تكلمنا في المقالة السابقة عن قوة الدولار الأمريكي والعوامل التي تعزز دورة كعملة عالمية، وأدركنا أن الدولار الأمريكي ما زال هو العملة الأقوى على العالم بدون منازع، ولكن هذا لا يعني أن الدولار لا يتعرض إلى تحديات وتهديدات أو في منأى عنها، لذلك سنتناول في هذه المقالة العوامل الأساسية التي تلعب دور في إضعاف الدولار الأمريكي كعملة عالمية، والتي بدأت تظهر في السنوات الأخيرة وخاصة بعد الأزمة المالية العالمية.
.
ومن أهم العوامل التي أضعفت الدولار في السنوات الأخيرة تمدد الشرق وتنافسية النمور الآسيوية المتزايدة مع المنتجات الأمريكية وخاصة صادرات الصين وأرتفاع الطلب على منتجاتها، ما أدى إلى زيادة الطلب على اليوان الصيني، هذا عامل رئيسي أضعف الطلب على الدولار الأمريكي وسبب ركود في منتجاتها، وشاهدنا كيف أن أمريكا تضع عقوبات على الصين وصادراتها، وشاهدنا الصين كيف كانت، وما زالت، تحاول أن تجد الحلول والمخارج، فنجدها تعمل اتفاقيات مع دول المحيط الهادي والشرق لتسويق منتجاتها وخفض الرسوم الجمركية ورفع القيود عن صادرتها، وعلى الجهة الثانية تعمل على تطوير لقاح صيني ليحد من انتشار المرض الذي بدأ من داخلها، حرب ولكنها بدون بارود إنما حرب عملات ومنتجات وعلاقات وسلالات من الكورونيات.
.
السياسة الأمريكية في رئاسة الجمهوريين في الفترة الأخيرة سواء في الداخل أو مع الخارج لعبت دور كبير في إضعاف الدولار الأمريكي، والسياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، وما أضعف الدولار الأمريكي هي الانقسامات الداخلية والعنصرية داخل هذة الولايات المتحدة، فشاهدنا كيف تزايدت وبدأت تطفو على السطح أثناء فترة الرئيس ترمب وظهرت مشاكل العرق والدين والاصول، وتم معالجة وإنهاء هذه الانقسامات والمعاملات داخليا والتجاوزات خارجيا من خلال إزاحة ترمب وفوز الرئيس جو بايدن، وحينها قال "لقد سعيت لهذا المنصب لإستعادة روح أمريكا" أي إستعادة الحرية والعدالة والمساواة، وشاهدناه كيف عمل على استقرار أمريكا في الداخل وأمر بإنهاء حرب اليمن في الخارج.
.
كما أن هناك تحدي كبير يواجه الدولار الأمريكي وهو سعر الفائدة الصفري في البنوك الأمريكية، فسعر الفائدة هو من عوامل الجذب الكبيرة للمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال يدفعهم للطلب على الدولار وايداع أموالهم في البنوك الأمريكية، كما أن البنوك الأمريكية تلعب دور كبير بين وحدات الفائض ووحدات العجز وتحقق أرباح من خلال دور الوساطة الذي تقوم به، والأسئلة الجوهرية الذي تطرح نفسها بجرأة، إلى متى البنوك الأمريكية ستبقى قادرة على إعطاء القروض الصفرية، والى متى سيتحمل مودعوا الأموال عدم حصولهم على الفوائد البنكية أو فوائد بنكية قليلة؟ وماذا لو بدأ المودعون بسحب أموالهم من هذه البنوك والتوجة إلى بنوك خارج أمريكا؟
.
التحدي الأخير الذي بات يهدد الدولار الأمريكي هو طباعة العديد من الترليونات، بسبب ضخ وطباعة تريليونات الدولارات خاصة بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، وقد تزايدت طباعة هذة التريليونات بثلاث أضعاف خلال جائحة كورونا وبلغت أربعة تريليون دولار بالمقارنة مع السنوات الممتدة قبل وبعد الأزمة المالية العالمية، وهذا السبب الرئيسي وراء انخفاض سعر صرف الدولار الأمريكي بحوالي 13% من قيمته خلال الجائحة الممتدة مع نهاية عام 2019 وبدايات عام 2021، حيث أن زيادة طباعة وعرض الدولار من أجل حزم التحفيز الاقتصادي أدى إلى انخفاض سعره عالميا وارتفاع أسعار السلع عالميا والدليل على ذلك تذبذب أسعار الذهب الكبير للأعلى، فقد قفز سعره من 1,450 دولار للأونصة ليتجاوز 1,900 دولار، ثم انخفض الى 1,700 دولار للأونصة خلال نفس الفترة.
.
وبناء على ما سبق نجد أن الدولار الأمريكي يواجه تحديات بإستمرار ومنها ما يتعلق بالصادرات القادمة من الشرق وخاصة من الصين، كما أن السياسة الأمريكية تلعب دور كبير في إضعاف أو تقوية الدولار عالميا، وانخفاض سعر الفائدة يهدد المودعين والبنوك على حد سواء، كما أن استمرار طباعة ترليونات الدولارات يقلل من قيمة الدولار مقابل العملات ويزيد من التضخم الأمريكي والعالمي، ولكن أمريكا دولة قادرة وبذكاء أن تدير الدفة بنجاح في كل أزمة تواجه أمريكا ويتعرض لها الدولار