إضاءة على مسرحية أهازيج إبراهيم الحموي للأديبة الدكتورة الزهرة إبراهيم

mainThumb

09-02-2021 09:25 PM

الكاتبة تستهل مسرحيتها بثلاثة أقنعة يتساءلون ، وقد اختارت الأقنعة التي تخفي خلفها شخصيات مأزومة ، ضائعة، والضياع حالة نعيشها في وطننا العربي جرّاء ما يُمارس علينا من ظلم وتظالم ، وشعورنا بالضياع يجعلنا نختفي خلف قناع. يتساءل القناع الأول: ماذا وقع حتى يقع الذي يقع؟ والثاني يسأل: وما الذي يقع، أما يكفي ما قد وقع؟ ويتساءل الثالث: ما وقع وقع، لكن ما الذي سيقع؟ هذه الأسئلة تحمل في طياتها القلق والحيرة والخوف والتعتيم غير المقصود، إنما هو حقيقة نعيشها حيث نجهل تفاصيل اللعبة ولكننا ننجرف إلى ساحة الملعب ونشارك في اللعب، وكذلك تحمل الأسئلة توجسا من مستقبل مبهم.
 
المسرحية مهداة إلى روح إبراهيم قاشوش الشهيد، وتختار الكاتبة الشاعر شهاب أحد أبطال مسرحيتها ليكون رديف القاشوش ، شهاب يعلن أنه ليس من الهؤلاء المتسلقين المتكسبين ، إنما هو استثناء. وكائن أثيري يبوح باختلاجاته .
 
توظف الكاتبة الناي التي تعزف ألحانها في جميع مشاهد المسرحية وهو تعبير عن الحزن الذي نحسه أثناء قراءة هذه المسرحية أو مشاهدتها.
 
الشاعر شهاب يرفض أن يتوارى من العسس الذين يبحثون عنه، يرفض الهرب ويقول: المسألة أن أكون أو لا أكون، وعندما يُسأل : أين تخبيء قصائدك؟ يجيب: في سويداء قلبي، وفي وجدان الجماهير صفحة ١١٤ ، فللكلمة سطوتها التي تفوق سطوة السلاح، هو مطلوب كما القاشوش الذي دفع حياته عندما صدح صوته وغنى وجعه ووجع الناس.
 
الشخصية الرمزية التالية هي شخصية حتروش المهرج الذي كان في الدراما الاليزابيثية نديم الملك، ولكنه الآن نديمه وخديمه وحكيمه وربما أيضا غريمه كما ورد في المسرحية، وهو يلبس لكل حال لبوسها، ويقتنص الفرص لمنفعته الشخصية ، وهو يخفي خلف شخصيته التهريجية شخصية استخباراتية تكشف نفسيات وخبايا من يترددون على بلاط السلطان، ويقدم التقارير عنهم ولكنه يرتشي أحيانا ليكف بلاه، هذا التلون في شخصيته يقود السلطان للإيعاز بحبسه في سجن ابو غريب أو حبس قاره وكون الحبس الأخير كان معروفا في القرنين السابع والثامن عشر هو إشارة من الكاتبة لتقول أن القمع كان يُمارس في الماضي وما يزال يمارس الآن، وحتروش يقول : إن قادة العدو يفكرون. بالنصر في حروب الاسترداد ، وقادتنا يفكرون في تهريب أموالهم وأهلهم بعيدا عن البلاد ثم التنصل من حروب الجهاد.
 
أجواء المسرحية تقودنا إلى العصور القديمة فالتر والمغول يتسلقون أسوار بغداد التي لا تزال تعاني حتى يومنا هذا. الكاتبة تقحم التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي لتعيدنا إلى واقعنا الحالي، واختلاط العصور لعبة ذكية من الكاتبة لأن ما يدور الآن صورة لما كان يدور سابقا من قمع وظلم وحروب وإن تبدل القالب واتخذ مظهرا جديدا فوسائل القتال تطورت، وأساليب القمع كذلك لكن الظلم هو الظلم كان وما يزال وسيبقى. وما حدث من انهيار في الأندلس يتجدد حاليا في انهيارات تجعلنا نتداعى فتتقوض مملكة السلطان الذي يهرب أمواله ، ويسعى لخلاص نفسه.
أما الشخصية الرمزية الملفتة للنظر هي شخصية الطفل الذي يطالب بالتواصل مع رأس الهرم ليكون ملما بحقيقة الأمور، ويطالب بفصل السياسة عن الدين، وهو إذ يفعل هذا إنما يعبر عن وعي ونضج يجرده من طفولته، فالشعور بالظلم يطمس معالم الطفولة ويخلق جيلا واعيا وواعدا في آن، ونحن بمتابعتنا لهذا الجيل نشعر بومضة أمل تمدنا بطاقة تساعدنا على مواجهة الواقع والتطلع إلى مستقبل قابل للتغيير.
 
معظم شخوص المسرحية شخوص رمزية فالشخصيتان الرمزيتان الهامتان في المسرحية هما الشخصيتان الافتراضيتان فينوس رمز المحبة، الداعمة للحياة والتي تعلن أنها ستكتب مسرحية عن المغني الذي بُترت حنجرته لمجرد أنه عبر عن وضع في الوطن ( صفحة ٧٩) وفعلا الكلمة لا تموت وإن مات قائلها، وهو لب الموضوع الذي تريد أن تبوح به الكاتبة، فهو الأمل الذي يبقينا أحياء رغم الهزائم المتكررة التي مرت علينا والتي تحدث لأننا نحشر أنفسنا داخل انتماءات ضيقة توسع دائرة الاقتتال المجاني، والتعصب العرقي والديني هو ما أوصل البشر إلى خراب العالم والروح (كما ورد في المسرحية)
 
الشخصية الافتراضية الثانية المسماة (ما لم يُنشر في حلم) هو الشخصية التي لا تجد متسعا لحلمها في واقع مليء بالمشاحنات والحروب، ويتساءل ما لم ينشر في حلم : إن كان ثمة وجود للحب في وسط هذا الواقع الأليم، فتجيبه فينوس أنه كائن وموجود، فطبيعة الآدمي الصراع من أجل البقاء، بقاء فرد أو بقاء شعب.
 
تنتهي المسرحية بأن يُعرض على خلفية الخشبة شريط فيديو بجثة آبراهيم قاشوش ملقى في نهر العاصي.
 
المسرحية تعكس واقع الحال، تعكس الألم والمرارة، ولكنها كذلك تجعلنا لا نفقد الأمل، ونسعى للتغيير. المسرحية كتبت بمهارة كاتبة ملمة بتقنية مسرحية عالية، كتبتها برمزية موحية، وبلغة رشيقة، شاعرية، وكانت مليئة بالأحداث التي لا تتسع هذه الورقة لإبرازها جميعها ولكنني ألقيت الضوء على بعض شخوصها وأحداثها تاركة متسعا لكم لقراءتها أو مشاهدتها . أحيي الكاتبة على روحها الشفيفة وليدم عطاؤها . أتمنى لها التوفيق والاستمرارية.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد