مستشار المهراجا سير كونراد كو فيلد

mainThumb

18-12-2022 02:31 AM

ترجمة مصطفى صالح السعيد
مهراجا: كلمة هندية مكونة من "ماه ": ماهات أي العظيم و" راجا" الملك فيكون معناها "الملك العظيم"
كنت مسؤولا عنه وارسلته الى المنفى ، لكن لم اكن اعرف ذلك حين كنت مستشارا له فكل ما عرفته قبل مباشرة عملي ان المهراجا كان حاكم ولاية اكبر قليلا من بلجيكيا واصغر قليلا من هولندا وقد استفاد من خدماتي له مستشارا لمدة سنه.
لم اتلقه من قبل قط لكني سمعت بولايته التي تقع بين الله آباد ( حيث بيت عائلة نهرو ) وجبلبور (التي كانت مركزا عسكريا كبيرا دائما) ؛وكانت معروفة بأدغال النمور وقد علمت ان عائلة المهراجا كانت تقليدية متشددة حتى ان والده قد رفض ان يسمح للقطار ان يمر من خلال عاصمته خشية ان بعض المسافرين قد يأكلون لحم البقر في مقطورة الطعام اثناء مرور القطار قريبا من بيته وهذا شيء ليس بوسعه احتماله!
وقد سَرَتْ اشاعات عن عدم الرضا عن حكمه وعدم الولاء له. فهل كان ذلك إرهاصات لاضطرابات وشيكة الوقوع؟
وإذا كان الحال كذلك، فماهي تحديدا وظيفة المستشار؟ هل لي اية صلاحيات في التصرف؟
وقد وجدت الإجابة عن السؤالين سريعا: كان يجري الإعداد لاضطراب خطير: فقد عانى المزارعون من ضرائب تزيد عن الحد المعقول و أصبح الكثير من عمال الزراعة عبيدا في الواقع ولم يكن لأهالي المدن أي تأثير ٍ
ولم يتوافر الأمن للنبلاء الذين هم مُلاّك الأراضي بالفعل. فجميع تلك الفئات كان لديها موجبات عدم الرضا، عدم القناعة، فتوحدوا جميعا ضد المهراجا وكان جلّيا ان القِدر في حالة غليان!
وعند وصولي وجدت صديقا شجاعا داعما لي، ضابطا هنديا متقاعدا من البنجاب، فقد كان قبل تقاعده المفتش العام لشرطة البلاد و قد اختزلت اسمه الى "سينغ". فقد كان يعرف ما يجري في البلاد بدقة وعندما سألته كيف سيقع الانفجار أجاب بهدوء وأدب جم انه سيخبرني في الوقت المناسب! و بمعونته لي حضّرت خطة لاستعادة سلطة الحاكم، قبل ان يغلي القدر. وكان سمو المهراجا يخشى انتقادات الشعب إن تصرف تصرفا سريعا فأراد ان ينتظر وقوع الانفجار. لذلك هرع الى دلهي للتشاور مع السلطات الهندية وعاد قائلا ان السلطات ايدت وجهة نظره!
وانحنيت له احتراما وتقديرا وانصعت لإرادته وقلت إنى مجرد مستشار وبطبيعة الحال أقبل أي خطة أخرى يُقِّرها لكني افترضت ان فشلت خطته فسَيُقِر ان خطته كانت مغايرة لنصيحتي! ومن ناحية أخرى لو أُقرت خطتي لتحملت كامل المسؤولية! ولو فشلت فان الملامة كاملة تقع عليّ وحدي وان نجحت الخطة فيعزى نجاحها له .لكنه قال إنه يحتاج مزيدا من الوقت للتفكير. وفي صباح اليوم التالي اتصل كبير الأطباء يقول أن سموه يعاني من الحُمْى وان درجة حرارته بلغت 102 ف. وبعد اربع وعشرين ساعة سمح لي ان اراه وهو في الفراش فوجدته قد وافق على تبني خطتي وطلب مني فقط موعد تنفيذها وبعد ذلك أشار الى انه سيغادر الى الادغال ليصطاد نمرا!
ولم يبق طويل وقت للترتيبات الأولية. بالإضافة الى احتياطات أخرى، فمن اللازم توافر خطط جاهزة لمنع أي اختراقات عبر الحدود وخطط لتتبع وتحديد مثيري الشغب المحليين وتحديد المعتقلات لهم ! واخبرني سينغ عن بعض القلاع في الادغال التي يمكن تجهيزها كمعتقلات، فكشفت عن ولعي بالأثار وقمت بجولة على تلك المعالم الاثرية . وهذا كان سببا وجيها لترميم القلاع وبما أن الشعب لم يكن مهتما بتلك الاثار فلم يلاحظ احد كمية الاسلاك الشائكة اللازمة لذلك العمل!
وفي ذلك الحين نجح سينغ في تتبع اللجنة التي كانت تخطط للثورة ونجح في زرع عميل له عضوا في اللجنة! ولذلك عرفنا بما يخططون أولا بأول وعلمنا بدقة موعد انطلاق ثورتهم! فبينما كان سمو المهراجا يُعّد خطته لاصطياد النمر أكملنا خطتنا لإحباط التمرد . بعد ذلك ، قبل يومين من الانفجار، تم اغلاق الحدود باكتساح سريع تم التخطيط له مسبقا! وتم اعتقال زعماء التمرد ونقلوا سريعا الى المعتقلات المحددة لكل منهم!
لم أنم نوما كافيا تلك الليلة. لكني بقيت هادئا حتى حان الموعد المحدد للتمرد. لقد بدأت الجماهير تحتشد وتزحف نحو العاصمة، حسب الخطة لكنهم بعد فقدانهم لقادتهم ترددوا واخذوا يتراجعون . تم تشتيت القلة التي وصلت العاصمة دون اية إصابات بين الطرفين! فما الذي كان سيحدث لو انتظرنا القِدر حتى يغلي؟ لقد خمد حماس الجماهير للتمرد سريعا ، لكن كان يجري الترتيب لهبة أخرى - اجتماع حاشد ، فقد تلقينا تحذيرا في وقت ملائم تماما قبل وقوعه . فظهر فرسان الدولة من مواقعهم يهزون رماحهم وحاصروا الاجتماع من جهات ثلاث تاركين الجهة الرابعة مفتوحة واخذت خيول الفرسان تجري جري الخبب مندفعة نحو الحشد في ميدان مجوف واسع ، فرّ المحتشدون الى الريف خلال الجهة المفتوحة دون ان يطلب منهم احد ذلك وحتى دون أن يسدد اليهم أي رمح. لقد كان التمرد في نهايته!

والان بدأ العمل الحقيقي : فلابد من تسوية حقوق النبلاء. ولابد من اصلاح دوائر الحكومة أيضا. و كان لزاما علينا دراسة وجود هيئات تمثل الشعب. لكن المهراجا حينئذِ لم يكن متحمسا لذلك ؛ لقد تم إعادة تثبيت سلطته فلم لا يستريح قليلا ؟ ، ففي كل مرة التقيته كنت أحس من عيونه ان سؤالا يدور في خلده: هل هو فعلا بحاجة الى مستشار؟ وتبع ذلك سؤال: كيف يصرفني دون أي ضجيج ؟ . كان من الضروري ان أكون حذرا كيسا!
لقد حل الطقس الحار. فالخروج في شمس منتصف النهار كان تعذيبا في نهار كأنه فرن مفتوح، تلقيت رسالة من القصر تفيد ان سموه يرغب في لقائي عند الظهر! فتحركت سريعا في سيارتي وانا سابح في عرقي وصلت بوابات القصر لكن حارسا ابلغ سائقي انه غير مسموح دخول السيارات بعد تلك النقطة وانه يجب ان اسير على الاقدام ما تبقى من المسافة. وبما ان ذلك لم يحدث من قبل قط ضغط علي السائق أن اتجاهل الامر وان امضي قدما لكن لم يكن لي رغبة في تحدي الحارس فقررت العودة الى منزلي!
تدخل مساعد القائد وقال ان سموه لن يحتفظ بي طويلا . فتوسلت اليه الا يستعجل لأني قد وصلت الى المرحلة الأكثر اثارة في حكايتي. وبعد لحظات تم سوقي مخفورا الى حضرة سموه فقدم لي الاعتذار عن تأخير الحرس لي فحنيت رأسي تحية له و وقلت إني لا احبذ ان اتقاضى راتبي مقابل قراءة رواية في بلاط سموه حيث الهواء البارد بدلا من انجاز عمل للدولة وانا جالس في العشة التي أقيم فيها !
وبعد ذلك ساد بيننا الوئام وجرى بيننا نقاشات ومجادلات طويلة. فقد أراد ان يخفض امتيازات النبلاء لعدم ولائهم لكني أشرت عليه ان يبقى على الامتيازات حتى يضمن ولائهم في المرة القادمة، وطلبت أيضا، ان يرفع رواتب افراد الشرطة الذين كانوا يتقاضون15 روبية شهريا و يحصلون على 15 روبية أخرى كرشاوى فلو دفع لهم 30 روبية كما اقترحت فسعرهم سيرتفع فيأخذون 30 روبية من الجمهور مقابل أي خدمات . لذلك سيضطر الناس ان يدفعوا 60 روبية مقابل الخدمات التي يدفعون مقابلها 30 روبية في ذاك الوقت فبذلك يحصل رجل البوليس ضعفي راتبه . وعندما اقترحت ان يكون للشعب هيئة ممثلين رفض قائلا ان الديموقراطية لن تجلب قناعة ورضى الناس ورفض رفضا باتا الانتخابات!
وتوصلنا تدريجيا الى تسوية حتى الححت عليه ان يقر بحقوق النبلاء! لكن فجأة لمعت لديه فكرة فطلب مني أن امثل الولاية في مؤتمر الطاولة المستديرة الذي سيعقد في لندن ، ولم استطع الرفض و قد امضيت ثلاثة اشهر خارج البلاد فينما كان القط بعيدا ( غاب القط العب يا فار)اغتنم سموه الفرصة لزيارة برلين لأسباب شخصية! وقد شجعه الفاصل الزمني ،بعيدا عنه، ان يطلب مني ان ابقى مستشارا له عاما آخر , وافقت يحدوني الامل في متابعة بعض مقترحاتي . ربما كنت متفائلا كثيرا، ورغم ذلك فقد اعددت خطة خمسية للبدء بتنفيذ تلك المقترحات!
لكن لا تتصور ان حياتي هناك كانت كلها عملا. فقد اشتريت كاميرا سينمائية وكنت تواقا لتسجيل لقطات تثير اهتمام عائلتي في وطني الام . وطلبت من صديق ان يخرج لي فتاة راقصة كي اصورها. اقترح القصر القديم في المدينة مكانا للتصوير والتقينا هناك. وبعد أيام قليلة خرجت من العشة في ساعات مساء لطيف درجات الحرارة فيه معتدلة فوجدتها في انتظاري ترافقها مديرة اعمالها. غطت وجهها الخجول بطرف الساري و قدمت لي عددا من عرانيس الذرة فقبلت العرانيس وقد احمر وجهي خجلا وبعد ان تبادلنا المجاملات قَفَزتُ داخل سيارتي وانطلقتُ لكني عرفت بعد ذلك ان عرانيس الذرة ترمز للخصوبة
كانت الطريدة الملكية نمرا. كانت الولاية الموئل الوحيد للنمر الامهق وقد اصطاد سموه المئات منها في حياته واسهل طريقة لديه لاصطيادها هي ان يأخذ معه كتاب وقردا بحبل طويل وعندما يجلس في المكمن العالي كان يطلق القرد الذي كان يتسلق فورا الى اعلى الاغصان وبعد ذلك يعطي شارة البدء لسوق الحيوانات ويشرع في قراءة الكتاب. وحال اقتراب النمر كان القرد يسعل فتأخذ القرود الأخرى تسعل تحذيرا لساكني الغابة ان "شير خان" النمر يتجول باحثا عن فريسة وعند ذلك يضع سموه كتابه ويلتقط بندقيته مستعدا لإطلاق النار . لكنه لم يكن يرغب في ارسال الشخصيات المهمة الى ولايته لاصطياد النمور. ذلت مرة امضى نائبه الأول أربعة أيام في الدغل دون ان يكلفه احد بذلك . لم يلمح إشارة تدل على نمر وعندما قلت ان ذلك فال سيء لسياسي بارز أجاب المهراجا انه وعده بصوت التحذير من النمر ولم يعده باصطياد نمر حقيقي !
وخلال تلك الأفعال المثيرة نجحت في الوصول الى تسوية حقوق النبلاء لكن الاحكام اللازمة لتفعيل التسوية كانت تحتاج توقيع المهراجا نفسه فلم يوقعها , تبقى لدي عدد قليل من الأسابيع قبل ان تنتهي سنتي خدمتي هناك. لذلك كتبت الى قائدي في دلهي وسألت إن كان بوسعي زيارته وعند وصول الجواب طلبت من المهراجا إجازة لمدة أسبوع. وحضر الى بيتي مساء وتناولنا المشروبات معا في شرفة المنزل و عندما غادر سألني اين سأذهب في الاجازة فقلت له : الى دلهي!
فسال: عند من ستنزل هناك؟
فأجبت : عند السكرتير السياسي
أجاب :" آه امل ان تقضي وقتا سعيدا هناك"
وصلت احكام التسوية ذاك المساء موقعة توقيعا رسميا . وبذا انتهت مدة خدمتني للمهراجا . لم آسف على ذلك لأنه لم يكن ليقدم المال لتمويل الخطة الخمسية، ولم يكن هناك أي تقدم فيها . وفي الموعد المستحق سارت الأمور من سيء الى أسوء ، وكما قلت بعد عشرة سينين تم خلعه وامضي باقي عمره منفيا في بومبي
لكنا افترقنا أصدقاء و رمزا للسنتين اللتين قضيناها معا رغب في ان يقدم لي علبة سجاير ذهبية . كان لزاما عليّ ان أبيّن له انه لا يسمح لي بقبول تلك الهدية. فابتسم وانتظر حتى نزلنا في مقر نائب الملك البريطاني في الهند لحضور مؤتمر. في نهاية زبارتنا لذاك المكان تم استدعاؤنا لمقابلة نائب الملك اللورد ويلنغدن . وبعد عدد قليل من الملحوظات الافتتاحية سألني سعادته عن رأيي في القانون الذي يمنع موظفي الدولة ان يقبلوا الهدايا! اجبت إن كانت الهدية لا يترتب عليها اية التزامات فإني أرى ان ذلك ليس مهما! فقال : "تماما كما أرى" ثم ابتسم وقال :" هل علبة سجاير ذهبية ترتب عليك اية التزامات نحو سيدك المهراجا؟"
" ولا أدنى التزام" قلت :
فقال سموه" إذن تفضل! " ثم فتح جارورا وناولني بكيت ,عندما هممت بوضعه في جيبي قال :" دعنا نفتحه لنرى ان كان بكيتا حقيقيا وفعلا فتحناه وكان حقيقيا!
فمن اردأ كسر قانون يجب ان يكون نائبا للملك بشخصية ساحرة حتى يكسر تلك القاعدة.
و الذي اتذكره جيدا الان خلال الوقت الذي عشته مع المهراجا هو ان راتبي الأول احضره لي وزير المالية بمغلف منتفخ بالملحوظات التي أضيفت الى المبلغ كاملا ولم يكن هناك اية حسومات بسبب ضريبة الدخل او اية ضرائب أخرى . فهل تصدق بوجود مثل تلك الأماكن في الحقيقة؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد