حبّ اللغة العربية يبدأ بتحريرها من الظلمة
كل احتفالية من أجل تعميق حضور اللغة العربية أمر مهم من الناحية التاريخية، فهو يمنح اللغة اتساعاً كم هي في حاجة ماسة له في زمننا. هي اللغة التي غيرت وجه الثقافات والآداب والعلوم والفلسفة، رأساً على عقب، ومنحت البشرية مساحات جديدة للتأمل والإبداع. تحولت في زمن وحيز، في القرون الوسطى، إلى اللغة المرجع لكل ارتقاء وتطور.
ومع ذلك، ليس لدي حماس كبير نحو هذا النوع من الأيام التي تأتي وتنطفئ بسرعة وكأنها لم تكن. ومنها هذا اليوم بالتحديد: اليوم العالمي للغة العربية [اليوم العالمي للغة العربية الذي يوافق 18 كانون الأول/ ديسمبر من كل عام، إذ تقرر الاحتفال باللغة العربية في هذا التاريخ لأنه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 في كانون الأول/ ديسمبر عام 1973، والذي يقرُّ إدخالَ اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة]. وسأذكر لماذا. وما سأقوله هو تعبير عميق عن حبي أيضاً لهذه اللغة التي أمارسها يومياً وأصارع بها ثقافياً دون خوف من اللغات الأخرى. أفكر بها حتى ولو كنت أعرف سلفاً أن مسارات اللغة العربية، في الزمن الظالم الذي نعيشه، زمن القوة والجبروت، تكاد تكون مسدودة، أو تستلزم وقتاً كبيراً وجهداً مضنياً لاختراق أغلفة الظلام. أنا من جيل كان له حظ التعلم أولاً. تعلم أية لغة حتى لا تأكله الأمية البغيضة، في ظل قانون منع تعلم اللغة العربية. كان والدي الذي قضى نصف عمره بفرنسا، في باريس تحديداً، عاملاً ونقابياً قبل أن يعود إلى أرضه والاستشهاد، كما العديد من رفاقه. كانت فكرته تعلم لغة حتى ولو كانت لغة العدو، أفضل من أمية تغلق الذهن وتبلد الإنسان. أول حرف كتبته، أول جملة سطرتها بحماس، أول نص قرأته، كان باللغة الفرنسية، في المدرسة المختلطة لعشاس l’Ecole Mixte des Achachesوبفضل جدة غير متعلمة لكن رهانها الثقافي والحضاري يمر عبر اللغة. قالت لي وهي حافظة الذاكرة: إذا أردت أن تكون قريباً من أجدادك الموريسكيين عليك أن تتعلم لغتهم، العربية. لغتك الأصلية. لا خيار لك إلا إذا فضلت أن تبقى خارج مدار تاريخ الأجداد، تلك قضيتك. تساءلت وكيف يا حنا (الجدة) والعربية ممنوعة؟ قالت أنا أعرف كيف؟ وسجلتني في المدرسة القرآنية؛ وهي عبارة عن بيت واسع بلا أعمدة، سقفه من خشب وقصب ومارمان وتراب أبيض، يكاد يلامس رؤوسنا من شدة الانحناء، يرتاده الناس من كل الأعمار. إذا صادف ومررت بالقرب منه، ظننته خلية نحل. ومع ذلك حباً في الجدة تعلمت اللغة العربية وأحببتها. ولولاها لكنت اليوم شيئاً آخر لغوياً. أعرف كل لغات العالم إلا اللغة العربية. كنت أقوم على الساعة الخامسة، في البرد والمطر وظلمة الخوف من الكلاب والذئاب التي نبيت على عوائها، وألبسة تستر بالكاد الجسم المرتجف، وأركض نحو المدرسة القرآنية البعيدة عن دارنا بأكثر من كيلومتر. ساعتان أكتب فيهما وأحفظ فيهما الآيات القرآنية التي يكتبها لي سيدي (الفقيه، المعلم القرآني) على اللوح، أمحوها بالصلصال بعد استظهارها أمامه بلا أخطاء ولا أغادر المكان إلا بعد حفظها. في الأخير، قبل الخروج، نشرب الشاي بالنعنع وننظم اللوحات التي نكتب عليها في ترتيب واضح، ثم نركض نحو المدرسة الفرنسية. السابعة والنصف، نكون في المدرسة الفرنسية مصطفين باستقامة، نقف في خط واجد، يد الواحد فينا على كتف من هو قبلنا. في ذاكرتي، إلى اليوم ذلك الطقس اللغوي كله. سيدي سعيد الفقيه في مدرسة العواشرة، وفقيه الدشرة، ومعلمون في المدرسة الرسمية أتذكر وجوههم اليوم ماكس. جاكار، جيرار. كازيي. سالموني وغيرهم. كانوا في غالبيتهم، يقومون بأداء خدمتهم العسكرية في التعليم لتفادي الانخراط في العمليات العسكرية. لهذا أحبهم الناس ولا يحملون لهم أي حقد. وكانت مدرستنا الفرنسية مختلطة. وهناك من المعلمين من رجع منهم بعد الاستقلال مثل جاكار لأنهم لم يؤذوا أحداً.
النزر القليل الذي تعلمته من اللغة العربية جعلني ألتصق به كمن يسرق شيئاً ثميناً يخاف أن يسرق منه. بعد الاستقلال دخلت إلى المدرسة وأنا لست فقط عارفاً للغة العربية، ولكنْ عاشق ومتشبث بها، وفي رأسي جملة حنّا: «لا تخطئ طريقك نحو أجدادك». أعتقد اليوم أني لم أخطئ ذلك الطريق. الفضل كله لتلك المرأة المحملة بالتاريخ، والتي لم تدخل يوماً إلى المدرسة.
تحتاج اللغة العربية إلى من يحبها بالعمل بها دون سجنها. لهذا أكبر خدمة نقدمها لها ألا تضل لغة الدوائر المغلقة وأن تصبح أداة تفكير وعلوم. لهذا كله، كما ذكرت في بداية هذا الحديث، ليس لدي حماس لليوم العالمي للغة العربية. فهو يضر بها أكثر مما ينفعها. ينتابني الإحساس وكأنها لغة ميتة وتحتاج إلى يوم لحفظها من التلف والتذكير بوجودها وبأكثر من نصف مليار ممن يتكلمونها. وأنها لم تمت وهذا اليوم يزرع الأمل في استمرارها وربما عودتها كلغة فكر وعلوم. مع أنه أية لغة كيفما كانت، تحتاج إلى العمل بها وتحريرها من الداخل. القيود المفروضة عليها تكبلها بقوة وتمنعها من التحرر. نعم هي اللغة التي دون بها القرآن الكريم، ولكنها هي لغة الشعر والإيقاع والفن، قبل ذلك بقرون. وبدل أن يطرح هذا اليوم إشكالية المعوقات أمام اللغة العربية لكي تتخطى نقاط ضعفها، يلتقي أصحاب الأكاديميات والمؤسسات اللغوية، في غالبيتهم، يوزعون الجوائز وكأن مشكلة اللغة العربية تكمن في ذلك؟ اللغة العربية تحتاج إلى من يعمل بها. نلاحظ اليوم أن أضعف رصيد ثقافي وفكري وعلمي في الذكاء الاصطناعي، في اللغة العربية؟ ها هي مثلاً إشكالية يفترض أن تحرك هذا اليوم المخصص للغة العربية. لماذا غالبية العلماء العرب، في مراكز الأبحاث الدولية، يشتغلون باللغة الإنجليزية؟ لأن المخزون العلمي العربي فقير جداً؟ حري بنا أن نطرح السؤال الكبير في هذا اليوم التأملي: ما هي إسهاماتنا العربية في الذاكرة الفكرية والعلمية العالمية؟ يكاد يكون صفراً. اللغة العربية كغيرها من لغات الدنيا، كانت دوماً لغة حية ترتقي وتنزل بحسب فترات صعود وهبوط أهلها. وصلت اللغة العربية إلى أعلى مراحل التطور والارتقاء. فقد اغتنت بالتلاقح الثقافي عن طريق الترجمة، فنقلت المعارف الإنسانية عبر العالم وأشاعتها. لنا في تجربة ابن رشد ونقله أرسطو وعقلانيته نحو أوروبا الغارقة في كنسية مدمرة للعقل ومحاكم تفتيش يقتلون كل بذرة للحياة، خير دليل. لهذا خدمة اللغة العربية تبدأ بتحريرها من القيود التي تعيق تطورها وانفتاحها على العالم، خارج الشعرية السياسية التي تؤذي اللغة العربية أكثر مما تفيدها.
ليلى عبد اللطيف تكشف توقعات مرعبة لعام 2026
لماذا تآمروا على دول الربيع العربي
اللغة العربية وجماليات الإبداع
اعلان فقدان وظيفة صادر عن وزارة الصحة .. أسماء
حبّ اللغة العربية يبدأ بتحريرها من الظلمة
فقدان الاتصال بطائرة تقل رئيس الأركان الليبي ومصير الركاب مجهول .. فيديو
الجيش يتعامل مع جماعات تعمل على تهريب الأسلحة والمخدرات
طلب قوي على الدينار الأردني مع موسم الأعياد واقتراب نهاية العام
طقس بارد حتى الجمعة مع احتمال زخات مطر
بني سلامة مديراً لمركز دراسات التنمية المستدامة في اليرموك
وظائف شاغرة بدائرة العطاءات الحكومية
تجارة عمان تدعو لإنشاء مجلس أعمال أردني -أذري
الأردن يوقع اتفاقيتي توسعة السمرا وتعزيز مياه وادي الأردن
الصناعة توافق على استحواذين في قطاعي الطاقة والإسمنت
الأردن يشارك في البازار الدبلوماسي السنوي للأمم المتحدة
جماهير الأرجنتين تنحني للنشامى بعد نهائي كأس العرب
يوتيوب يعود للعمل بعد تعطله لآلاف المستخدمين
بحث التعاون بين البلقاء التطبيقية والكهرباء الأردنية
ارتفاع جديد في أسعار الذهب محلياً
حوارية في اليرموك بعنوان المدارس اللسانية المعاصرة
بدء الامتحانات النهائية للفصل الأول لطلبة المدارس الحكومية
الطب الشرعي يكشف سبب وفاة شاب مفقود في الكرك