شذرات عجلونية (3)

mainThumb

27-06-2020 12:15 PM

ألا حيّها عجلون من بُرْدَةِ الهوى أسامرها بدراً؛ فترسمني شمســا

 

القراء الأعزاء أسعد الله أوقاتكم بكل الخير، حيث كُنتُم، وحيث بِنتُم، أبدأ معكم من جديد بـ(شذراتي العجلونية)، نتذاكر في كل شذرة منها فكرة في شأن ذي شأن، ننطلق من عجلون العنب والذهب، عجلون الحب والعتب، لنطوف العالم بشذراتنا، راجياً أن تروق لكم.
نتذاكر في شذراتي الثالثة جذور ديمقراطية الغرب التي تقوم على مبادئ العنصرية، ونبين أن كل دساتير الغرب تَعُدّ الدين ركناً أساسياً وخطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، ولكنهم يعيبون على دول الشرق.

الجذور

شتان بين الحضارة الإسلامية التي حررت الإنسان من العبودية، وردت للسود اعتبارهم، ورفعت قدرهم، وبين الحضارة الغربية التي استعبدت البشر، وداست على رقاب السود حتى الموت، ومارست عليهم أبشع صور العنصرية، بلال بن رباح و (كونتا كنتي) ، كلاهما أفريقي، بيعا كالعبيد، فكيف عاملتهما حضارة الإسلام، وحضارة الغرب.

"أليكس هايلي"، صاحب رواية الجذور الشهيرة تحدث فيها عن كل العبيد في أمريكا، وخص بالذكر جده "كونتا كنتي" الأفريقي، الذي خطفه تجار العبيد من أفريقيا وباعوه إلى حضارة الغرب، طفلاً في سن (16) من عمره، حيث واجه في أمريكا كل أنواع العذاب والمهانة، إلى أن بيع إلى صاحب مزرعة في فرجينيا، وتاريخنا الإسلامي حافل بمآثرسيدنا بلال بن رباح الذي بيع عبداً في مكة، قبل أن يصبح سيداً في الإسلام؛ (ويرتقي يوم فتح مكة فوق الكعبة المشرفة ليرفع الأذان دون سواه) الشاعر السوري الدكتور مأمون الشقفة نظم رائعة، يقارن فيها بينهما:

بلالٌ أم كونتا كنتي أي الحضارات أنتِ
هذا خليل نبيٍّ وذاك عبدٌ ل (كونتِ)
يا أمة بحقوق الإنسان كم غنيتِ
إذا تألم كلب شقيتِ حتى جُنِنْتِ
وإن تألم شعب سحقتِه واسترحتِ
مهما تطورتِ مهما صرتِ
مهما صعدت نجوما ومن بروج هبطت
ما دام بيض وسود فالجاهلية أنتِ


الدين في دساتير الغرب

يجب أن يكون رأس الدولة (الملك) حامياً لأهل المذهب في العالم، ولا يجوز الترشح للمجالس النيابية (البرلمان) إلا من أبناء مذهب واحد فقط، وليس ديناً واحدا. نعم كل دساتير الغرب، تتناول الدين بوضوح شديد، وتحرص على توثيقه بنص الدستور بحزم، وتحدد مذهب رئيس الدولة دون تهاون، لا بل إن بعضها يحدد مذهب أعضاء مجلس الشعب (البرلمان)، ومنها على سبيل المثال:-
بريطانيـــا
ينص القانون البريطاني على أن (الملك أو الملكة) يجب أن يكون مسيحياً بروتستانتياً، وأن ولي العهد يحرم من تولي العرش إذا غير مذهبه، أو حتى إذا تزوج من امرأة غير بروتستانتية!! وأن الملك هو الحاكم الأعلى للكنيسة، وأن من صلاحياته تعيين القساوسة ورؤسائهم، بل إن المادة الثالثة من قانون التسوية الانجليزي تنص على أن ملك بريطانيا هو حامي الكنيسة البروتستانتية في العالم أجمع، أكرر في كل العااااااااااالم. نعم البروتستانت في العالم العربي حاميهم هو ملك بريطانيا.
يتكون مجلس العموم البريطاني من الملك (ويكون منصبه بالوراثة) ومجلس الشعب (وهو منتخب من الشعب)، ومجلس اللوردات الذي يعينه الملك، ويضم (26 أسقفاً) يطلق عليهم المجلس الروحي، (مشايخ البرلمان) وهم من أساقفة الكنيسة الإنجيلية البروتستانتية (انتبه أيها العلماني العربي)، ومن صلاحيات هذا المجلس أن (يفرمل) ديمقراطية مجلس العموم، لأنه يجب أن تمر عليهم القوانين كلها، وإذا لم يوافق المجمع الفقهي (الأساقفة)، مجلس اللوردات غير المنتخب على أي قانون، فإن الملك (وهو إنجيلي بروتستانتي بالضرورة)، يفصل في شأن الاختلاف، وأنه من حقه تعطيل أي قرار صادر من مجلس العموم بلا استثناء.
الســويد
لو أراد أحد أبناء العرب المبهورين، بالغرب، وحضارته أن يحلم بالهجرة، فإن غاية المنى عنده أن يرى نفسه مهاجراً إلى السويد، أو ساكناً فيها يتنعم بأجواء الحرية، وجمال الطبيعة، والديمقراطية. في السويد ليس من حق جميع السكان أن يرشحوا أنفسهم، ولا أن يكونوا أعضاء في مجلس الشعب؛ أي أن الدستور لم يحدد فقط مذهب الملك، بل وحدد أيضاً دين ومذهب أعضاء مجلس الشعب (البرلمان). تنص المادة (4) من الدستور السويدي على أنه يجب أن يكون الملك، وأعضاء مجلس الشعب من أتباع الكنيسة الإنجيلية.

سوس الخشب منه وفيه

يتبادر إلى الذهن تساؤل عن ردة فعل العلماني العربي؟، والليبرالي العربي؟ لو طالب الناس أن يكون رأس الدولة حامياً للإسلام خارج حدود دولته في كل العالم، أو أن تنص دساتيرنا على أنه لا يجوز الترشح للمجالس النيابية (البرلمان) إلا لأبناء مذهب واحد فقط، أو حتى دين واحد بكل مذاهبه؟

لا بل هل تقبل كل الدول الغربية من أي دولة عربية أو إسلامية هذا الشرط في الدستور، ولا تسمح لأبناء دين آخر أو مذهب آخر أن يرشحوا أنفسهم للبرلمان؟ّ ستقوم الدنيا ولن تقعد، وسيوصف المنادون بهذا بأوصاف مقذعة، من سوس الخشب، من أبناء جلدتهم.

 

أستاذ مشارك في الصحافة والنشر الإلكتروني
E-mail:dralialqudah2@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد