لماذا تراجعت نسبة الانتخاب؟

mainThumb

11-11-2020 01:53 AM

وهكذا انتهت انتخابات مجلس النّواب التاسع عشر بكلّ يسرٍ وسهولةٍ وقانونية ، بعيــداً عن أية تعقيداتٍ تفرزها جائحة كورونا أو عقباتٍ أو فوضى ، حيث كان التآلف والتوافق الذي يجمع جهود الهيئة المستقلة للانتخاب وقوات الأمن ولجان المراقبة الدولية والمحلية ، والعمل بروح الفريق الواحد ، والتعاون والوعي من قبل المواطن عاملاً أساسياً في إجراء الانتخابات بصورة مشرّفة ، تعكسُ روح الديمقراطية في أبهى حُللها ، وتقدم المواطن الأردني في مشهدٍ من المسؤولية والانضباطية العالية ؛ فلم يكن الظرف الاستثنائي الذي جرت فيه الانتخابات يزيدها إلا تمسكاً بالقوانين والأنظمة والتزاماً بتعليمات الهيئة المستقلة للانتخاب.
ما ميّز هذه الانتخابات ، ولفت أنظار الجميع ، هو انخفاض نسبة الاقتراع عنه في المجالس السابقة ، إذ تقدّر نسبة التصويت العامة لمجلس 2020 بحوالي 29% ؛ ولم يكن ذلك أمراً جدلياً بين أبناء المجتمع بتاتاً ، فالجميع يرجؤون السبب إلى الظروف الصحية التي تمر بها البلاد بسبب جائحة كورونا ؛ إلا أنّ هذا السبب يطوي في داخله نقاطاً كثيرة ، ربما لا يلتقطها الكثير من الناس ، ومن أهمها :
أولاً : تباين الاحجام عن التصويت بين مناطق المملكة المختلفة بفروق واضحة جداً ، فبينما تجد منطقة تحصِّل نسبة اقتراع 9% أو 16% تجد مناطق ومدن أخرى حققت نسبة تصويت 50% أو 56% ؛ ولا شك أنّ لهذه الفروق دلالتها ، والتي وإنْ ارتبطت بنسبة انتشار كورونا مناطقياً ، إلا أنها تفتح الباب على أمور أخرى ، تتعلق بمستوى وعي الناس بالحالة الصحية ومدى خطورتها ، والمرتبط بطبيعة السكان أنفسهم ، وكذلك مدى تغلّب الأعراف والعادات العشائرية لدى البعض في دعم المرشحين بدافع الحماس والنخوة على حساب إعطاء الجانب الصحي الأولوية المطلوبة ؛ بينما تجد أنّ نسب التصويت بالمجمل كانت الأكثر انخفاضاً في دوائر العاصمة والزرقاء ، ذلك أنها مجتمعات مختلطة ومتنوعة المكونات ، ولا ترتد الى عنصر العشائرية بشكل بحت كما غيرها من المدن البعيدة عن المركز.
 
ثانياً: انتشار ثقافة الخوف في صفوف المواطنين مما تلحقه جائحة كورونا من أضرار بصحتهم بشكل غلب جميع التوقعات وخاصةً لدى كبار السن ، والتي تكونت لديهم منذ فترة طويلة تسبق يوم الانتخاب ؛ وقد كان لوسائل الاعلام دورها الكبير في ازدياد مقاطعة الناس وإحجامهم عن التصويت ؛ ففي خضم ساعات التصويت ، وفي ذروة الحاجة إلى الادلاء بالصوت ، كانت كثير من المحطات الفضائية والمواقع الاخبارية الالكترونية ، وفي الوقت الذي تقوم فيه بتغطية سير الانتخابات ، تقوم أيضاً بنشر نسب المصابين والمتوفين بـ كورونا ،  الأمر الذي جعل الناس يتجاهلون عملية الاقتراع ، ويعزفون عن الخروج من منازلهم حفاظاً على سلامتهم ، ويتّجهون إلى تطبيق قاعدة : ابعد عن الشر وغنّي له.
 
ثالثاً: ارتفاع مستوى التحذيرات والتعليمات بشأن كورونا من قبل وزارة الصحة ، وإعطاءها حجماً واسعاً ، إلى الدرجة التي فاقت تعليمات الانتخاب والماكنة الاعلامية المسؤولة عن تعظيم هذا الاستحقاق الدستوري ، مما خلق في نفوس الناس نوعاً من الانشغال بالجانب الصحي فقط ، دون النظر إلى أهمية قيامه بممارسة حقه في الانتخاب.
 
رابعاً: الإجراءات التي نفّذت من خلالها عملية الانتخاب جاءت متوافقة مع رؤى وتوجّهات العديد من المواطنين في مقاطعة الانتخابات تحت مظلة الخوف من كورونا ، نظراً لما تشكّل لديهم من عدم قناعة بدور مجلس النّواب السّابق ، أو مرشحيه في تحقيق الأفضل لهم ، وما ينعكس إيجاباً على حياتهم وواقعهم من تغيير وتنمية وتطوير ؛ فكأنّما كانت هذه الاجراءات تجرُّهم إلى مقاطعة ذكيّة للانتخابات ، خاصةً عندما يتكرر أمام أعينهم نفس الشريط البرامجي للمرشحين ، ونفس الوجوه التي كانت بالأمس في قبة البرلمان ، وخرجت منه مثلما دخلت ، ودون أدنى انجاز يقنع الناخب.
 
 في جميع الأحوال والظروف ، كانت الانتخابات في مجملها ذات مستوى عالٍ من النظام والهدوء ، وسارت بطريقة دقيقة وشفافة ، وفي كافة الموازين فإنّها ستفرز لنا 130 نائباً ليتصدروا منابر الكلمة ، ويمثلوا صوت الشعب الذي انتخبهم ، ويترجموا همومه وقضاياه ؛ لكن ما ستكون عليه تركيبة المجلس القادم ستحمل وجوهاً جديدة عدة ، ويغلبها الطابع الشبابي ، الذي ربما لا يحمل الخبرة الكافية والثقافة السياسية المطلوبة في مجال التشريع والرقابة ، والذي ربما يجعل المجلس أضعف مما كان عليه المجلس السّابق ، وهذا ما لا نرجوه.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد