عندما تصدح الحناجر كذبا ، ويكون "المايكروفون "هو الملاذ الوحيد ، وتخرس البنادق رصاصا ، تصبح المباديء في خطر ، وها نحن نعيش هذه المرحلة ، ويغمرنا سراب "السلام" الذي هو في حقيقته إستسلام واضح وأكيد، علما أن ما يجري ليس غصبا عن المعنيين ، بل برضاهم ، لأنهم في حقيقة أمرهم كانوا يرغبون بذلك ، ظنا منهم انهم سيحصلون على شيء .
المقاومة التي أتحدث عنها هي الفلسطينية واللبنانية ، فعندما إندثرت المقاومة الفلسطينية في أوسلو ، ظننا أن المقاومة اللبنانية ستعوضنا خيرا في ترميم الإنهيار الذي أحدثته إتفاقيات اوسلو سيئة الصيت والسمعة ، خاصة بعد فخر مواجهة تموز 2006 ، لكن المقاومة اللبنانية إندثرت هي الأخرى في المستنقع الدموي السوري ، وإنحازت لنظام قمعي دموي طائفي لم يسهم يوما في مواجهة إسرائيل أصلا ، ولا أعان اصحابها على التحرير والعودة ، وإنما كان يتعامل معهم بعقلية التاجر الدمشقي الشاطر الذي لا تقل شطارته عن شطارة تاجر البندقية شايلوك.
المقاومة الفلسطينية ولدت بخطيئة قاتلة ، هي إفراغ الأرض المحتلة من الثورة وحشدها في لبنان ، مع خطيئة أخرى تمثلت في الإنقسامات المتتالية في التنظيمات التي بدأت كبيرة وإنتهت دكاكين تستمريء زيارة طرابلس الغرب وكيل المديح للقذافي إبن اليهودية "رزالا"، من أجل الحصول على حفنة دولارات لتمويل الإنقسام التقليدي الفلسطيني.
ومع الأسف فإن الساحة الفلسطينية التي كانت متصلة بإمتداد عربي – إسلامي موبوء ، إستجابت للمؤامرات الخارجية وظهر ما يربك الساحة الفلسطينية أكثر ، بعد الضياع الذي سببته إتفاقيات أوسلو، وظهر فيها إنقسام أزلي تسابق طرفاه في تقديم الخدمة لإسرائيل من خلال التنسيق الأمني والمغامرات العسكرية الطائشة التي كان الشعب الفلسطيني ، يدفع ثمنها عاليا ومتعدد الحالات والأشكال ، أشدها خطورة حصار قطاع غزة منذ العام 2007 بعد أن إستمرأ البعض الحكم وشارك في إنتخابات مرسومة جيدا سهلت لهؤلاء البعض النجاح فيها.
سلسلة أخطاء كبيرة فرضت نفسها على المقاومة بشقيها الفلسطيني واللبناني ، كان في مقدمتها قبول الثورة الفلسطينية التمويل الخارجي ، الذي حرف مسارها منذ أول شيك تسلمته القيادة ، وغير نمط حياتها ، وعند تدفق الشيكات ، لمسنا تكثيفا في الضغوط الممولة لحرف الثورة عن مسارها ، ويقيني أن ما وصلنا إليه هو نتيجة لهذا التمويل ، لأنه شكل نافذة ضغط وبعث حالات فساد أسهمت في تعهير الواقع الفلسطيني.
ما زاد الطين بلة هو أن هذه الثورة إتسمت بالشللية والجهوية ، وإقتصرت على الليونة في إبداء المواقف ،لذلك تساقط الكثيرون الأشداء في المسية إما قتلا أو قرفا من الواقع ، والبحث عن المكاسب والتأليه لبعض القيادات ، وعدم المحاسبة ، ناهيك عن ظهور حالة الإستقواء بالخارج ، ووجود فصائل أسستها أنظمة عربية وكانت تعمل لصالحها ، الأمر الذي أدخل الشعب الفلسطيني في ورطات مع البعض كان في غنى عنها ، وقد تجلى ذلك في التحول عن مجابهة مستدمرة إسرائيل ، إلى مجابهة الشعوب الثائرة على حكامها ، كما هو الحال في سوريا الآن.
رغم الأمل الذي غشي الجميع من أن النصر يقترب شيئا فشيئا ، إلا أن الإحباط حاليا هو السائد ، لأن المقاومة الفلسطينية شطبت نفسها بنفسها ، من خلال الإنقسام والتنسيق الأمني الذي يحقق فوائد للطرفين ، ولا أدرى كيف لقائد جاء لمحاربة إسرائيل ان يرسل إلى مستشفياتها أمه أو أخته أو إبنه أو إبنته لتلقي العلاج فيها ، ولم يسأ ل نفسه عن الثمن الذي دفعه أو سيدفعه ، ناهيك عن القادة الذين يفضلون السهر في تل أبيب لأنهم يحبون اللحم الأبيض المتوسط.
أما بالنسبة للمقاومة اللبنانية فقد وضعت نفسها في ورطة ، لأنها ربطت نفسها ومصيرها بمصير النظام الطائفي في سوريا الذي ثبت في الحكم حتى اليوم ، لأن مستدمرة إسرائيل أرادت له الثبات ، كي يستمر الحال في سوريا إلى إحتراق أكثر ، تحقيقا لرغبة هذه المستدمرة التي تتخوف من نهضة عربية – إسلامية حقيقية.
لا أدعي أنني أكملت النظرية ، لكنني وضعت أسسها ، داعيا الجميع ممن لهم علاقة بالأمر ، أن يستكملوا البحث والدراسة من أجل مراجعة حقيقية ، تستفيد منها الأجيال المقبلة في ثورتها الجديدة المقبلة إن شاء الله.