لماذا تخلفت الجامعة في المغرب العربي؟

mainThumb

30-08-2022 01:58 PM

لم يحظ تقرير شنغهاي حول تصنيف الجامعات في العالم بالنقاش الكافي في العالم العربي، حول الأسباب التي أدت إلى هذا التصنيف غير المشرف، لاسيما تأخر الجامعات في منطقة المغرب العربي، مقارنة مع الخليج العربي، ومع جامعات في افريقيا.
وهكذا، فقد صدر تقرير شنغهاي جياو تونغ حول تصنيف الجامعات، خلال شهر يوليو/تموز الماضي، ولم يحمل مفاجآت كبيرة، فقد أكد تصدّر الجامعات الأنكلوسكسونية، خاصة الأمريكية مثل هارفارد وبرينستون واستنفورد وشيكاغو، وبعدها البريطانية مثل كامبريدج وأوكسفورد، ثم تقدما ملحوظا لجامعات أخرى مثل الصينية والروسية والتركية يعكس تقدم هذه الدول.
وإذا أراد المرء قياس درجة دولة، أو أمة، فعليه الاطلاع على البحث الجامعي فيها، ومدى ارتباط الجامعة بمحيطها الإقليمي والوطني، ثم إشعاعها الدولي والمساهمة في حلول مشاكل البشرية مثل حالة الطب. وتعد الجامعات الأنكلوسكسونية عريقة، وتعود لقرون، ثم وهو الأساسي قوة ارتباطها بمحيطها، ودورها الراقي في المساهمة في التنمية على جميع الأصعدة. التصنيف العالمي الجديد يبرز مدى ضعف الحضور الجامعي العربي في الخريطة الجامعية العالمية، ولا يحظى هذا الموضوع باهتمام كبير، باستثناء صدور دراسات بين الحين والآخر. ومن ضمن أبرز الدراسات المهمة تلك التي أشرف عليها الأمير هشام العلوي، رفقة باحثين من جامعات متعددة، عنوانها «الاقتصاد السياسي والتعليم في العالم العربي» الصادرة مؤخرا، ووقف البحث على أعطاب التعليم العربي، مع تقديم مقترحات للخروج من هذا الوضع غير المناسب. ومع ذلك، يوجد ضوء في آخر النفق، فقد كشف التصنيف الأخير للجامعات، سواء الخاص بـ500 جامعة الأولى أو الألف الأولى، عن حضور بعض جامعات الخليج العربي من السعودية وقطر، وغياب جامعات من منطقة شمال افريقيا أو المغرب العربي. وهذا الغياب دفع إلى التساؤل حول أسباب غياب جامعات مغاربية، ولجأت بعض الأقلام إلى تبخيس الحضور الخليجي بالقول، إنه يعود إلى قوة المال، وتقديم الأمر على أنه يتعلق بشراء الذمم. وعلاقة بالنقطة الثانية، مخطئ من يفسر تقدم الجامعات الخليجية بتوظيف المال فقط، ظاهريا قد يبدو الأمر صحيحا، لكن في العمق فهي أطروحة غير صحيحة. في هذا الصدد، تشهد دول الخليج، وإن غابت فيها الديمقراطية، تنافسا في تطوير الكثير من المجالات مثل، الصحة والتعليم والبنيات التحتية. وعلاقة بالتعليم، فقد استثمرت كثيرا في هذا المجال، وهي استثمارات تعود بالنفع على الأمة، مَهما كان اللون السياسي للحاكم وطبيعته بين الديمقراطية أو الديكتاتورية. ولعل القفزة النوعية تتجلى في فتح فروع لجامعات عالمية في الخليج بدل الاقتصار على جلب نجوم الفن وسباقات فورمولا 1 فقط، ثم الرفع من نسبة البعثات الطلابية، وأخيرا التعاقد مع باحثين وأساتذة في مختلف المجالات. وحول هذه النقطة، يحاول البعض بنوع من التبخيس، التقليل من التعاقد مع الباحثين الأجانب بقولهم، إن «دول الخليج تشتري باحثين». لا ننسى أن كل الجامعات العالمية الكبرى تتنافس على استقطاب باحثين من باقي العالم وبإغراءات مالية كبيرة. وتعد الجامعات الأمريكية الأكثر استقطابا للباحثين، وتليها الآن الصينية، نظرا لتوفرها على الإمكانيات. وبالتالي لا يمكن أن تكون سياسة الاستقطاب الأمريكية والصينية حلالا والخليجية حراما. نعم، هناك دول خليجية تحاول توظيف الاستقطاب الجامعي بهدف خلق قوة ناعمة، والتقليل من دراسة مواطنيها في الخارج، حتى لا يتشبعوا بالديمقراطية، لكن في آخر المطاف تبقى هذه الأهداف نسبية أمام ما يمكن أن يتحقق في مجال التقدم العلمي، لاسيما وأن عملية الاستقطاب الحقيقية تركز على مجالات مثل الطب والطاقة.
وتبقى المفارقة الغريبة في التصنيف هي الغياب المطلق لجامعات من المغرب العربي، إذ غابت جامعات مغربية وجزائرية وليبية وموريتانية وتونسية. والمفارقة الأكبر هي حالة الجامعة المغربية والجزائرية، بحكم توافرها على إمكانيات مقبولة نسبيا، مِثل وجود العنصر البشري الكافي نظرا لحجم الساكنة، 35 مليون نسمة في حالة المغرب، وما يفوق 42 مليونا في حالة الجزائر، علاوة على هذا القرب الجغرافي من أوروبا. كما يعد غياب جامعة تونسية مثيرا، لاسيما أن جامعات تونسية كانت في الماضي ضمن الألف الأولى، ويفترض التطور وليس التراجع. لا يخصص المغرب والجزائر ميزانية كافية للبحث العلمي، لكن في المقابل يخصصان ميزانية ضخمة للتسلح، هي ضمن الأكبر في القارة الافريقية. ولا يمكن الحديث عن سياسة استقطاب باحثين من الخارج، بمن فيهم من جنسية البلدين، بل يشهد البلدان هجرة لافتة للأدمغة نحو الجامعات الأوروبية والأمريكية، وهو ما يعيق تطور الجامعة. كان يفترض أن يكون القرب الجغرافي للمغرب العربي من أوروبا، معقل النهضة والتنوير، عاملا للتقدم منذ قرون، لكن هذا لم يحدث.. وتفشل المنطقة في الاستفادة من رياح العولمة وسهولة الحصول على المعرفة وإنتاجها بفضل شبكة الإنترنت، وتفشل في الاستفادة من رأسمال بشري مؤهل يغادر نحو الخارج، بسبب غياب الفرص الناتجة عن غياب الإصلاح العام. ومن خلال قراءة أوضاع الجامعة المغاربية حاليا، لا يمكن انتظار صحوة علمية، ولو بسيطة خلال السنوات المقبلة، لأن الجامعة تدهورت بشكل مريب للغاية، ولا يلوح في الأفق وجود مخطط حقيقي للإقلاع، لتبقى المنطقة مفارقة حقيقية، فهي على أبواب الغرب، لكنها ما زالت غارقة في التخلف.
كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد