التطرف .. عدلت فأمنت فنمت

mainThumb

06-04-2017 08:30 PM

فعلها غيرنا ،ونحن ما نزال ندفع الثمن ، والأغرب من ذلك أننا صدقنا الكذبة ،وثبتنا التهمة على أنفسنا ، ورغم مرور 16 عاما ، إلا أننا مستمرون في عقد المؤتمرات وورشات العمل الممولة أجنبيا  لإدانة أنفسنا  ،حتى أن أحدهم مؤخرا إعترض على عدد المساجد وطالب بالتقليل منها.
 
منذ الحادي عشر من شهر أيلول 2001 ،يوم المؤامرة الصهيونية الكبرى عى أمريكا بالتحالف مع اليمين الأمريكي ، وتفجير برجي التجارة العالمية ومحاصرة الرئيس المجنون بوش الصغير في الجو والهجوم على البنتاغون ،على أيدي الموساد الإسرائيلي وشركائهم من اليمين الأمريكي،ونحن منشغلون بالدفاع عن أنفسنا ، علما أن الرأي العام الأمريكي أدرك الحقيقة مبكرا ،وحسم أمره بالدلائل العلمية القطعية ،أن أحدا  لا يستطيع تنفيذ تلك الجريمة المعقدة التي ترقى إلى إعلان الحرب على أمريكا ،سوى الموساد الإسرائيلي،وطبعا حليفه اليمين الأمريكي.
 
تجلى الوضع بكل أبعاده عندنا في الأردن ،وصرنا بين الفينة والأخرى نشهد مؤتمرا أو ورشة عمل أو جلسة حوارية  حول التطرف والإرهاب ،ويكون  الثقل كله موجها نحو الفرد ،ويكون السؤال المتكرر :لماذا يتطرف الفرد ؟
 
وهو بذلك يتناسون السبب الرئيسي للتطرف وتبعاته  ،إذ لم يجرؤ أحد على تبني نتائج تحقيقات الرسميين الأمريكيين بالنسبة لتفجير البرجين ،أو إتهام الحكومات المتعاقبة بأنها سبب التطرف في الأردن ،وقد وجهت الإتهامات نحو الدين  ،وكأن الدين الإسلامي الحنيف قد نزل بالأمس وليس قبل أكثر من 1400 سنة ، وأن يهود بالتحديد لم يشهدوا طيلة حياتهم أمنا وأمانا إلا في ظل الحكم الإسلامي.
 
لن أطيل الحديث في موضوع البرجين لأن الأمور تكشفت  وهناك تقارير ولجان تحقيق رسمية أثبتت أن الموساد هو الذي فجرهما ولكنني سأركز على "التطرف "في الأردن ،وأقول أن الدين براء من التطرف ،لأن  الدين لمن يفهمه هو عامل محبة وسلام وطمأنينة .
 
بداية أو التذكير بزيارة مبعوث كسرى للجزيرة العربية للقاء الخليفة عمر بن الخطاب ،وعندما دخل المدينة سأل عن قصره ،فقيل له بأنك ستجده نائما تحت شجرة في باحة المسجد ،ولم يصدق مبعوث كسرى ما سمع ،ولكنه فوجيء إلى حد الصدمة عندما وجده  فعلا يفترش الأرض ويلتحف السماء وقد علق التراب بثوبه ،وقال عبارته المشهورة :"عدلت فأمنت فنمت" .
 
يحق لمبعوث كسرى القادم من قصور  كسرى التي تعج بكل ما هو فاخر وأنيق ،ولم يستوعب كيف أن "ملك " المسلمين"الخليفة عمر بن الخطاب غير ملك الفرس كسرى ،فالثاني لا ينام إلا على الوثير من الفراش وريش النعام  ووسط حراسة مشددة،بينما الفاروق ينام هكذا على الأرض  تحت شجرة وبدون حراسة.
 
عمومافإن كلماتمبعوث كسرى  الثلاث :"عدلت فأمنت فنمت"،هي كامل الإستراتيجية الأمنية والسياسية والإجتماعية وحتى الإقتصادية ،وملف العدل واسع ويشمل المساواة وتوفير فرص العمل للجميع وتحقيق المواطنة الحقة  وعدم الحاجة ،وهذا كله يؤدي إلى الأمن ،بمعنى أن  الأمن وتحقيقه لا يكون بتفريغ أكبر عدد من العسس المسلحين وغير المسلحين ،ومهمتهم البطش ثم البطش والبطش  بطرقه المعروفة ،وفي المقدمة العقاب الجسدي والنفسي والسجن والحرمان  من العمل والإقصاء والتهميش.
 
عندما يسود المجتمع العدل ،ويكون المسؤول عادلا يحكم بما أنزل الله ،ولا يكون أبناؤه ومن يصل إليه مميزين عن غيرهم بكل شيء ،ويستحوذون على كل شيء من مناصب ومكتسبات مشروعة وغير مشروعة ،وأن يخرج من خدمته كما دخلها ،بمعنى ألا يكون غارقا بالفساد ،عند ذلك نرى مجتمعا آمنا ،يخلو من جرائم القتل والسرقة ولإنتحار وحتى التسول لأنها  تعد بحق جريمة بحق النفس البشرية التي كرمها الله ،لكن المحروم يذلها بالتسول لسد الحاجة .
 
ويتحقق الأمن والأمان عندما ينام المسؤول تحت شجرة على الأرض بدون ريش نعام أو حراس ، ودون خوف من إنتقام أحد من المجتمع لظلم وقع عليه،أو مهمش أقصي ظلما أو عاطل عن العمل  فشل في ذلك اليوم في تأمين  ثمن ربطة خبز لأبنائه أو مصروفا لبيته.
 
علينا جميعا مسؤولين ومواطنين أن نغير من خطابنا،وعلى المسؤول أي مسؤول كان ،أن يضع نصب عينيه مقولة :"لو دامت لغيرك ما إتصلت إليك"، فالتطرف ليس إطلاق نار فقط كما هو معروف ، بل يتجسد أحيانا بكلمة صاغها متحدثها بحرقة داخلية تلم به  وإستلها من مظلمة تعرض إليها ،فأخرجها شرارة تحرق بيدرا يعج بالقمح صيفا ،ولنتصور ماذا سيحدث في البيدر آنذاك .
 
نعاني الكثير من أنواع التطرف وفي مقدمتها العنف في الجامعات ـ ولا أدرى ما سر توقيتاته ،إذ ينفجر فجأة ويندمل فجأة ،ولعل في ذلك سرا يخفي وراءه أسبابه ،وهناك أسئلة نارية تنهمر حول هذا الموضوع الذي يرتبط بتوقيتات محددة.
 
ما لم يقله أحد عن التطرف الداخلي ،أن سببه الرئيس هو الحكومات التي تمارس دور الجباية على مواطنيها ،وترفع الأسعار وتغلظ الضرائب وهي تعلم أن غالبية الشعب يعيشون تحت خط الفقر لفشلها الإقتصادي ،ولأنها تركز فقط على الطبقة "القرادة"فقط ،وتجتهد في تفصيل فرص العمل الثمينة لأبناء الذوات فقط ،في حين نرى طوابير الخريجين تزداد طولا يوما بعد وأعداد المتسولين والمتسولات  تتزايد بصورة دراماتيكية،حتى أن هناك من يبيع  بعض أثاث بيته ليطعم اولاده .
 
ربما يقبل الفقير أن يستدين  لإطعام اولاده ،لكن هل يعقل  أن يستدين أو يتسول من أجل الصرف على الحكومة ؟ بمعنى أنه يمارس الدور بالعكس ،فالمطلوب من الحكومات أن  تهيء له العيش الكريم ،لا أن يصرف عليها هو ويحمل نفسه ما تستطيع  تحمله.
 
الحكومة التي تمارس التمييز العنصري ضد بعض الفئات وتحصر المواطنة في فئة بعينها هي حكومة تمارس الإرهاب وتدعو للتطرف ،وإن كنا حقا نريد محاربة التطرف والإرهاب فعلينا ضبط تصرفاتنا أولا.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد