أردوغان والجعبة العربية الفارغة

mainThumb

01-07-2016 02:48 AM

لم يكن يتبادر لأذهان الناس المولعين بالنقد الدائم أن يتخذ الطيب أردوغان خطوات في هذا الاتجاه والذي ظنوه حكراً على حكوماتهم العربية فقط، فأن تعقد الدول العربية اتفاقات سلام يهلل لها كتاب الصحابة المبرمجين بالريموت كنترول، أو يقاطعها الممانعون جهراً ويتعاطون مع من أبرموها سراً فهذا في عرفهم جائز وحلال...
 
لكن أن يقدم زعيم دولة إسلامية تصدر المشهد لسنوات وهو ينادي ويناضل في سبيل قضية فلسطين ولا حياة لمن تنادي، لقد نادى بفك الحصار عن غزة، ونادى بحماية الغزيين، حاول كسر الحصار أكثر من مرة...الحصار ذاته الذي ضربته دولاً عربية شقيقة...شقيقة في الدم والعروبة والدين...
 
الرئيس أردوغان الذي وبخ الزعيم الصهيوني في دافوس على مرأى ومسمع من العالم،،، هذا الصهيوني الذي زار العديد من بلاد العرب وتناول فيها الشاي المزبوط والأرجيلة،...أردوغان الذي أعاد قضية فلسطين إلى الواجهة الدولية بعين إسلامية لم يكن عليه –من وجهة نظر الأتراك العلمانيين- أن يزج بلاده في هذا المضمار وقد ابتعدوا عنه لعقود، لاسيما وأن تركيا بلد تعافى من أزماته الاقتصادية وأخذ يشق طريقه بين الدول الكبار في العالم...أردوغان الذي راهن على الجعبة العربية والتي قال عنها غير مرة أنها عمقه الإستراتيجي، لم يجد منهم إلا الوعود والبراجماتية المملة، وعود يأخذها في جلساته بعيداً عن الكاميرات، ويبطلها قائلوها مع أول اتصال لموظف رفيع بالبيت الأبيض..أردوغان الذي تعرضت حكومته لأسوأ موجة تشويه من العرب أنفسهم، وكأن العرب تركوا بلادهم وسكنوا في تركيا...وكأنهم هم من يشاركون في الانتخابات...
 
أردوغان الذي تفاجأ بأن جهات عربية تدعم المرشحين المنافسين له ولحزبه بالأموال الطائلة...ليس دفاعاً عن أردوغان لكنها كلمة لمن احترفوا النقد والنقد فقد...وأن آخر إنجاز أحرزوه هو حصولهم على شهادة البكالوريس بتقدير مقبول  أو جيد في أغلب الأحيان...أقول لهم: بدل أن تستلوا ألسنتكم الحداد على غيركم ممن يعمل ويبني فأروني ماذا صنعتم غير انتظار الصدقات التي يرسلها لكم سماسرة الذمم ممن يريدونكم دائماً في خندق الملاسنة وليس الممانعة، أقول لكم...أعطوني إنجازاً واحداً لدولكم أو لقادتكم خلال الخمسة عقود الأخيرة غير المديونيات الباهظة وانتفاء معالم السلم المجتمعي، أو حتى الدمار الشامل الذي طال كل شيء...أردوغان لم يشأ أن يأخذ استراحة محارب، ولكنها تكتيكات الحرب عندما يحيط بك الأعداء من كل صوب فلا بد لك أن تفتح ثغرة للنجاة أو للتحول إلى موقف أكثر جاهزية منه...ولمن لا يقرأ تاريخه فنرشده إلى قراءة كتب تاريخ الحروب بين صلاح الدين والصليبين، وكم مرة وقع اتفاقاً معهم...
 
وكل هذا وهو يجهز لطردهم من بيت المقدس...فلو استمر أردوغان بالسير في نفس الاتجاه فإن الحتمية الواقعية تشير إلى انتحار مشروعه السياسي من خلال إطباق الحصار الخانق على كل منافذ السياسة الخارجية...فروسيا وإيران وإسرائيل وأمريكا وأوروبا بكاملها....والعلمانيون من يهود الدونمة في تركيا، والأكراد الممولين من العرب والغرب والصهاينة والفرس...والعرب بعدهم وعديدهم حتى الذين يتعاطفون مع أردوغان لا يملكون له حولاً ولا قوة...لذا فإن السياسي الناجح والقائد الفذ لا بد له أن يبحث عن طوق نجاة لمرحلة وليس للأبد..بعكسنا نحن العرب الذين جعلنا من السلام مع إسرائيل خيار أبدياً لا رجعة عنه...أردوغان لم يتحدث عن منحهم أراض من الضفة ولا غزة...ولكن تكلم عن إعادة إعمار غزة الذي تنكر له العرب قبل العالم، أردوغان تكلم عن تخفيف المعاناة عن غزة التي خنقتها أيادي العرب ولم تسمن كل مؤتمراتهم عنها بشيء..
 
أردوغان تكلم عن مياه يشربها الغزيون وعن كهرباء...هل نسي العرب مواعيد انعقاد القمم العربية  الطارئة عند كل عدوان على غزة أنها كانت تنعقد بعد أسابيع من العدوان...ألم تهاجم إسرائيل غزة لمدة زادت عن الخمسين يوماً فماذا فعل متسلحوا الألسنة...لم يفعلوا غير تبرير صمتهم وجبنهم وعمالتهم...وبالنهاية نجدهم يتكلمون في كل شيء...للعلم أيها القارئ الكريم: إذا كنت تعتب على أردوغان بإعادة علاقة مع الكيان الإسرائيلي انقطعت منذ سنوات...فإن الحكومات العلمانية في تركيا قد أقامت علاقاتها مع إسرائيل من عام 1949م...مع وجود اعتراف كامل بدولة إسرائيل، وتحالفات عسكرية على أوسع مجال...لم يكن لإسرائيل أقوى منها إلا مع أمريكا...أنا ضد إسرائيل إلى يوم الدين...ولن أؤمن بوجود إسرائيل ...لكن الخطة الأمريكية القاضية بالقضاء على تركيا من خلال توريطها في كل مشاكل المنطقة وتركها في الساحة لوحدها..أمريكا التي أعدت العدة للقضاء على باكستان بعد عام 1997م عندما رأت أن الباكستان أخذت بالصعود كقوة اقتصادية وعسكرية، فاخترعت لها طالبان والقاعدة وأحداث سبتمبر 2001م، وكان الذي ترون...والعراق قبلها عندما جرتها لاحتلال الكويت عام 1990م، فكان ما ترون في العراق الآن...
 
لذا وجدت أمريكا في المسألة السورية فخاً كبيراً يستدرج الأتراك للدخول فيه من أجل الخروج بقواته وجيشه وتحويل كافة الوفورات المالية التي بدأت تركيا بتحقيقها إلى موازنات حرب، والسبب واضح لتبقى أمريكا هي سيدة العالم بلا منازع...لكن أردوغان أوعى من مراهقي السياسة العرب الذين يظنون أنهم يفقهون سياسة الدول، وفي الحقيقة لا يشكل العديد منهم إلا عمال مقاسم هاتفية تستقبل الأوامر وتصدرها كما هي...


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد