المقاومة إذ تفقد مفهومها

mainThumb

28-05-2016 10:14 PM

عندما تصدح الحناجر كذبا ، ويكون "المايكروفون "هو الملاذ الوحيد ، وتخرس البنادق رصاصا ‏، تصبح المباديء في خطر ، وها نحن نعيش هذه المرحلة  ، ويغمرنا سراب "السلام" الذي هو ‏في حقيقته  إستسلام واضح وأكيد، علما أن  ما يجري ليس غصبا عن المعنيين ، بل برضاهم ، ‏لأنهم في حقيقة أمرهم كانوا يرغبون بذلك ، ظنا منهم انهم سيحصلون على شيء  .‏
المقاومة التي أتحدث عنها هي الفلسطينية واللبنانية ، فعندما  إندثرت المقاومة الفلسطينية  في ‏أوسلو ، ظننا أن المقاومة اللبنانية  ستعوضنا خيرا في ترميم الإنهيار الذي أحدثته إتفاقيات اوسلو ‏سيئة الصيت والسمعة  ، خاصة بعد  فخر مواجهة  تموز 2006  ، لكن المقاومة اللبنانية   ‏إندثرت هي الأخرى في المستنقع الدموي السوري ، وإنحازت  لنظام قمعي دموي  طائفي لم ‏يسهم يوما في مواجهة إسرائيل  أصلا ، ولا أعان اصحابها على التحرير والعودة ، وإنما كان ‏يتعامل معهم  بعقلية التاجر الدمشقي الشاطر الذي لا تقل  شطارته عن شطارة  تاجر البندقية ‏شايلوك.‏
المقاومة الفلسطينية  ولدت بخطيئة قاتلة    ، هي إفراغ الأرض المحتلة من الثورة  وحشدها في ‏لبنان ، مع خطيئة أخرى تمثلت في الإنقسامات المتتالية في التنظيمات  التي بدأت كبيرة وإنتهت ‏دكاكين  تستمريء زيارة طرابلس الغرب وكيل المديح للقذافي إبن اليهودية "رزالا"، من أجل ‏الحصول على حفنة دولارات  لتمويل الإنقسام التقليدي الفلسطيني.‏
ومع الأسف فإن الساحة الفلسطينية التي كانت  متصلة بإمتداد عربي – إسلامي موبوء ، ‏إستجابت   للمؤامرات الخارجية  وظهر ما يربك الساحة الفلسطينية أكثر ، بعد الضياع الذي ‏سببته إتفاقيات أوسلو، وظهر فيها إنقسام أزلي  تسابق طرفاه  في تقديم الخدمة لإسرائيل من ‏خلال التنسيق الأمني  والمغامرات العسكرية الطائشة التي كان الشعب الفلسطيني ،   يدفع ثمنها  ‏عاليا  ومتعدد الحالات والأشكال ،   أشدها خطورة  حصار قطاع غزة منذ العام 2007 بعد أن ‏إستمرأ البعض الحكم وشارك في إنتخابات   مرسومة جيدا سهلت  لهؤلاء البعض النجاح فيها.‏
سلسلة أخطاء كبيرة فرضت  نفسها على المقاومة بشقيها الفلسطيني واللبناني ، كان في مقدمتها ‏قبول الثورة الفلسطينية التمويل الخارجي  ، الذي حرف مسارها  منذ أول شيك تسلمته القيادة  ، ‏وغير نمط حياتها ، وعند تدفق الشيكات ، لمسنا  تكثيفا في الضغوط الممولة لحرف الثورة عن ‏مسارها ، ويقيني أن ما وصلنا إليه هو نتيجة لهذا التمويل  ، لأنه شكل نافذة ضغط  وبعث ‏حالات فساد أسهمت في تعهير الواقع الفلسطيني.‏
ما زاد الطين بلة هو  أن هذه الثورة إتسمت بالشللية  والجهوية  ،  وإقتصرت على  الليونة في ‏إبداء المواقف   ،لذلك تساقط الكثيرون  الأشداء في المسية إما  قتلا أو قرفا من الواقع ، والبحث ‏عن المكاسب  والتأليه لبعض القيادات  ، وعدم المحاسبة ، ناهيك عن ظهور حالة الإستقواء ‏بالخارج  ، ووجود فصائل أسستها أنظمة عربية وكانت تعمل لصالحها ، الأمر الذي أدخل ‏الشعب الفلسطيني في ورطات  مع البعض  كان في غنى عنها ، وقد تجلى ذلك في التحول عن ‏مجابهة مستدمرة إسرائيل ، إلى مجابهة الشعوب الثائرة على  حكامها ، كما هو الحال في سوريا ‏الآن.‏
رغم الأمل الذي غشي الجميع من أن النصر  يقترب شيئا فشيئا ، إلا أن الإحباط حاليا هو السائد ‏، لأن المقاومة الفلسطينية  شطبت نفسها بنفسها  ، من خلال الإنقسام والتنسيق الأمني الذي ‏يحقق فوائد للطرفين ، ولا أدرى كيف لقائد جاء لمحاربة  إسرائيل ان يرسل إلى مستشفياتها أمه ‏أو أخته أو إبنه  أو إبنته لتلقي العلاج فيها ، ولم يسأ ل نفسه عن الثمن الذي دفعه  أو سيدفعه  ، ‏ناهيك عن القادة الذين يفضلون السهر في تل أبيب لأنهم يحبون اللحم الأبيض  المتوسط.‏
أما بالنسبة للمقاومة اللبنانية  فقد وضعت نفسها في ورطة ،  لأنها ربطت نفسها  ومصيرها ‏بمصير النظام الطائفي في سوريا الذي ثبت في الحكم  حتى اليوم ، لأن  مستدمرة إسرائيل ‏أرادت له الثبات  ، كي يستمر الحال في سوريا إلى  إحتراق أكثر ، تحقيقا لرغبة  هذه المستدمرة ‏التي تتخوف من نهضة عربية – إسلامية حقيقية.‏
لا أدعي أنني أكملت النظرية ، لكنني وضعت أسسها ، داعيا الجميع ممن لهم علاقة بالأمر ،  أن ‏يستكملوا البحث والدراسة  من أجل مراجعة حقيقية  ، تستفيد منها الأجيال المقبلة في ثورتها ‏الجديدة المقبلة إن شاء الله.‏


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد