خصوصية الضحك في الأردن: محاولة تفسير

mainThumb

02-01-2010 12:00 AM

في مقالة الخميس ذكرت أن الأردنيين يضحكون بشكل مخفي "غير رسمي" وفيما يلي محاولة لتفسير الظاهرة.

يضحك الأردنيون في جلساتهم الخاصة ويطلقون النكات حتى في الأمور التي تصنف ضمن المحرمات مثل قضايا الدين والجنس والطبقات والطوائف والاثنيات, ولكن كل ذلك يجري في سياقات معينة ومحددة. أما مواصفات الجلسة الأردنية العامة "الرسمية" فهي لا تشتمل على الضحك إلا وفق شروط خاصة. إن الأردنيين يحرصون على ما يسمونه "عدم رفع الكلفة" فيما بينهم, ويحتج أحدهم إذا رفع آخر تلك "الكلفة" معه بلا مقدمات وبادر إلى الضحك والمزاح.

يمكن أن نرد هذه المواصفات في الشخصية الأردنية إلى سيادة قيم البداوة واستمرار أولويتها على غيرها, فصحيح أن الصراع بين النمطين الاقتصاديين البدوي والفلاحي حسم على الأرض لصالح النمط الفلاحي, لكن الفلاح والحضري كذلك, استسلما لقيم البداوة التي حافظت على مرتبتها العالية في قمة منظومة القيم الاجتماعية.

في حياة البداوة من المهم الحفاظ على الهيئة الوقورة الحادة والجادة والمتيقظة في المواقف العامة, إن الحياة قاسية والنجاح والاستمرار فيها يعتمدان على عناصر مثل الغزو وما يتطلبه من فطنة وذكاء ومكر وهي صفات مقبولة ومرحب بها ومفضلة على غيرها, فأنت إذا لم تكن ماكراً فطناً فإنك ستكون ضحية لفطين أو ماكر آخر. لكن بمجرد العودة إلى مجتمعك الخاص ودائرة علاقاتك الخاصة فإن المواقف التي مررت بها قد تتحول إلى حكايات مليئة بالمفارقات وقد يتخللها كثير من التهكم, ولهذا نجد ان كثيراً من الحكم والأمثال والأوابد بُنيت أصلاً على أحداث جدية ومهيبة لكنها تتخذ الصيغ التهكمية, وهي صيغ عادة ما تكون كثيفة الدلالات والإشارات إلى الثقافة السائدة على المستوى الشعبي.

إن الضحك بصفته ممارسة إنسانية اجتماعية يخضع للمجتمع الذي يجري فيه, فهو مخفي في مجتمع يتطلب الإخفاء, ومعلن في مجتمع يسمح بالإعلان.
ahmad.abukhalil@alarabalyawm.net
العرب اليوم


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد