الزلزال .. وصرخة في وجدان الإنسانية

mainThumb

08-02-2023 02:23 PM

.ها هي الأرضُ التي تُقِلُّنا، والسماءُ التي تظِلُّنا، تسيران بأمر الله وقضائه وقدَرِه سبحانه، ونفذَ أمرُ اللهِ فحدث زلزال مدمّر أتى على مدنٍ وقرًى فتزلزلت، وحان الفراق بين أهلها، فمنهم من قضى نحبَه شهيدًا إلى جنات الفردوس بإذن الله تعالى، ومنهم المصابون الذي نسأل الله لهم الشفاء العاجل، وآخرون هم في العراء يسكنون، وما بين البرد والجوع يأملون.. ينتظرون.. يودعون، بل لا يدرون ماذا يفعلون.
ولكن.. هناك تحت الأنقاض إخوة لنا كبارا وصغارا، هم بين أمل النجاة وحقيقة الممات، فيصرخون وينتظرون من الإنسانية إزالة الأنقاض عنهم، لعلهم يرَوْن الحياةَ من جديد، فيروون لنا قصة الثواني التي حولت الآمال إلى ذكريات، وشتت الأحباب، ودمرت البيوت على ساكنيها، وزلزلت الأرضَ تحت أقدام الآمنين، وأرهبت العالم أجمعين.
ومن تحت الأنقاض صرخات ترتقي إلى مرتبة الوجوب سماعها، لمن كان له قلب أو ألقى السمعَ وهو شهيد يشاهد النكبة، ويشهد الكارثة، فهل سيسمع الغرب والشرق والشمال والجنوب نداءات المنكوبين؟ وهل سيقف العالم سنة واحدة من غير نزاعات وحروب هي أشدّ وأنكى من الزلازل؟.
إنها الإنسانية.. فيها خير كثير، فقد هبت القيادات والحكومات والشعوب، لتقديم المساعدات لتركيا وسوريا، البلدين الشقيقين الجارتين، وتخفيف العناء عن المنكوبين بالزلزال الشديد، ولكننا نتمنى أن تكتمل الصورة الإنسانية، وتتحقق الألفة بين الناس عموما، وإن لم نستطع.. فهل سيكون الزلزال باعثا للأمل بمستقبل واعد، ترتبط القلوب معا، كما ارتجفت من الزلزال معا؟.
فقد أتى على المدن أمرٌ لا مردَّ له، ويكأنّ الكلّ كانوا عائلة واحدة، قلم يفرق بين غربيّ ولا شرقيّ، ولا عربيّ ولا أعجميّ، ولا أي فروقات أخرى،. فهكذا هي الكوارث الطبيعية أرأف من الكوارث التي يصنعها الإنسان، لأنّنا نصنع فروقات حينما ننزل كوارث على بني الإنسانية، وأيضًا.. فالزلزال يكفيه ربع دقيقة أو أقلّ، أما الاحتلال والاستيطان فلا يكفيه قرن من الزمان.
صرخات تحت الأنقاض.. إنها بلغات العالم قاطبة، فهل يسمع العالم تلك الصرخات والنداءات ويوقف الدمار الشامل والتخويف والتجويع، وصناعة الأسلحة الفتاكة، والمخدرات القاتلة؟. فهيا.. نبني ما هدمته الزلازل، ونشرع في حياة على الألفة تجمعنا.
الزلزال.. اصطكاك للصفائح بين القارات، إنها أرضنا التي نعيش عليها، لأجل ذلك في كلّ مرّة نرى فيها كارثة، يسارع أهل المعروف في صناعة المواقف الإنسانية، فما بين الدعاء للمنكوبين والشهداء، وما بين التعازي على جميع المستويات، ونقل الأخبار بالصوت والصورة، ويتحول الإعلام إلى داعم معنويّ وواصل بين الأمم والشعوب، ضمن العديد من الصور الإنسانية والمواقف النبيلة، التي تتوجها المساعدات العينية والمعنوية، من الدول الشقيقة والصديقة والشعوب الرائعة فيما بينها.
وتبقى الصرخات من تحت الأنقاض، والأنين يتصاعد فيشكل سُحبًا ركامية، تنطق بلسان الوعي والإدراك، وتخاطب عقول الذين بيدهم أزرار التحكم في مفاصل هذه الأمم، فهل نخطو نحو الأمام خطوة، فننزع فتيل الحرب هنا وهناك، في الإقليم وخارجه، وهل نرفع العقوبات على الضعفاء من الدول، وهل ترفع الدول العناء عن الضعفاء وتنبذ الخلاف بينها؟.
فيا من تصرخون تحت الأنقاض.. كان الله لكم عونا ومعينا، وكلنا أمل أن يكون ما أصابكم درس للأمم، فنتوقف عن الخلافات والحروب، ونلملم الجراحات ونسارع في تقديم العون للمستضعفين في كلّ مكان، فالفقر والتشريد والأوبئة... كلها تستحق وقف كلّ غطرسة على ظهر هذه البسيطة، التي لا تنذرنا عن موعد زلزال ولا إعصار ولا تسونامي..
فلنستيقظ!! فالشعوب تنتظر الكثير من الأمل.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد