إصلاح الثقافة وثقافة الإصلاح

mainThumb

15-01-2023 03:34 PM

تعد الثقافة بما تحتويه من قيم وعادات وتقاليد وعلاقات اجتماعية، الإطار المجتمعي الأول الذي طوره الإنسان وحاول من خلاله التعامل مع بيئته بعناصرها المختلفة. وبالتالي فهي من أكثر الموضوعات أهمية وأولوية في علاج العديد من القضايا التي ترتبط بالتنمية الوطنية والإصلاح الشامل، ومحاربة ونبذ السلوك الشائن. فقبول اي ممارسة جديدة يحتاج حتماً في البداية الى نشر ثقافة داعمة لتلك الممارسة وتسهل الطريق لممارستها، وقد ظهرت نظريات مختلفة لتفسير دور الثقافة في حياة المجتمع ومدى أهميتها في توجيه حركته، حيث قامت تلك النظريات بتحليل المكونات الثقافية وتحديد إمكانيات تطورها وكيفية تطويرها لتلعب دوراً أكثر إيجابية في الحياة العامة.

ويشكل الإصلاح مطلبا أساسيا للتقدم والتطور، حيث يعتبر اليوم أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، ذلك لان الزمن يمضي بسرعة، بينما تزداد سعة الفجوة العلمية والتكنولوجية والمعرفية والاقتصادية التي تفصلنا عن العالم المتقدم يوما بعد يوم.

وكون أن الثقافة تلعب دورا مهماً وفاعلاً في كل شيء، فان الموقف من العمل والإنتاج والبحث العلمي هو الآخر جزء من نفس الثقافة، التي تحتاج الى قيم تزيد من درجة الاعتماد على البحث العلمي لاحراز التقدم المنشود. لذا، فان إصلاح الثقافة او تنميتها او تكييفها، يشكل المدخل الحقيقي للإصلاح الشامل وتنمية الاقتصاد ومؤسسات البحث العلمي والتطوير التكنولوجي، واجتثاث جذور التعنت والرجعية من حياة المجتمع بشكل عام. فالثقافة تشكل القناة التي يتعامل العقل من خلالها مع الواقع، والوسيلة الأهم التي يستخدمها الواقع كي ينقل للعقل صورة حية لما يعيشه من مشكلات وأوهام وطموحات.

وهذا يعني انه ليس بالإمكان معالجة أي قضية من قضايا المجتمع بفاعلية عالية بمعزل عن البيئة الثقافية ودون المرور في قنواتها الرئيسة، لذلك لا بد من تطوير القيم الثقافية والعلاقات الاجتماعية للتعامل مع المعرفة العصرية بإيجابية، والسماح للعقل بالتواصل مع الواقع بحيادية وعلمية، والتفاعل الخلّاق مع الغير من الشعوب والأمم والتعايش معهم على أساس تبادل المصالح والتسامح، والقبول بحق الاختلاف في الرأي والفكر مع الآخرين.

إن إصلاح الثقافة يتطلب تبني ثقافة الإصلاح، أي القبول بان ثقافتنا أصبحت بحاجة ماسة للتعديل والتكييف لتنتقل من حالة الجمود الراهنة في بعض جوانبها إلى حالة ديناميكية تتصف بديمومة التطور والتحول تجاه الافضل. وهذا يعني ان بداية الإصلاح تبدأ بالاعتراف بالحاجة للإصلاح والانتقال من مستوى الذهن إلى مستوى الواقع، وذلك من خلال البحث عن سبل الإصلاح وأهدافه وأدواته.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد