البيت الهادئ

mainThumb

03-02-2023 07:51 PM

دأب أبو مجاشع ان يصلي الفرض جماعة و في نهاية الصلاة يفز مسرعا ناهدا الى بيته حيث زوجاته الثلاث ، لكن حال وصوله يصدر من البيت صراخ وشتائم إذ كانت النساء الثلاث يتنازعن على شرف تقديم الطعام اللذيذ له رغم انه كان يعدل في المنام في حجرة كل واحدة منهن!
لكنه مؤخرا دأب على ان يمضي وقت مابين الصلوات في المسجد يقرأ القران ويسبح الله ثم يستغفر طويلا .
ذات مساء بعد صلاة العشاء جلس ابو مجاشع يتمتم بورده ا لمعتاد لكن جاره أبو دهام اقترب منه سائلا اياه عن حاله وقال له انه بحمد الله قد لاحظ الهدوء يعم بيت ابي مجاشع فقال أبو مجاشع :" يا سيدي نحن الان في المسجد والمسجد للعبادة فلايجوز الحديث في الأمور الشخصية انتظرني حتى انهي جلسة الورد اليومي ثم نذهب الى مقهى الركن الهادئ في ساحة البلدية وهناك سأشرح لك كل شيء."
بعد نصف ساعة خرج الاثنان من المسجد كانت انوار الشارع ساطعة فاستقلا سيارة اوصلتهما الى مقهى الركن الهادئ في ساحة البلدية.
كان المقهى ضبابيا يعج بدخان السجاير فاختار طاولة في العراء تحت نورعمود كهرباء.
قال أبو دهام: هات ما عندك : قال أبو مجاشع: اليك حكايتي يا سيدي : تعلم اني تزوجت أول مرة حسب رغبة امي عندما كنت في التاسعة عشرة فقد اختارت لي ابنة اختها "الحرجلة" وتكون ابنة عمي في نفس الوقت يعني ابنة خالتي وبنت عمي !
اختارتها امي حتى تكون وفية لها تعاملها باحترام . لكن امي كانت تتدخل في كل شأن من شؤن زوجتي بنت الحرجلة ، التي صبرت صبرا عجزعنه الصبر> ذات يوم عندما حاولت امي ان تتدخل في لباسها ووضع المزيفات على وجهها فتلاسنتا وتطور التلاسن الى مضاربة نتج عنها تمزيق شيب العجوز بعد ان مسحت بها الزوجة بلاط المنزل ... ورقدت العجوزفي الفراش أسبوعين وفي كل يوم قبل النوم كانت تطلبمني ان اجلدزوجتي بالخيزرانة والا ستطلب من الله ان يغضب عليّ ، فكنت اصيح بزوجتي بصوت غاضب عال رافعا الخيزرانة فتهرب زوجتي الى غرفة النوم وهناك نقوم بتمثيلية بعد ان اغلق الباب ! كنت اضرب السرير وزوجتي كانت تصرخ ترجوني الا اضربها ... ثم اتوقف, واخرج الى امي مقبلا يديها وكنت الاحظ امارات الشك في نظراتها وبعد ذلك ادخل الى زوجتي فكنا نضحك بصوت عال مما اثار فضول امي ، لم تكن تعافت بعد من اثار"العلقة" التي اطعمتها إياها زوجتي.
ذات يوم بعد صلاة الظهر عدت الى المنزل فكان الجو مكهربا كانت امي في ضيق وغضب شديد واخذت تنتحب شاكية ان زوجتي قد اساءت الادب معها فطيبت خاطرها ووعدتها ان انتقم لها على الفور . فجذبت يد زوجتي بقوة وادخلتها الى غرفة النوم ... كانت اجمل لحظات رومانسية اقضيها مع زوجتي لأول مرة، لكن لسوء حظي لم احكم اغلاق الباب، فلما لم يصدر صوت عراك ونزاع شبت النار بين ضلوع امي فتوكأت علىعصى حتى وصلت المخدع فدفعت الباب فوجدتني في جو رومانسي مع زوجتي فتراجعت والنيران تعتمر في صدرها!
وفي اليوم التالي، نادتني امي وتوددت الي قائلة ان زوجتك لا تنجب الا البنات وانا أريد ان ازوجك من فتاة بنت اسرة محترمة أصغر سنا من زوجتك وأكثر علما وادبا ... قلت لها: تريدين الخير لي ام الانتقام من زوجتي!
فانهمرت دموعها قائلة : انا احب ان أرى ابنا ذكرا لك !
بعد أسبوع توجهت امي بوفد نسائي من قريباتي قاصدات بيت أبو زاهي وخطبن لي ابنتهم زهوة التي كانت تصغرني بعشرة أعوام!
وفي يوم زفافي كانت المفاجأة: لقد حجزت امي لي تذكرتي سفر الى قبرص كي امضي شهر العسل هناك!
بعد انتهاء حفل الزفاف توجهنا الى المطار ، بحثت عن امي كي اودعها فلم أجدها ... وعندما حطت بنا الطائرة في مطار لارنكا ونزلنا من الطائرة .... كانت المفاجأة ... لقد كانت امي على الطائرة فانتظرتنا عند سلم الطائرة فلما نزلنا فوجئنا بوجودها معنا .... ضحكت قائلة : تمنيت ان يكون ابوك حيا يرزق لأحضرته الى هنا كي استعيد الذي مضى ... لقد امضيت واياه شهر العسل في فندق "ستافروس"في لارنكا .
واصرت امي على أن ننزل في ذاك الفندق - وعندما وصلنا الفندق طلبت امي اننسكن في الجناح الذي نزلت فيه بصحبة ابي في شهر العسل. عندما دخلنا الجناح توجهت مسرعة الى غرفة النوم التي سكنت فيها وابي ... وفتحت النافذة الشمالية التي تطل على بركة سباحة وبعدها سهل منبسط يلوح شاطئ البحر من خلفه
بدت علامات الحزن على محيا والدتي وانهمرت دموعها ، فاصبنا بشيء من النكد ! بعد ان هدأت طلبنا بالهاتف العشاء وتناولنا العشاء!
وعندما ارادت امي ان تنام في الغرفة المجاورة ،ودعتنا لكنها ناولت منديلا ابيضا وهمست بأذن العروسة ...
لقد كانت تلك حركة من العادات والتقاليد اذ اوصتها ان ذاك المنديل سيثبت علامة شرفها وانها عذراء سليمة!
وفي اليوم التالي أصرت امي ان تذهب وتزور الأماكن التي زارتها وابي فاستأجرنا سيارة أجرة مرسيدس كان السائق يوناني يتكلم الإنجليزية بصعوبة: كانت السيارة مرتبطة بمقر الشركة بحها راديو للمتابعة .
انطلقا في طريق متعرج يقود الى قرية -لافكرا -التي تقع على سفح جبال ترودس في المنطقة الجنوبية الشرقية من قبرص وترتفع عن سطح البحر بحوالي 650 مترا وتبعد عن لارنكا 30 كم وعن ليماسول 45 كم . وفي الطريق أصاب العروس وعكة صحية فاضطررنا ان نراجع طبيبةنسائية . كان السائق من أبناء المنطقة ويعرف منزل الطبيبة فذهبنا الى منزلها ويبدو انها الطبيبة الوحيدة في تلك القرية. استقبلتنا بكل حفاوة ومازالت اذكر كم كان لذيذا عصير الليمون الذي قدموه لنا! بعد ان استرحنا ساعة تقريبا انطلقنا الى ليماسول ووصلنا بعد ساعة كان وقت الغداء قد حان فأخذنا السائق الى مطعم امامه ساحة عليها عريش ! جلست انا وامي وزوجتي على طاوله في الظل لكن السائق جلس معنا وهو يدخن الارجلية فطلبت منه ان يجلس عند طاولة أخرى لأننا لا نطيق التدخين فقام وجلس عند طاولة أخرى بعيدا عنا.... وفي اثناء الطريق كنا نشاهد اعمال تزفيت الطرق والغريب هو ان نساء ضخمات القدود كن عاملات التزفيت!
وتجولنا في أسواق المدينة وعدنا في المساء الى الفندق وفي اليوم التالي خرجنا سيرا على الاقدام ومررنا بجانب قاعدة عسكرية بريطانية قريبة من الشاطئ ثمتناولنا الطعام في مطعم على شاطيء البحر المتوسط حيث تتلاطم الأمواج وترتطم بالصخور علىالشاطئ فتتناثر قطرات الماء فوق الطاولات .
وعدنا في نهاية الأسبوع ويا ليتنا ما عدنا ... وجدنا زوجتي الأولى وامها بانتظارنا في البيت. لقد استقبلتانا بجفاء وغلظة فكانت اول عبارة لفظتها خالتي اخت امي ووالدة زوجتي الأولى :"هذي الحكاية فيها خيار وفقوس ، ان شاء الله انبسطوا وبنت أبو الحيايا! اسمع ولك : انت لازم تروح انت وبنتي الى قبرص في عيد زواجكم الذي سيحل بعد شهرين والا فلن تبقى زوجة لك"
لكن امي لم تسكت وتبادلتا الشتائم فوقفت حائرا فواحدة امي والثانية خالتي. واستعر اوار المعركة حتى انهما امسكتا بجدايل بعضهما وتدخلت زوجتي الاولى لصالح أمها وانهالت على امي بخيزرانة بعد ان أطاحتها ارضا فتدخلت انا وفضضت الاشتباك!

بعد ان ساد الهدوء واذا بأمي تنفجر صارخة بزوجتي الثانية واخذت تلومها لتقاعسها عن الدخول في المعركة وتركتها فريسة لزوجتي الأولى وامها واقسمت انها ستزوجني خلال أسبوع من بنت ابي سمعان وفعلا كان كما ارادت .
قضيت شهر العسل اناوزوجتي الثالثة برفقة امي في بيروت حيث نزلنا في بيروت الغربية وزرنا مدينة بعلبك الاثرية وبعد أسبوع عدنا... في ذلك الوقت كنت في التاسعة والثلاثين من عمري واصبح عندي ثلاث زوجات ولابد من القيام بالواجب والعدل ...
وقد رزقت من الزوجة الثانية والثالثة بأطفال اناثا وذكورا اما الأولى فقد رزقت بالاناث!
وعندما درجالأطفال الذكور اخذوا يتنازعون على الفوز بالدمى وعندما يتغلب ابن الثانية على ابن الثالثة كانت امي تثير فتنة وتضرب الطفل الخاسر قائلة له:" انت نذل كيف تسمح له ان يأخذ سيارتك(الدمية) منك ، الظاهر انك نذل وطالع لأخوالك الانذال" . فترد عليها زوجتي :"تأدبي يافليخة الشيب انت تعرفي من هم الانذال" فتشتعل معركة يسمع ضجيجها الجيران ... مشكلات يومية دائمة فعرف بيتنا في الحي بدار "أبي المشاكل. "
وذات يوم أصاب امي انهيار صحي شديد فقدت فيه القدرة على المشي فلزمت الفراش ثم فارقت الحياة ، ساد الهدوء البيت ... لكن كانت المعارك تشتعل حينا فحينا ... ومع الزمن بدء جسمي يضعف وكلما زدت ضعفا ازدادت قلة الهيبة والاحترام ، حتى انه لم يعد لدي ما تقتل عليه الضرائر . فالروح تواقة والجسم ناحل متهالك!.. أصبحت حيا هالكا مجرد تمثال لا حركة ولا نشاط ولم تكترث نسائي بالمبيت عندهن فكل ما اسمعه منه عبارة" اسمك ذكر ن يا عونة الله" وهذا سبب الهدوء الذي يخيم على بيتنا
فقد نضب ماء البئر ولم يبق فيه ما تقتل عليه الضرائر .... هل اشبعت فضولك؟


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد