لماذا تآمروا على دول الربيع العربي

لماذا تآمروا على دول الربيع العربي

24-12-2025 01:15 AM

يودع البشر عاما ويستقبلون آخر، وبينهما يستقطعون زمنا رمزيا لمحاسبة أيام أفلتوها، ويصدرون أوامر لأخرى يحملونها أحلامهم، في سكون فترة الأعياد، التي تفتح بابا على تساؤلات جوهرية في الجزائر في حين يستصعب التونسيون الركون لهدوئها.

دروس فرار وانتحار

راحة بعد ضيم، ضيم المدارس طبعا، ومن غيرها قد يقول جزائري، تضبط إيقاع الشوارع، التجارة والمواصلات في كبرى المدن، تماما كما الأرياف القصية، أكثر مما تفعل أي مؤسسة من مؤسسات المجتمع الأخرى، تحضر على الـ»سوشيال ميديا» ويحدث أن تغيب، قوية هي في حضورها وفي غيابها. لا عطلة مدرسية في الجزائر دون امتحانات، كقطعة حلوى تسلم لصبية جزاء بعد إبرة غادرة – ضرورية، لكن حضورها هذه الأيام تحول إلى مدعاة للنظر والتفكر أكثر من القراءة العابرة.
على مواقع التواصل الاجتماعي تتشابه حكايات من صاروا يفضلون الفرار من البيت خوفا من رد فعل أوليائهم بعد نتائج مخيبة، آخرها صغيرة بعمر الثماني سنوات، تناقلت الفضاءات الرقمية ووسائل الإعلام إعلانات اختفائها، كما أخبار العثور عليها، يومين بعدها، في مكان معتم شارعين عن بيتها. انقسم المتفاعلون بين من فرح لعودتها سالمة، البعض تساءل حول ما قاد الطفلة الصغيرة لهكذا فعل، كثر أشاروا إلى «موضة» أو «تقليعة» آخذة في الانتشار منذ فترة، يستبق فيها الأطفال معاقبة أنفسهم خوفا من عقوبات أوليائهم، ولأن بين عوالم المتمدرسين والراشدين في البلاد «برزخ» حتى على مواقع التواصل الاجتماعي، فيصبح أمر فك شفراتها صعبا. لم يطل أمر النقاش «العام» الذي دشنته مواقع التواصل، حتى افتتح خبر أكثر شؤما نوافذ جديدة له: انتحار يافعين أحدهما من قسنطينة شرق البلاد والآخر من تيارت غربها، والسبب حسب صفحات ومواقع رقمية النتائج الفصلية للصبيين. في الوقت الذي طالب فيه تيار من المعلقين بانتظار بيانات وتقارير الجهات الرسمية المختصة حول ملابسات وفاة الصغيرين، اشتد الجدل بين آخرين: «تدفعون أبناءكم إلى الموت؟»، «تقتلون أبناءكم لأجل منظومة تربوية فاشلة؟»،»الخطأ خطأ الأولياء، ينتحر الأطفال عندما يفشلون في تحقيق وجاهة اجتماعية زائفة لذويهم»، «من فشل في حياته يفرض على ابنه نجاحا لم يحققه هو، ما هذا المنطق؟». بعضهم شكك في الأسباب: «منذ عقود يتعامل الأولياء بصرامة مع النتائج المدرسية، ما الذي جعلنا أمام هذه الأفعال؟»، «أترى هي رسائل مبطنة، أو توجيهات على مواقع التواصل يتابعها أبناؤنا دون أن نعلم تدفعهم لهكذا أفعال؟» ذهبت أكثر التعليقات شطحا.
بين تجارة السياسي، غياب نقاش مجتمعي عميق وفاعل، وضعف البحث الجاد، رغم صور برلمان الطفل الجزائري شديدة البهاء، تقف المدرسة الجزائرية – والفئات العمرية المتراوحة التي تضمها – أمام ظواهر بعدها عابر، وآخر لا نعلم إن كان أشد حضورا وأعمق أثرا، المؤكد أنه سيشكل شخصية الراشد الجزائري خلال عقد على الأقل.

17 كانون الأول/ 14 كانون الثاني

يتابع التونسيون وغيرهم – من بين ما يتابعون – ميلادا جديدا، لا لتونس جديدة، ولا لتحولات عميقة – لا سمح الله – بل لتحول هادئ، ولكن مثير في السردية الوطنية، ما بعد ثورة الياسمين. لا يخفى عن متابع الشأن التونسي حالة الاضطراب التي يعيشها الشارع، وليست أحداث قابس والقيروان إلا إشارات واضحة لها، فيما يرى البعض فيها عبثا مدبرا بين الخارجي والداخلي، يدافع كثر عن مشروعيتها كتجربة قومية تونسية خالصة، أما الأكثر «موضوعية» فيتوقفون متسائلين عند الصعوبة الشديدة لترجمتها في خطاب عاصمي، على جادة بورقيبة، التي تظل الأصل الجامع، ومحور الدوران الوحيد الذي يتفق حوله التونسيون بكل مشاربهم وأطيافهم، يدورون حوله، البعض طمعا وكثر بلا حيلة، يعانق البعض فيه حلما بشق طرق جديدة تفضي منه وإليه، وآخرون يلامسون سرابا أمام تلاشي ممكنات.
للتونسيين طقوسهم في استقبال السنوات، هم الذين استقبلوا عام 2011 بالخبر الذي لا يزال يشكل وجه تونس، كفنان تشكيلي لم تسعفه مخيلته في التقدم في مشروع راهن كثر على تميزه وأصالته، (إسقاط صنم بن علي) وتاهت منه صورة «سمكة الرزق التونسية» من يومها. تكثر البرامج والبودكاستات التي تسائل شخصيات وعواما حول ما تغير في حياتهم خلال سنة، لكن لو قدر أن يسألوا حول ما تغير في تونس من خمسة عشر عاما لأجابوا هذه السنة «تاريخ ثورة الياسمين».
تجمهر كثر يوم السابع عشر من الشهر الجاري في «جادة بورقيبة» دعما لرئيس البلاد، المسيرة التي لم يسعفها الحضور لتضاهي تلك التي طردت «الفار» منذ عقد ونيف، واستحال حسب هواة السخرية على الطريقة التونسية وسمها بالمليونية، تماما كما صعب إيجاد وصف عددي أنسب، استوقف أردفتها الرقمية أكثر من متابع. المسيرات التي انتشرت في قلب العاصمة شدا لأزر «السعيد»، رافقها انتشار لصور شهيد الياسمين، البوعزيزي والذي يعتبر اتفاقيا مطلق شرارة الثورة ضد النظام السابق.
حالة الاستقطاب القوية والطبيعية لحدث بهذا الحجم جعلت التعاليق تتراوح بين التهليل على مواقع التواصل الاجتماعي للزعيم: «نحن مع الرئيس»، «ندعمك نحن سيادة قيس السعيد»، «لا تلتفت إلى الأعداء»، ومزيج بين التندر والتذمر: «مليونية أم ألفية؟» (كناية عن حجم المسيرة)، «لم يكن كلهم تونسيين على ما يبدو» (إشارة إلى مذكرات التفاهم الكثير والتي قيل إنها حساسة، وقعت بين الحكومتين التونسية والجزائرية بحر الأسبوع الأخير)، «توقفوا عن العبث بالبلاد والعباد» علق المناوئون.
قد يكون الأغرب بالنسبة لملاحظ محايد متابعة كمية التعاليق والشتائم التي تنال من روح الرجل الذي أحرق نفسه ثورة على الظلم (على الأقل ذلك ما كرسته السرديات التي غدت رسمية لكثرتها وترددها)، والذي حوله التونسيون وغيرهم إلى أيقونة: «لا رحمة على روحه»، «قلتم البوعزيزي، إنه اليوم الذي بدأت فيه مآسينا وتستمر»، «منذ يوم قرر هذا الرجل احراق نفسه ولم نر يوما طيبا»، «أصبح يوم موته، هو يوم ثورتنا؟»، التونسيون لم يكونوا وحدهم المتفاعلين: «للأسف مات هو، سقطت تونس ثم ليبيا ثم اليمن ومصر وما زال»، «هنا بدأت كذبة الربيع العربي» تعليقات خطها متفاعلون من غير تونس، تفتح باب التساؤل مشرعا حول القوس الذي لم يغلق بعد في تاريخ المنطقة.

كاتبة من الجزائر



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد