علاوة الفصحى

mainThumb

07-09-2020 10:22 AM

في الوقت الذي تحرص فيه الأمم والشعوب الحية على لغاتها سليمة فاعلة على ألسنة أبنائها ، وعلى حضورها الدولي في المنتديات والمؤتمرات السياسية وفي وسائل الإعلام المختلفة ، فإننا نمثل استثناء من تلك الشعوب الحية ، فلا نعنى بثقافتنا ولا لغتنا ولا هويتنا التي تميزنا عن الآخرين ، ولذلك أصاب لغتنا والوهن والانهيار ، فجعلها مسخاً ليس له أصل ولا نسب ، حتى دخلت مرحلة الهجنة والاستغراب ، وتحولت ألستنا عنها إلى الرطانة بلغات أجنبية واستعذبت الحديث بها .

وامتد الانهيار اللغوي وانساح ليشمل كافة المجالات الفكرية والإعلامية والاجتماعية على الساحة العربية ، حتى وصل الأمر إلى المساجد ، فصعد منابرها خطباء ألسنتهم معوجة ولا صلة لهم بالعربية ، ويقدمون خطبهم ودروسهم بالعامية ، لأنهم لا يجيدون سواها ، فأقصوا الفصيحة بعيداً عن الأذن العربية التي كانت تطرب لرنين الحروف العربية الأصيلة وعذوبة موسيقاها الشجية .


وفي يقيني أن فساد الذوق وفساد اللغة وضياع الهوية قد مر عبر هؤلاء من بوابة اللغة ، الذين أماتوا الفصحى في المساجد ، ونحروا العربية على المنابر وفي أفياء المحاريب ، فأماتوا بسبب ذلك الدين في النفوس والعقول ، وهم يدركون أن اللغة العربية الفصيحة سحر يسحر النفوس ويقربها إلى الدين ويربطها به برباط وثيق ، ولكن فاقد الشيء لا يعطيه ولا يهتم به ، وليس له عنده بمنزلة .


ومع أننا نستغرب أشد الاستغراب تعيين أئمة ووعاظ عوام وأشباه متعلمين في وزارة تعنى بالحفاظ على العقيدة الدينية حية في نفوس أبناء هذه الأمة ، التي من لوازمها اللغة العربية السليمة بقواعدها المعروفة ، وهي تدرك تماماً عدم صلاحية هؤلاء لنقل رسالة الإسلام بصورتها النقية الناصعة ، وعدم قدرة الكثيرين منهم على القراءة السليمة من المصحف أو ضبط الأحاديث النبوية الشريفة ، فإننا ندعو إلى إعادة النظر بسياسات التعيين في الوزارة ، بما ينسجم مع مكانتها ودورها الحضاري ورسالتها الدينية المقدسة .


وبما أن الحال وصل إلى ما وصل إليه من الانحطاط والاستهانة باللغة والهوية وبالمساجد والمصلين ، وهو أمر مريب وخطير يكاد يصل إلى درجة الإثم والذنب العظيم ، ويصيب الفصحى في مقتل ، ويمنع عنها أسباب البقاء والنماء ؛ فإننا نقدم الاقتراح التالي لعله يعيد الهيبة والمكانة اللائقة للغة العربية على المنابر وفي أفياء المحاريب ، على افتراض أن المسؤولين في وزارة الأوقاف لديهم الحرقة على اللغة العربية والحرص على النهوض بها بما يسهل تنفيذ هذا الاقتراح .


ينص الاقتراح على منح الخطباء الذين يجيدون الخطابة والوعظ باللغة العربية الفصيحة علاوة استثنائية فوق الراتب المقرر لهم ، تميزهم عن سواهم من خطباء العامية ، تسمى ( علاوة الفصحى ) ، فإذا ما أقرت هذه العلاوة ومنحت على أسس موضوعية ؛ فإنها – ولا شك – تعمل على تحفيز المتحدثين بالفصحى على زيادة إتقان التحدث بها ، كما تشجع الآخرين من خطباء العامية على التدرب على الحديث بالفصحى ومحاولة استعمالها في كل الأحوال والأوقات ، بما يفضي إلى إتقانها ودوام التحدث بها ، فضلاً عن امتداد تأثير هذا الأمر إلى الأبناء والمصلين وسائر المواطنين وعلى كافة الصعد وفي كافة الميادين .
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن من أهم واجبات وزارة الأوقاف تدريب كافة الخطباء وأئمة المساجد على التحدث بلغة عربية سليمة خالية من الأخطاء النحوية والتعبيرية ، وذلك فور تعيينهم ، وإخضاعهم لدورات واختبارات دورية أثناء عملهم في هذا المجال ، كي تنهض العربية على ألسنتهم بما يرقى إلى مكانة المهمة التي يتصدون لها ، وقدسية اللغة التي هي وعاء القرآن الكريم والسنة النبوية ، وركن أساسي من أركان الحضارة الإسلامية وعنوان هويتها وسبيل عزتها .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد