‏ تطير الكراسي وتبقى الرواسي

mainThumb

29-04-2016 05:54 PM

 هناك فارق بين الرواسي وبين الكراسي، والرواسي جمع ‏راسية، وهي الثوابت في الأرض من الجبال، وكذلك الثوابت من ‏الرجال في المجتمع وهم المفاصل وأصحاب الكرم والكرامة. ‏واما الكراسي فهي الجيفة التي يتقاتل عليها طالبوا متاع الدنيا ‏وما لهم في الاخرة من خلاق.‏
 
وقد أشار الله سبحانه الى الرواسي بقوله ((خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ ‏عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ ‏كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) ‏‏[لقمان: 10].‏
‏ ‏
وقال سبحانه وتعالى: ((أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ ‏أَوْتَادًا) [النبأ: 6-7]. (وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ ‏مَاءً فُرَاتًا) [المرسلات: 27]. (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا ‏رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا) [الرعد: 3] ‏
 
واما الكراسي ومتاعها فقد أشار اليها الله سبحانه بأنها متحركة ‏يتداولها الناس كما يتداولون السلعة الذاهبة الى زوال قال تعالى: ‏‏(وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس} [آل عمران:140] وَمَا أُوتِيتُمْ ‏مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ۚ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ‏ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) القصص اية 60 ‏
 
وان المأساة التي نعانيها في بلادنا ان العاشقين لمتاع الكراسي ‏إذا جلسوا عليها حسبوا أنفسهم الرواسي الشامخات، وانهم ‏مخلدون الى الابد وان الموت او التغيير سينساهم كما نسوه، ‏وانهم سيأكلون الدهر ويشربونه بدل ان ياكل الدهر عليهم ‏ويشرب، حتى إذا ما طارت بهم الكراسي والقتهم في واد سحيق ‏فلا صوت ولا صدى لهم ولا من يسمعهم، وادركم الغرق وقد ‏ابتعدوا عن شاطئ السلامة كما نأى الشاطئ عنهم، وأيقنوا انهم ‏ليسوا الرواسي وانهم اكذوبة طائرة وريش في مهب الريح.‏
 
‏ أقول حينها  يكررون ما قاله قدوتهم فرعون عندما ادركه ‏الغرق وهو ما يرويه القران الكريم  : ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ ‏الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ ‏الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا ‏مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ‏‏(91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ ‏النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) سورة يونس ولكن هؤلاء يذهبون ‏رفاتا ولا من يحنطهم او يخلدهم .‏
 
مثل هذه الاحداث تتكرر في بلادنا وليس منهم من يعتبر، لان ‏واحدهم إذا جلس على الكرسي أصيب بغشاوة على عينيه وسد ‏من خلفه واخر من بين يديه. وحسب ان البلاد لا تعمر الا به ‏وان الشعب لا يعيش الا بوجود هذا النكرة على الكراسي ‏الطائرة المتطايرة المتبخرة .‏
 
‏  لا يعرف عابد الاصنام من اجل الكراسي لماذا جيء به ولا ‏لماذا يطير ولا لماذا يتبخر، ولا لماذا يتحول من مطلب للمرحلة ‏الى مرفوض للمرحلة ومن رجالات الدولة الى شخص غير ‏منسجم مع مسار الدولة، انه رقم لا قيمة له وهو يحسب انه ‏شيء كبير وكثير وانه الرقم الصعب.‏
 
‏  ينام حضرته المبجلة على أوهام الديمومة وتتبخر أحلامه في ‏ليلة ليس فيها ضوء قمر وكان يحسب انه عبقري زمانه وانه ‏جاء ليبقى الى يوم القيامة وبعث النفس اللوامة، وانه الراسيات ‏الشامخات وانه الثابت وما سواه متحركات، وإذا به وهم بددته ‏الحقيقة وظل اختفى في الظلام لواذا امام شمعة، وصار اثرا بعد ‏عين كمن سبقه من الوزراء والاوزار وأصحاب الألقاب ‏والمراتب الوهمية التي تأتي وتذهب بكلمة واحدة وكأن شيئا لم ‏يكن، وهنا نقول: سبحان الله العظيم: تطير الكراسي وتبقى ‏الرواسي.‏
 
ان للكراسي وهج يعمي البصر لمن لا بصيرة له وان الشخص ‏قد يقتل ويعتقل ويعذب أقرب الناس اليه من اجل الكراسي ‏الخشبية المتحركة، بحيث يصبح معها الاطاحة بعاشق الكرسي ‏رحمة له مما كان يمكن ان يصيبه من المصير الهالك ورحمة ‏للناس من ان يصيبهم بشروره وغروره.‏
 
وفي لسان العرب: (: الملك عقيم لا ينفع فيه نسب لأن الأب ‏يقتل ابنه على الملك. وقال ثعلب: معناه أنه يقتل أباه وأخاه وعمه ‏في ذلك. والعقم: القطع، ومنه قيل: الملك عقيم لأنه تقطع فيه ‏الأرحام بالقتل والعقوق).‏
 
أقول لأولئك النكرات الذين جاءوا نتيجة لعطسة الزمان او ‏التكريس الماسوني او مشيمة الفساد، ليكونوا على الكراسي ‏يعيثون فسادا ويتحكمون بعباد الله قتلا واعتقالا وتعذيبا وسجنا ‏بحجة الحفاظ على ما يسمى هيبة الدولة وهم لا يؤمنون ان ‏هيبتها لا تكون الا بالحرية والعدالة والديموقراطية وحقوق ‏الانسان والحوار.‏
 
أقول لهم: عندما يتم الالقاء بكم تحت الاقدام واخفاف الإبل ‏الجرباء التي اصبتموها بداء الجرب والهرب، وداستكم سنابك ‏الخيل صرتم تتحدثون عن بطولات لكم وهمية وأنتم أعداء ‏للصدق والوطنية، وتدعون حرصكم على الوطن والشعب ‏والهوية والشرعية وأنتم من باعها جميعا بقرار من اجل متاع ‏زائل ورخيص وسخيف اقله من اجل البقاء في المنصب، ‏والعلاقات المخملية، ليقال عن أي منكم انه صاحب المنصب ‏الرفيع والمطاع المطيع، والرجل الأقوى في الدولة وهو اوهن ‏من بيت العنكبوت.‏
 
‏    وكما ينصب العنكبوت شبكته الواهنة لاصطياد ذبابة ‏يمتصها، فان حلم وامل هذا الهالك المتهالك المطرود من رحمة ‏الدولة ورحمها ورحيمها، ان يكون رئيس جاهة لخطبة عروس ‏يقع عليها الطلاق بعد أيام من الجاهة لأنه وجه شؤم عليها، او ‏رئيس زمرة خرقاء لتناول الطعام على حساب ارملة ولو ذبحت ‏راس الشاة الوحيدة التي تملكها.‏
 
‏    يا ألهى كم هم مغرمون بالألقاب والولائم والجاهات وقولهم ‏في كل مرة: نريدها رسالة تصل الى صاحب القرار أي انهم ‏يتحولون الى حمام زاجل لإرسال الرسائل او تكليف حمام اخر ‏يحملها في تقرير يكتبه من يتقاضى عليه عشرة دولارات او ‏اقل.‏
 
والمحزن انه كلما جيء بنكرة في منصب ادعى انه سياسي وانه ‏عبقري وانهم قبلوا يديه وقدميه وأرسلوا عليه الجاهات من سائر ‏وجهاء الأردن من اجل ان يقبل العودة للمنصب وانه رجل ‏المرحلة الذي سيحفظ توازن الأردن وامنه، وهو في الحقيقة من ‏قبل الايادي والارجل وسلك سائر طرق الذلة والمذلة وقبول ‏الاذلال والعمالة لسفارة او وزارة او إدارة او محفل ماسوني هنا ‏او هناك، ليحقق عودته المأمولة غير المأمونة، وينفض القرار ‏عنه غبار المومياء ويقول الناس سبحان من يحيي العظام وهي ‏رميم.‏
 
‏    وفي الحقيقة ان الأردن تخلو من السياسيين في مواقع القرار، ‏وانما اشخاص يحسبون أنفسهم انهم سياسيون وهم لا يفهمون من ‏السياسة الا بمقدار ما يعرف حصاننا (او..) الذي مات قبل ‏نصف قرن من اللغة السنسكريتية، لأنه ممنوع على من يفهم ‏السياسة ان يصبح من أصحاب الألقاب: دولة، معالي، سعادة، ‏عطوفة،
 
‏ وفي الحقيقة ان هؤلاء هم موظفون في مواقع سياسية يحملون ‏القابا وهم لا يفقهون في السياسة شيئا، اذ كيف يقال ان فلانا ‏وعلتانا وفلتانا سياسيا وهو لا يعرف الحوار ولا يفهم الا لغة ‏البطش والقتل والاعتقال والتعذيب والتهرب والتهريب ‏والتخريب والقنوا؟ ولا يميز بين السياسة والتياسة ولا بين ‏الكياسة والتعاسة.‏
 
انها لعبة الكراسي التي تطير، وكما ان للأرض جبال رواسي، ‏فان للمجتمع والدول رجال رواسي شامخين كالجبال، وهم ‏سلاطين غير متوجين وان تم ابعادهم عن مواقع القرار، ومهما ‏عمل النكرات على تهميشهم وتهشيمهم فهم الرواسي التي تبقى، ‏وهم ملح البلاد وعماد الدولة الحقيقية التي لا زلنا ننتظر قيامها ‏ان شاء الله، وبهم تتحقق مقولتنا أعلاه: تطير الكراسي وتبقى ‏الرواسي .‏


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد