المعادلة الصعبة

mainThumb

20-06-2020 02:08 PM

عندما تعترضك مشكلة ما تبدا بالبحث عن الحلول المثالية والممكنة، كما الحال في المسائل المعقدة في الرياضيات والفيزياء والكيمياء ومعظم العلوم البحتة، وقد تجد الحل في ساعات بالارقام والمعادلات، ولكن المسائل التي تتعلق بالعلوم الانسانية والاجتماعية معادلاتها صعبة وحلها قد يحتاج إلى عقود لايجاد الفورملا (المعادلة)، لذلك تجد الذهنية العرفية الاستعلائية التي تسيطر على المواطن العربي وترحل معه احيانا في حله وترحاله واغترابه، وفي فقره وغناه، وصحته ومرضه من المعادلات التي استعصت حتى هذه اللحظة على كل العلماء والخبراء .

فعندما تطوف الوطن العربي وتتوقف في اي قرية، ضيعة، خربة، نجع، افلاج، وادي، او مرتفع يسكنه عشرات الأشخاص وقد لا يملكون قوت يومهم، ويدور الحديث معهم يتبادر لذهنك انك امام مركز الكرة الارضية ومنبع الحضارات، هنا الشهامة والكرامة والرجولة والصولات والجولات والحكام وهناك العلم والعلماء والخيل والليل والبيداء تعرفهم، والخ من مظاهر القوة والمنعة والتاريخ.

واتحدى ان تجد من يحدثك عن هزيمة يوما ما من قبيلة او بلدة مجاورة ولو كانت في (مشكلة بسيطة بين الاطفال) واذا تواضعوا وتراجعت قواتهم يوما ما في معركة بسوق الحلال اعادوا تجميع القوات واغاروا عليهم واستردوا ماشيتهم وكرامتهم، والخ من روايات الزير سالم وجساس وكليب وحروب داحس والغبراء، وهذه الثقافة متوارثة في كل ما يسمى بالدول العربية حتى لا يخرج علينا احد يدعي بان وطنه جمهوية افلاطون الفاضلة، وفي هذا يتساوي الجميع الغني والفقير والقريب والبعيد والوزير والغفير .

فالدواوين والديوانيات والمضافات والتجمعات المستحدثة والتاريخية، والمعنونة باشارات على الشوارع تغطي المدن والارياف والصحاري وباعداد تفوق المدارس والمستشفيات والجامعات، وفجاة تشهد الانفصال عن القبيلة والعشيرة لاربعة من عائلة واحدة واستحداث ديوانية جديدة للفخذ الأعلى همة في خلاف على مكان وضع الدلة والمهباش وهذا ينسحب على الدويلات المصطنعة ، وهكذا دواليك من الانشطار والتكاثر، واذا التقيت بطبقة سياسية تجد ان بعضهم تخرج من اعرق الجامعات في العالم ويعجبك حديثه ولكن لا بد من الاشارة إلى اجداده الذي ورث المجد منهم واوصوه بالقبيلة خيرا.

وهنا لا بد ان يكون زعيما حتى ينفذ الوصية ، وفي صباح اليوم التالي تجد الغالبية العظمى تركب القطارات والسيارات وغيرها، وقد لا يجد بعضهم اجرة الطريق للبحث عن عمل، او الاصطفاف امام سفارة اجنبية للسفر طلبا للعمل او الهجرة، ويحملون معهم معادلة الذهنية العرفية في حقيبة السفر، وترى مطالبهم العلنية صباحا حقيبة وزارية او سيناتور في مجلس اللوردات، وفي المساء يبحثون عن واسطة لرفع راتب المعونة الوطنية او ما يقابلها من مصطلحات في الوطن العربي، ومرجعية ذلك إلى التربية الاسرية الأولى التي لا يسمع الطفل فيها سوى ذهنية تفوق الطائفة والعرق والمذهب والمنطقة وسيرة الأجداد العظام، ويحملها للمدرسة التي يتعلم فيها ولا يتنازل عنها وفي المدرسة ايضا لا يتلقى التربية الصحيحة، وتكبر القصة في الجامعة والحياة وتزداد المعادلة صعوبة لانها تدخل في التركيبة الجينية، وحتى نعود إلى رشدنا لابد ان نلغي كافة مظاهر الفرز والبدون، وتطهير اذهان الصغار من ارث التميز والتكبر والاستعلاء وكفالة الرقيق عند الأشقاء ، والتي ادت بنا إلى الجوع والقتل والجهل والحروب الداخلية والخارجية، والهزائم الاجتماعية والاخلاقية قبل العسكرية...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد