غزة والمعتدلون العرب .. اختلاف المواقع والمواقف

mainThumb

10-01-2009 12:00 AM

من عمان إلى القاهرة ، ومن الرياض إلى رام الله ، تختلف زوايا النظر بين عواصم "الاعتدال العربي" لمجريات العدوان الوحشي على غزة ، فتختلف تبعا لذلك مواقعها ومواقفها من الأزمة وتداعياتها ومن "سيناريوهات ما بعد غزة" ، فكيف ذلك؟

عمان انفردت عن غيرها من عواصم الاعتدال باعتماد "نبرة" مختلفة في الحديث عن الأزمة ، فهي تجنبت إلقاء اللائمة على حماس ، وهي اختارت أشد العبارات في نقد العدوان ، وهي فتحت الباب رحبا أمام الجماهير الغاضبة للتعبير عمّا يجول في صدرها وضميرها ، ولم تكن بحاجة لمنع صلوات الجمعة ولا استدعاء "الأمن المركزي" على عجل ، ولا الاستعانة بالمفتي العام لتحريم "التظاهرات الغوغائية" وحث الناس على التبرع بالمال والدم بدلا عن ذلك.

عمان تفردت بهذا الموقف دون غيرها من عواصم "الاعتدال" ، لأنها ببساطة تابعت الحرب المجنونة على غزة ، من زاوية ما بعد الحرب ، من زاوية "المؤامرة على الشعب الفلسطيني ومستقبله" ، واستتباعا: "المؤامرة على الشعب الأردني ومستقبله" ، وهي المؤامرة التي رسم معالمها بالتفصيل غيورا آيلاند ، وشرح مراميها بإيجاز جون بولتون ، وسيعمل على إنفاذها بنشاط ، بينيامين نتنياهو إن قدر له أن يتسنم قيادة إسرائيل بعد العاشر من شباط القادم.

أما القاهرة ، فنظرت إلى مجريات الحرب البربرية على غزة من زوايا مختلفة: الوراثة والخلافة والإخوان المسلمين ، فهي نظرت إلى حماس كامتداد للكابوس الإخواني ، وللجهاد كامتداد للحرس الثوري الإيراني ، لم تنظر إليهما كجزء من الحركة الوطنية الفلسطينية ، نظرت إلى ما يجري في غزة كجزء من عملية نقل السلطة في القاهرة ، وكحلقة في الصراع على دور إقليمي متهاو تحت وقع الصعود المتنامي لأدوار إقليمية أخرى ، فكان أداؤها نزقا وعصبيا ، بل ومثيرا للكثير من الشكوك والغضب والتساؤلات والاستنكارات التي عمت شوارع العالم ، وفي مقدمتها الشارع المصري ذاته.

الرياض تحركت في هذه الأزمة ، من موقع الغضب على حماس ، أولا: لأنها حليفة لدمشق ولنظامها الذي يحتل مكانة متقدمة في قائمة "خصوم" الرياض في هذه المرحلة...وثانيا: لأن حماس حليفة للنظام الإيراني الذي ترى فيه طهران مصدر تهديد لأمنها ودورها وزعامتها...وثالثا: لأن الرياض تحمل حماس وزر الإخلال باتفاق مكة ، ناهيك بالطبع عن التضامن المصري السعودي الرسمي الذي يعبر عن نفسه منذ بضع سنوات ، وتجلى في حرب تموز ومقاطعة قمة دمشق ، والتناغم في الموقف من حرب "الرصاص المصهور" على رؤوس أبناء القطاع وبناته.

رام الله بدورها ، تابعت الحرب على غزة من زاوية "الحسابات الثأرية" مع حماس ، والتي لم تخفها دعوات الحوار ولا المظاهرة الرمزية المشتركة على دوار الساعة أو المنارة ، هاجسها العودة إلى قطاع غزة ، تحت ظلال المبادرات حتى لا يقال على ظهور الدبابات ، وقد أبدت من الحماس لقرار مجلس الأمن والمبادرة المصرية ، ما يفوق حماس أصحابهما لهما ، والسبب أن القرار والمبادرة يدفعان باتجاه إعادة بسلطة "السلطة" لسلطتها على القطاع ، تحت جنح المراقبين والقوات الدولية تارة ، ومن خلال ما كشفت عن التايمز من مثلثات ومربعات يجري التخطيط لإقامتها بعيدا عن سلطة حماس في القطاع تارة ثانية ، أو من خلال "حكومة الوفاق الوطني التي يقبل بها المجتمع الدولي" تارة ثالثة ، أو تحت راية "إعادة بناء الأجهزة الأمنية" تارة رابعة ، إلى غير ما هنالك من مداخل وبوابات فتحتها نيران الدبابات الإسرائيلية ، ويراد للسلطة أن تعود من خلالها إلى القطاع الجائع والمحاصر.

ولأنه يصعب عليها الوقوف بصلابة في وجه العدوان وقطف ثماره في نفس الوقت ، فقد جاء أداء السلطة مرتبكا: حرب لا هوادة فيها ضد محاولات إطلاق شرارة انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية ، حرب لا هوادة فيها ضد حماس والجهاد (شملت فصائل أخرى) لم تتوقف ولم تضع أوزارها حتى في ذروة الحرب على القطاع ، هجوم على المقاومة التي باتت رديفا للإبادة بعد أن كانت رديفا للعبث ، وتضليل ما بعده تضليل بالقول أن القوات الدولية كانت مطلب الفلسطينيين منذ ثلاثين عاما ، من دون تمييز بين المطلب التاريخي للفلسطينيين بنشر هذه القوات على جميع الأراضي المحتلة عام 1967 وبصورة مؤقتة وبهدف حماية الشعب الفلسطيني وتوطئة لتمكينه من تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس ، وبين قوات تنشر في القطاع فقط ، لحماية إسرائيل ومنع التهريب والقضاء على حماس والجهاد وفصائل المقاومة ، وتوفير شبكة أمان للسلطة العائدة إلى القطاع من بوابة "المبادرات" التي نضجت على نار الحرائق في غزة.

من بين "العواصم" الأربع ، وحدها عمان تركّزت حساباتها ومخاوفها واشتقت سياساتها تأسيسا على ما يمكن أن يترتب على هذا العدوان من نتائج وخيمة على مستقبل القضية الوطنية الفلسطينية واستتباعا على المصلحة الوطنية الأردنية ، لهذا حظيت إدارتها للأزمة بثناء شعبي لم تقلل من شأنه صور الرابية بالأمس ، والتي كانت خروجا على مألوف الأسبوعين الماضيين ، والأرجح أنها ستخرج من هذا المنعطف بأقل الأضرار الممكنة ، إذا أخذنا بالفرضية التي تقول بأن لا رابح في هذه العدوان البربري.الدستور



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد