يبدو أن زيارة ترامب للمنطقة قد تمخضت عنها نتائج فورية وغير متوقعة، فبعد الإجماع العربي والإسلامي في القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي عقدت في المملكة العربية السعودية ظهرت بوادر النزعة الانفصالية وردة فعل غير متوقعة من القادة القطريين على سياسة الإجماع العربي والدولي حول ضرورة محاربة التطرف والجماعات التكفيرية التي تبث سمومها في بلدان العالم وعلى وجه الخصوص منطقتنا التي أصبحنا نكتوي بنيران فكرها المتطرف في العراق وسوريا واليمن والبحرين ومصر ولبنان وليبيا والسودان وغيرها وكذلك نشر هذا الفكر في القارة الأوروبية، وفي حقيقة الأمر فإن الإجماع العربي والإسلامي والأمريكي الذي اشرنا إليه لم ينسجم وسياسة الشقيقة قطر حيث رأت في نتاجات هذه القمة حبلا يلتق حول عنقها كيف لا وهي – أي قطر – تعتبر الداعم الرئيسي للجماعات الشريرة هذه التي تعمل على قتل العرب مسلمين ومسيحيين وايزيديين وأكراد في بلادنا العربية وسط تغطية إعلامية كبرى من ذراعها الإعلامي المتمثل بقناة الجزيرة التي تتبنى الموقف القطري وتعمل على بث روح الكراهية والتطرف، ويبدو للمراقب السياسي أن يكتشف الكثير من السياسات القطرية التي لا تتوافق مع قيمنا العربية الأصيلة منها:-
- من الداخل القطري يبدو أن التشريعات القانونية التي استنتها قطر لنفسها تتيح لها التستر على دعاة الفكر المتطرف وبث روح الكراهية، فتقرير وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2015 أشار بصراحة إلى التسهيلات والتحويلات المالية للجماعات الإرهابية دون محاسبة أي من هذه الشخصيات التي تحظى بالحماية القطرية. وغالبا ما تلجأ الجماعات الإرهابية المتعاونة مع قطر إلى احتجاز رهائن وطلب فدية مالية كبيرة لتغطي نفقات ورواتب للجماعات الإرهابية في كل من سوريا والعراق وكانت قطر دائما تهب فورا لتقديم هذه الأموال وبسخاء بحجة إطلاق سراح بعض الأسرى والمختطفين لتصطاد عصفورين بحجر واحد، بكسب ود الدول التي يقع احد أبنائها ضحية لدى هذه الجماعات وكذلك الأمر تزويد هذه الجماعات بالأموال بطريقة وسخة لتبدو أنها عمل إنساني رفيع من جانب قطر لتغطي على هذا الفعل الفظيع.
- سياسة قطر تجاه جارتها البحرين والمتمثلة بتجنيس البحرينيين السنة وتشجيعهم على الحصول على الجنسية القطرية مقابل إغراءات مالية كبرى بهدف إفراغ البحرين من سكانها السنة ولترجيح كفة شيعة البحرين وتعزيز مكانتهم وزيادة نسبتهم لتغيير البنية الديمغرافية للبحرين ، وبالرغم من احتجاج دولة البحرين على السياسة القطرية هذه الا أنها لم تغير من سياستها وتقف إلى جانب شقيقتها البحرين في مواجهة المد الشيعي الهادف إلى تقويض نظام الحكم في البحرين .
- وفي اليمن انتهجت قطر السياسة ذاتها في دعم الحوثيين والمخلوع صالح ضد الشرعية اليمنية دون أي احترام لشقيقتها اليمن الذي يعاني الأمرين من سياسة الانقلابيين بقتل اليمنيين وتشريدهم وتدمير البنية التحتية لليمن هذه الحرب التي أعادت اليمن إلى الوراء مئات السنين وآخرها انتشار مرض الكوليرا لعدم وجود المياه النظيفة التي يشربها اليمنيون وعدم مقدرتهم على معالجة المياه وتوفيرها للسكان.
- وتجاه السعودية لم تختلف الأمور كثيرا، فهي ترى في السعودية المنافس الأول على زعامة العالم الخليجي على وجه الخصوص والعالم الإسلامي بشكل عام، وعلى الرغم من محاولة السعودية استيعاب واحتواء قطر باعتبارها الابن المشاكس في الخليج العربي الا أن هذا الابن أصبح عاقا بوالديه وبحاضنته الخليجية التي وفرت له عبر التاريخ الحماية والرعاية والمصالح المشتركة.
- وتجاه الإمارات العربية المتحدة فقد وقفت قطر إلى جانب إيران في احتلال جزر الإمارات في الخليج العربي ولم تسجل أي موقف سياسي مشرف تجاه شقيقتها الإمارات، بل شجعت إيران على ذلك والدليل أن قادة قطر توافدوا أفواجا إلى إيران بعد احتلال الجزر الإماراتية وكأنهم في ذلك يباركون للفرس بهذه الغنيمة ناهيك عن دعم قطر لتسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي!
- قيام قطر بدعم الانقلابيين على أنظمة الحكم في ليبيا وتزويد المقاتلين المتمردين بالمال والسلاح وتغطية إعلامية لم يسبق لها مثيل وقلب الحقائق وكذلك إقامة حركات دينية متطرفة للعمل على تدمير معالم الدولة الحضارية وبث روح الكراهية والعنف بين الليبيين أنفسهم الأمر الذي أدى بليبيا إلى ما آلت إليه الأمور في الوقت الحالي من انحلال سياسي وقتل وتدمير وتهجير.
- وبالنسبة إلى مصر فقد أعلنت قطر وبالتحالف مع تركيا الحرب على الشقيقة مصر علنا عبر ذراعيها الإعلامي المتمثل بقناة الجزيرة وعبر أذرعها العسكرية التي حملت السلاح في وجه السلطات الشرعية للقيام بالانقلاب عيها المتمثل بداعش والسلفيين وجماعة الأخوان المسلمين التي تم تصنيفها على أنها جماعة إرهابية تدعو إلى العنف وتنشر روح الكراهية والتطرف بين الناس ولعلاقته المباشرة مع الجماعات التي انبثقت عنها، تتلقى الدعم والمساندة من قطر ماليا وعسكريا. ويكفي أنها تحتضن وترعي ما يسمى بزعيم هيئة علماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي الذي ما فتئ يعمل على بث روح الكراهية والتحريض العلني عبر الجزيرة وما يتصل بها من قنوات تحريضية برعاية قطرية ضد السلطة في مصر الأمر الذي أدى إلى انهيار في اقتصاد مصر كأكبر دولة عربية هذا الاقتصاد الذي فقد اكبر مصدر له من السياحة وكذلك توجيه مجهود الدولة إلى النواحي الأمنية بدلا من الاهتمام بالنواحي الأخرى للدولة.
- تتربع على أرض قطر أكبر قاعدة عسكرية لأمريكا في الشرق الأوسط وهذا يعني ما يعنيه بأن السياسة القطرية لا بد وأن تسير في فلك السياسة الأمريكية في المنطقة، وما قطر الا أداة من أدوات السياسة الأمريكية التي تعمل على سياسة فرق تسد وهي قاعدة استعمارية معروفة
- لقطر علاقات سياسية ودبلوماسية كاملة مع الكيان الصهيوني وموجود قبل ما يعرف بمحادثات السلام العربية الإسلامية، وبالرغم من أن مصر والأردن على سبيل المثال أقامتا علاقات دبلوماسية مع إسرائيل الا أن ذلك جاء وفقا للإجماع العربي ومن خلال محادثات سلام رسمية، ولكن ما حصل مع قطر فقد كانت محض خيانة للعرب جميعا بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل سرا ودون علم أي أحد
إذن هذه السياسات التي انتهجتها قطر ما هي إلا ألاعيب سياسية لإظهار قطر بأنها لاعب سياسي يحسب له ألف حساب في السياسات العربية خاصة، علما بأن الحجم الطبيعي لقطر أصغر مما يتخيله البعض بكثير سواء كان ذلك على مستوى المساحة أو عدد السكان أو القوة العسكرية. وبالرغم من تعهدات قطر لمجلس التعاون الخليجي بإصلاح سياساتها هذه وان تكون أكثر ايجابية مع الأشقاء العرب الا أنها لم تفي بوعودها.
ولهذا لا غرو إذن من أن تقع قطر فريسة سهلة في أحضان الفرس، البديل عن مجلس التعاون الخليجي الذي انتقد مواقف قطر مرارا وتكرارا ولكن دون جدوى.
ومن هنا كان لا بد من اتخاذ خطوات أكثر حزما لإعادة قطر إلى الحظيرة الخليجية من خلال الضغط السياسي والاقتصادي بقطع العلاقات الدبلوماسية معها وإغلاق كافة المنافذ البرية والمائية والبحرية في وجهها، من قبل مجموعة من الدول العربية والشقيقة كالسعودية والإمارات العربية والبحرين واليمن ومصر والمالديف وربما ستتبع ذلك دولا أخرى ستنضم إلى هذا الركب.
بالرغم من ذلك فإن ما نراه على أرض الواقع هو شر الشرين، وهو وقوع قطر في أحضان إيران أكثر وأكثر وزيادة في المد الشيعي والسيطرة الإيرانية أكثر، فهو نجاح لإيران وسياستها في المنطقة وتعزيز دورها القيادي لتلعب بقوة اكبر من ذي قبل، كان من الأجدى عقد قمة خليجية أخرى وبحث كافة الأمور على بساط البحث للخروج بقرارات أكثر حكمة وأكثر واقعية واحتواء قطر بدلا من تسليمها لقوى الشر لحصد مزيدا من الشر.
ومن خلال متابعة الظروف السياسية لقطر منذ عشرين عاما، فإننا نتوقع تغييرات من داخل قطر، كما حصل أكثر من مرة من خلال عمليات الانقلاب على رأس الدولة من العائلة المالكة ذاتها؛ لتعود من جديد إلى حاضنتها الطبيعية الخليج العربي وعالمها العربي من جديد
تطلب إلى الله أن تكون هذه الظروف مجرد غيمة عابرة فما أحوجنا نحن العرب للوقوف إلى جانب بعضنا تطرح لنا كل ما يعكر صفو العلاقات الإنسانية في بلادنا العربية وننهض باقتصادنا العربي المتهالك الذي يعتمد إلى الخارج لنبني القوة فينا من جديد لتبعث أمتنا على أسس صلبة ومتينة فيها احترام بعضنا أولوية ، والله من وراء القصد