اللغة العربية وجماليات الإبداع
يعتبر اليوم العالمي للغة العربية مناسبة جليلة للوقوف على المنجزات والتحديات. إن التحولات المتسارعة، والسباقات المتلاحقة لمواكبة ما يفرزه التطور العلمي والتكنولوجي الذي ابتدأ مع الثورة الرقمية، والذي أدى إلى بروز الذكاء الاصطناعي و»الأشياء المترابطة» (IoT) بات يفرض السخاء بالمليارات من أجل الإفادة في تطوير بنيات البحث، وتعزيز تحولات المجتمع على الأصعدة كافة. على الصعيد العربي يمكننا الآن الوقوف، رغم كثرة المشاكل التي يعرفها الواقع، على الوعي بأهمية هذه التحولات، والمبادرة إلى تجاوز كل الإكراهات التي تعترضها. ويمكننا ضرب المثل بالإنجاز الهائل لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية والذي يحتفل به في 22 ديسمبر/كانون الأول 2025، وعلى تحقيق العربية السعودية المرتبة الثالثة عالميا في استثمار الذكاء الاصطناعي، إلى جانب مجهودات مهمة عربية أخرى تسابق اللحاق بما يجري.
إن اللغة العربية من أقدم اللغات في العالم. وتحتل المرتبة السادسة عالميا من حيث الاستعمال، كما أنها من اللغات ذات التراث العريق الذي يمتد على أكثر من خمسة عشر قرنا، والذي يمكن التفاعل معه باللغة التي كتب وقرئ بها. ولا يتأتى هذا لأي من اللغات العالمية. فاللغات الغربية لا تتعدى في تاريخها أربعة قرون. أما اللغات الشرقية القديمة، فقد عرفت تحولات في تاريخها، ولا يمكن للقارئ المعاصر أن يتفاعل معها إلا بتحويلها إلى صورتها الحديثة.
لقد أعطى القرآن الكريم للغة العربية مكانتها وتميزها وجماليتها. ويبدو ذلك أولا في خصوصيتها التعبيرية، التي لا تتحقق في أي نص بالقوة عينها. وثانيا في حمله القيم الإنسانية السامية، التي لا نجد ما يناظرها في مختلف الثقافات. وآية ذلك أن عدد معتنقيه في العالم يتزايد باطراد. كما أن اللغة العربية هي لغة الحضارة العربية الإسلامية، التي طبقت الآفاق شرقا وغربا، ولعبت دورا كبيرا في تطور الثقافات والعلوم بتفاعلها مع غيرها من الثقافات، ومشاركة كل الشعوب التي دخلت في الإسلام في الحفاظ عليها ونشرها، وتطويرها. ورغم كل محاولات مواجهة هذه اللغة، والقضاء عليها قديما، وحديثا مع الاستعمار الذي عمل بكل طاقاته على إحلال لغاته محلها، فلم يكن له نصيب من الفلاح في ذلك، وإن نجح في فرض لغاته إلى جانبها.
ما أكثر القضايا التي يمكن طرحها للتفكير في اللغة العربية بهذه المناسبة. وبكل تأكيد تحتل مسألة الذكاء الاصطناعي مكانة ذات راهنية خاصة. لكن هذا الجديد لا يمكنه أن يجعلنا نتجاوز، أو نتناسى ما صار واقعا ثابتا مع حجم التحولات الجارية، ومع عدم حل بعض المشكلات التي تراكمت زمنيا، مع تراجع التعليم، ونقص الاهتمام بالكثير من الضروريات، التي تم القفز عليها، ولم يتحقق فيها أي تطور ملحوظ منذ عدة عقود.
يفرض عليّ مجال اختصاصي، التوقف على واقع اللغة العربية من خلال لغتيْ العلم بصفة عامة، والإبداع بصورة خاصة، لأنهما اللغتان اللتان تستدعيان في رأيي اهتماما خاصا ومتزايدا، ولا يتم التركيز عليهما بما يتلاءم مع خصوصية كل منهما. إن العربية لغة العلم، ويشهد بذلك تاريخها الثقافي. لكن واقعها اليوم يطرح مشاكل كبرى، وهي وليدة غياب المعرفة العلمية في جامعاتنا، ولاسيما في الإنسانيات لأن لغة العلوم الحقة عندنا تتم من خلال اللغات الأجنبية، ولاسيما الإنكليزية. ويبدو هذا المشكل جليا في تعاملنا مع المصطلحات العلمية في الإنسانيات. لا يخفى على أحد المجهودات التي بذلت في هذا السبيل، ورغم كل محاولات توحيد المصطلحات في مختلف الاختصاصات والمجالات فإن لغتنا الاصطلاحية غير دقيقة، وغير موحدة. وأرجع السبب في ذلك إلى أن تعليمنا الأكاديمي العربي في الإنسانيات غير مؤطر ومنظم بشكل يسهم في انتهاج طرائق محددة ودقيقة، لتطوير العلوم الاجتماعية والإنسانية باللغة العربية. ومن دون توحيد الجهود في هذا السبيل ستظل لغة العلوم بالعربية غير مؤهلة للتطور، والمساهمة في إنتاج المعرفة العلمية.
لا تقل لغة الإبداع أهمية عن لغة العلم، بل إني أعتبرها أساس تميز أي لغة عن غيرها من اللغات. فالإبداع الأدبي والفني هو المجال الحقيقي الذي تبرز فيه خصوصية أي لغة أو ثقافة. إن لغة الإبداع هي التي بموجبها نتحدث عن اللغة الجامعة للوطن والأمة، التي تعبر عن الإنسان وتجربته في الحياة. إن الفرنسية مثلا ليست هي لغة ديكارت، ولكنها لغة موليير، ويمكن قول الشيء نفسه عن غيرها من اللغات. أما اللغة العربية فهي لغة القرآن الكريم، وهي اللغة التي بواسطتها نقرأ الحديث النبوي الشريف، ونتفاعل مع لبيد والجاحظ والسياب. إنها لغة الإبداع في كل الأقطار العربية، علاوة على بعض الدول في افريقيا وآسيا، والتي يقرأ بها كل من يتعلمها في العالم أجمع، وقد صارت العربية تدرس في كل الجامعات العالمية، ويتزايد الاهتمام بها بشكل دائم ومستمر. ولعل تطوير العربية للناطقين بالدارجة المنحدرة منها، وبغيرهما، تربويا ومنهجيا من الأولويات التي ينبغي التركيز عليها.
مع بداية الثورة الرقمية، ألفت كتاب «النص المترابط ومستقبل الثقافة العربية: نحو كتابة رقمية عربية» (2008) دعوت فيه إلى استغلال هذه الثورة لتجديد الكتابة بالعربية، وإعادة نشر النص العربي القديم، بتقنية النص المترابط (2005) بقصد الانخراط في العصر الرقمي. ومن بين ما دعوت إليه، بالاستفادة مما تحقق مع الوسائط المتفاعلة، إعادة كتابة الشعر العربي القديم، كتابة لا تخضع لإكراهات الكتابة القديمة، وطرحت سؤالا جامعا يختزل كل ما أراه ضروريا للانغماس في هذا العصر: متى نقرأ لسان العرب لابن منظور؟ لا شك أن العصر فرض علينا دخوله بلا تدبير وتخطيط، فوجدنا أنفسنا ننخرط فيه، على الرغم منا. تحققت أشياء لا حصر لها، لكن ليس بالصورة التي كان بالإمكان اعتمادها، والتي فرضت نفسها علينا، لذلك كان أهم ما نستخلصه من تجربتنا الرقمية، كما أراها، كامنا في بعدين اثنين: توفير المعلومات وعدم تحويلها إلى معرفة. وتوظيف الوسائط الرقمية للنشر، وليس لإنتاج المعرفة من خلال البرمجيات.
لقد أدى توفر المعلومات إلى هيمنة القص واللصق في البحوث والدراسات. ونتجت عن توظيف الوسائط للنشر هيمنة اللغة السائبة، من خلال إقبال كل من هب ودب على الكتابة. لذلك نجد المعلومات المنشورة في وسائط التواصل، والبحوث، والأطاريح قائمة على الاستنساخ والتكرار، من دون مراعاة أبسط قواعد اللغة العربية. ويتساوى فيها هذا المثقف وغيره. ولا يقتصر هذا الوضع على ما يزخر به الفضاء الشبكي العربي، الذي جعلنا نحس بأننا نعيش من خلاله «عصر التفاهة الثقافية»، ولكنه بات يمتد إلى الإبداع الأدبي، والكتابات الأكاديمية.
يمر تأكيد حضورنا العربي والرقمي عبر احترام قواعد العربية، والحرص على جماليتها في التعبير شفويا وكتابيا. ويتحمل المسؤولية في ذلك، المعلمون والمثقفون والأكاديميون والإعلاميون وغيرهم، أما الإبداع من دون عربية سليمة وجميلة فليس سوى خيانة للفن والمجتمع والثقافة.
كاتب مغربي
ليلى عبد اللطيف تكشف توقعات مرعبة لعام 2026
لماذا تآمروا على دول الربيع العربي
اللغة العربية وجماليات الإبداع
اعلان فقدان وظيفة صادر عن وزارة الصحة .. أسماء
حبّ اللغة العربية يبدأ بتحريرها من الظلمة
فقدان الاتصال بطائرة تقل رئيس الأركان الليبي ومصير الركاب مجهول .. فيديو
الجيش يتعامل مع جماعات تعمل على تهريب الأسلحة والمخدرات
طلب قوي على الدينار الأردني مع موسم الأعياد واقتراب نهاية العام
طقس بارد حتى الجمعة مع احتمال زخات مطر
بني سلامة مديراً لمركز دراسات التنمية المستدامة في اليرموك
وظائف شاغرة بدائرة العطاءات الحكومية
تجارة عمان تدعو لإنشاء مجلس أعمال أردني -أذري
الأردن يوقع اتفاقيتي توسعة السمرا وتعزيز مياه وادي الأردن
الصناعة توافق على استحواذين في قطاعي الطاقة والإسمنت
الأردن يشارك في البازار الدبلوماسي السنوي للأمم المتحدة
جماهير الأرجنتين تنحني للنشامى بعد نهائي كأس العرب
يوتيوب يعود للعمل بعد تعطله لآلاف المستخدمين
بحث التعاون بين البلقاء التطبيقية والكهرباء الأردنية
ارتفاع جديد في أسعار الذهب محلياً
حوارية في اليرموك بعنوان المدارس اللسانية المعاصرة
بدء الامتحانات النهائية للفصل الأول لطلبة المدارس الحكومية
الطب الشرعي يكشف سبب وفاة شاب مفقود في الكرك