير الجغرافيا والسكان في الضفة وغزة.
هذا الحديث يأتي في سياق اطار الفهم ونشر الوعي بالمسار الصهيوني، لكن هذا يجب أن لا يتم في سياق الخوف وعدم الثقة بالنفس او نشر خطاب سياسي يجعل الناس تشعر أنّ ما يريده العدو قدر لا رادّ له. فالوعي مسار يسير الى جانبه خطاب الثقة بالدولة الاردنية والشعب الاردني.
لا يجوز تحت ضغط الرغبة الصادقة في وصف العدوان أن يشعر المواطن وكأن الاردن في غرفة الموت السياسي لا قدر الله واننا ننتظر بعد غزة ان يلتهمنا العدو ليحولنا الى دولة للشعب الفلسطيني على حساب الدولة الفلسطينية.
الصهاينة يخططون لهذا منذ وعد بلفور، ومازالوا، لكننا ايضا موجودون، اردنيين وفلسطينيين، كلٌّ يتمسك بدولته وهويته الوطنية، وأولى خطوات مواجهة هذا التفكير الصهيوني أن لا نرى انفسنا دولة قابلة للتفكيك او إعادة التشكيل.
تعظيم الخطر الصهيوني لا يعني تصغير أنفسنا او زرع الخوف لدى الناس وكأن الأمر مجرد وقت. فالأردن واجه عبر عقود الكثير من المؤامرات ووقف قوياً صلباً متماسكاً، ونفخر أننا اجتزنا ما وقع فيه بعض الأشقاء من فوضى ودماء وتقسيم بكل أشكاله.
فإذا كان لدى فئات صهيونية مخططات للتآمر على فلسطين وتحميل العرب ثمناً سياسياً فإنّ علينا أن نثق بأنفسنا، ويفترض بأهل السياسة والإعلام الذين يتحدثون بإخلاص وخوف على الأردن وفلسطين أن يكونوا، ومعهم جميع المواطنين، على ثقة بأن الأردن ليس دولة كرتونية.
لسنا بلدا مثل "حقيبة المسافر" يستعملها من يشاء. فهنالك في المقابل خطأ فادح يتمثل بكثرة الضخ من المخاوف دون خطاب سياسي متوازن يشيع في بعض اوساط الناس وكأن الاردن ذاهب بعد انتهاء العدوان، او ان الوطن البديل قادم بعد شهرين او ثلاثة، وكأننا دولة من البيوت الجاهزة يتم فكها وتركيبها وفق ما يريده الصهاينة.
مخططات العدو تتحدث عن إقامة كيان على كل الارض العربية من النيل الى الفرات، وتعمل منذ عقود على اطفاء روح المقاومة لدى الشعب الفلسطيني وتعمل على تحقيق الكثير. لكن هذه المخططات ليست قدراً، ونحن لسنا حالة حضارية او سياسية او وطنية مؤقتة او هشة. ولهذا فعلى اهل السياسة ان يتنبهوا جيدا الى ضرورة التوازن عند الحديث والتحذير لأنّ بعض الآثار للحديث غير المتوازن تركت ابعادا لدى الناس تحتاج إلى استدراك.
"ما بعد غزة" خطير في الفكر الصهيوني، لكن الحديث ليس عن قدر او خطوات مرسومة، وكأن الاردن دولة تنتظر من يعبث بمستقبلها، وسيقوم ببعثرة تركيبتها السكانية والسياسية والوطنية، أو دولة تقف على الدور لمن يهدم كيانها لمصلحة مخطط صهيوني. وهذا جاء من كثافة الضخ والحديث باتجاه واحد مشاعر سلبية وعدم ثقة بالنفس مما يجعل من الضرورة ان نمتلك خطابا واثقا يحترم الدولة وتاريخها وشعبها وقيادتها، بل والتاريخ السياسي في إدارة الدولة لمسارها خلال مراحل الصراع العربي الصهيوني.
هناك مكر ومخططات صهيونية، لكن الدولة وشعبها ليسوا كسورا عشرية، وخطابنا السياسي والإعلامي يجب أن يفرق بين التحذير من العدو وزرع حالة من الإحباط والخوف الذي ينعكس على الناس وعلى قطاعات مهمة، بل ربما يبعث الفرح لدى من لا يؤمنون بالأردن ويتربصون به.
الخطاب الواثق بالنفس، وإدراك العدو لكن باحترام للذات، والتوازن الذي يحقق هدف التوعية، لكن دون أن ندفع ثمنا مجانيا أمر نحتاجه في إدارة هذه الملفات، وهذا جزء من حسن إدارة المرحلة. الغد




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد