صحيفة السوسنة الأردنية

صرنا وصار بنا الحال ان يصبح اعظم أمانينا الرجوع لروتين كنا نمله لأنه انحصر بين مسؤوليات والتزامات وأعمال أتعبت كاهلنا، في زمن اصبح فيه المكوث في البيت قمة الانتماء والوعي بعدما كان أوج السلبية وعدم الانتاجية والاحساس بالمسؤولية.

وبين هذا وذاك من انقلاب موازين الحياة بسبب مخلوق مجهري يتطاير في مواكب الارض جاعلا كل عاقل يتوسد بيته ويحتضن في حصن بيته افراد اسرته حرصا عليهم بعدما كان يحثهم على الانطلاق ومخالطة البشر والفوز بمختلف خبرات الحياة خارج ابواب البيت، وفي زمن مر بين احد ايامه يوم التوحد العالمي فلا بد لنا أن نرى ابناءنا أطفال التوحد بعين التركيز والتدقيق.

طفل التوحد هو طفل وهبه الله اضطرابا نمائيا يحوي في طياته العديد من المظاهر والخصائص التي تميزه عن أقرانه وهذا يجعل ذويه يتعاملون معه وفق سلوكاته التي يظهرها وفق هذه الخصائص. فطفل التوحد مكتف بذاته، يملك عالمه الخاص الخالي من تدخلات الاخرين.

هو طفل يحب اللعب وحده ولا يرغب بالمشاركة، كما انه ينزعج ان اقتحم احدهم هذا الصفو بطريقة لم ترقه، هو باختصار ملك ذاته ، والملك لا يقبل ان يدخل حماه الاخرون بعشوائية ودون رغبة منه. طفل يتمسك بالروتين في الاماكن والازمان، فلا يرغب بتغيير البرنامج الذي يقوم به يوميا ولا يحب تغيير اي شيء بالاماكن المعتاد عليها وما تحويها من قطع اثاث مثلا أو مواقع يرتادها بشكل شبه يومي كالمدرسة أو مركز التربية الخاصة الملتحق به. ومثله كمثل الطفل غير التوحدي قد يظهر نشاط وحركة كثيرة الا انه قد يكون بشكل اكبروهذا ينطبق على سلوكات وصفات اخرى كالعناد والغضب وغيرها.

قد يظهر الطفل التوحدي سلوكات نمطية وحركات غير هادفة كرفرفة اليدين أو دوران الرأس أو اهتزاز الجسم تجاوبا منه لاشباع اثارة ما، تشبه تجاوبنا عندما نشعر برغبة في حك منطقة ما بالجسد ولا فرق كيف يكون الحك فالاستثارة واحدة وطريقة التجاوب تختلف لدينا، وهذا ينطبق على التوحديين في الاستجابة في شكل الحركة والسلوك النمطي لاشباع هذه الاستثارة.

ومن مميزات الطفل التوحدي ايضا انه قد يمتاز بموهبة استثنائية او قدرة فريدة او مهارة لا يمتلكها الكثيرون باداء عمل ما، فكل طفل توحدي هو استثناء وخليط فريد من السمات، والسؤال هنا: اين الطفل التوحدي في زمن كورونا ؟  .

حين يكون للأسرة طفل صغير يحبو، أو طفل ذو نشاط زائد أو طفل يحب استكشاف كل ما يقع تحت يده فأنهم يبعدون قطع الاثاث المؤذية له ويختارون ما يناسبه من الالعاب، أما الطفل الشغوف بالتكنولوجيا فانهم يحملون التطبيقات والالعاب الالكترونية المفيدة على الاجهزة الذكية، وهذا ينطبق على الطفل التوحدي فعلى ذويه التعامل معه ومراعاته وفق خصائصه وميزاته ليمر ظرف كورونا علينا جميعا بسلام وفائدة.
انطلاقا من تمسك الطفل التوحدي بالروتين فلا بد لأسرته ان تحافظ على روتينها من خلال عدم تغيير اماكن الاثاث في البيت ليشعر بالراحة قدر الامكان وخصوصا أن الروتين المتمثل بالذهاب اليومي لمكان تعلمه المعتاد بالنسبة له غير متوفر حاليا، كما ان على الاسرة مشاركة الطفل التوحدي بالالعاب الجماعية التي يلعبها افراد الاسرة لتمضية الوقت حيث تكسب الالعاب الجماعية الطفل التوحدي بعض المهارات الاجتماعية التواصلية والالتزام بالدور وقانون اللعبة ويزيد ارتباطه بأفراد اسرته، كما انها تجعل الطفل التوحدي مشغولا عن حركاته النمطية، بالمقابل فهذا يؤثر إيجابا على أخوته فيتقبلونه بينهم ويراعونه ويبقى في حسبانهم دائما ويحسن أواصر الاخوة بينهم.

وعلى الاسرة أيضا الحفاظ على توقيت الاعمال والانشطة الروتينية اليومية كوقت الاستيقاظ من النوم ووقت تناول الطعام ...وغيرها، فبفضل وجود طفل توحدي سيكون للبيت قوانينه المنظمة له ويصبح التخطيط للبرنامج اليومي واضح المعالم بعيد عن العشوائية ، ومن منا لا يدرك أهمية تنظيم الوقت وهذا كله يعود ايجابا على كل افراد الاسرة.

أما بالنسبة للأدوية التي يحتاجها بعض الاطفال التوحديين، فبحمدالله فإن وزارة الصحة الاردنية تعمل على توفيرها لهم وايصالها لاماكن سكنهم مثلهم مثل جميع المواطنين، ولا ننسى دور المجلس الاعلى لشؤون الاشخاص المعوقين في الاسهام بتقديم ما يحتاجه الاطفال ذوي الاعاقة عموما واطفال التوحد خصوصا بالتنسيق مع الجهات المعنية.

حمى الله وطننا وأدام الصحة والعافية على الجميع وحفظ أولادنا وانهى الكورونا بوقت قريب.