الغباء الانتخابي

 الغباء الانتخابي

17-07-2016 11:34 AM

نقدر عاليا سعي الدولة لتنظيم انتخابات حرة نزيهة تعبر عن رأي الشعب الأردني وتطلعاته السياسية والاجتماعية والانتخابية، ونقدر عاليا سعي الدولة بكافة أجهزتها الأمنية والقانونية والتشريعية لسن القوانين والتشريعات التي تضبط العملية الانتخابية وتسير بها الى بر الأمان بما يضمن نجاحها على المستوى الشعبي والتشريعي وخلق الآلية التي توجد التواءم المناسب بين شكل الانتخابات ومضمونها.
 
ولكن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هنا هو هل يتناسب مستوى الفهم الشعبي ضمن القاعدة الانتخابية مع الجهد الرسمي المبذول من حيت الطرح والاختيار؟ وهل يمتلك الناخب القدرة والحرية على اختيار النائب الذي يلبي حاجته ويتبنى قضاياه بعيدا عن التأثير الجغرافي والعشائري؟ وهل ستنجح الشريحة الناخبة في المواءمة بين شكل الانتخابات الذي تعمل الدولة على توفيره مع المضمون المرجو من عقد الانتخابات؟ وهل سيتمكن الناخب وبإرادته الحرة من الاختيار بين البدائل الانتخابية المختلفة بعيدا عن المؤثرات التقليدية؟ وهل ستكون هناك تنافسية في الانتخابات تضمن حرية الاختيار؟
 
المؤشرات الأولية ومن خلال الحراك الشعبي تدل على أن الإجابة على معظم الأسئلة ستكون سلبية. فالجهد الرسمي المبذول للخروج بانتخابات ناجحة تنظيميا كبير جدا ولكن الفهم الشعبي لتوجه الدولة فيما يخص حرية الطرح والاختيار ما زال في الكثير من المناطق محصورا بالبعد العشائري والجغرافي حيث ان نفس الوجوه التي لم توفر للبلد برلمانا واحدا ناجحا في السابق يعاد تلميعها وتداول اسمائها عشائريا للانتخابات القادمة مما يعني أنه وفي حال نجاح هذه الأسماء فإن التوجهات المستقبلية للنواب ستراوح مكانها وسينجح الشكل ويفشل المضمون.
 
الناخب العشائري مجرد رقم لا غير ، لا يؤثر و لا يغير سياسة ولا توجها ولا يبني فكرة أو يوصل للبرلمان من يستفيد منه الوطن لأن ولاءاته محصورة ضمن مصلحة العشيرة وخياراتها ولا يستطيع ان يغير فيها أو يخرج عنها وينطبق علية قول الشاعر (ومَا أَنَا إِلَّا مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ... غَوَيْتُ وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ ) وهذا الناخب يمثل قمة الغباء الانتخابي وهو نفس الناخب الذي سيوجه النقد اللاذع فيما بعد للنواب وأدائهم ، أي أنه سيكون معول هدم لما بنته يداه.
 
يؤمل أن تؤدي مجموعة القوانين التي سنتها الدولة والقانون الانتخابي الجديد الى مجلس نيابي منتخب يواكب التطورات ويلبي طموح الناخبين ولكن العقلية التي يتعامل بها الناخبون لا زالت لا ترقي لمستوى الطموح حيث لا زال الشك في النزاهة والتعصب العشائري والمناطقي هما سيدا الموقف في جلسات المرشحين ومن يمثلهم، ولا زال الكثيرون من الناخبين متوجسين حيال نزاهة الانتخابات ولذلك فإن المضمون الانتخابي والبرامج المطروحة  لا تلقى رواجا على اعتبار أنه سيتم الالتفاف عليها لاحقا.
 
التنافسية الانتخابية الحرة تعني أن يتمتع الناخب بالقدرة على التمييز الصحيح بين البرامج الانتخابية المطروحة وأن يكون اختياره للنائب مبنيا على قدرة النائب على تطبيق برنامجه الانتخابي ضمن سقف التوقعات المأمولة والتي تتناسب مع مقدّرات الدولة وأولوية حاجة المواطن من ضمن هذه الطروحات شريطة أن يتم التعاطي معها على أساس أنها حاجة وطنية وليست جغرافية وأن يتم العدل في توزيع الخدمات بناءً على الألوية وليست على العلاقات الشخصية. 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد