الانتخاباتُ النيجيرية: الحُكمُ بعد المداولة

mainThumb

05-03-2023 09:26 AM

الانتخابات الرئاسية النيجيرية انتهت في الأيام القليلة الماضية، والمفوضية الانتخابية الوطنية المستقلة أعلنت اسم الفائز. وما تعلمناه منذ بدء التجربة الديمقراطية في البلدان الأفريقية، أن الانتخابات عموماً، والرئاسية خصوصاً، لا تنتهي بإعلان النتائج، بل تنتقل المعارك، مباشرة وفورياً، إلى قاعات المحاكم. ما حدث في كينيا عام 2017، وبعده في مالاوي عام 2020، ما زال ماثلاً للعيان. وما حدث أخيراً في الانتخابات الرئاسية النيجيرية، بناء على ما وُثّق من خروقات، لن يكون استثناء. أحد المتنافسين على الرئاسة صرح عقب إعلان النتيجة بأنه سيلجأ إلى القضاء.
يبلغ عدد سكان نيجيريا 220 مليون نسمة. وهي من الناحية السكانية تعدّ الأكبر في كل أفريقيا. ويبلغ عدد الناخبين المؤهلين للتصويت 87 مليون ناخب. وبلغ عدد من تكبدوا عناء الوقوف، في طوابير أمام مراكز الاقتراع، لساعات طويلة، وأدلوا بأصواتهم 25 مليون ناخب، أي بنسبة 27 في المائة فقط. وهي أقل نسبة في أعداد الناخبين تسجل منذ بدء العملية الديمقراطية في البلاد.
انتخابات هذا العام دخلها ثلاثة متنافسين. اثنان منهم يمثلان الحزبين الرئيسين المتنافسين على السلطة وهما: كونغرس كل التقدميين - All Progressives Congress. وهو الحزب الحاكم، ومرشحه في الانتخابات يدعى بولا تينوبو، وحزب الشعب الديمقراطي - The People’s Democratic Party ومرشحه يدعى عتيق أبو بكر، وسبق له الترشح للرئاسة ست مرات في السابق. الحزب الثالث، حزب العمال - The Labour Party يعتبر مقارنة بالسابقين هامشياً، ولم يسبق له الوصول إلى السلطة، أو شكل تهديداً انتخابياً جدّياً للحزبين الرئيسين، ومرشحه في الانتخابات يدعى بيتر أوبي. تحصل الأول على مجموع 8.8 مليون صوت، بنسبة 37 في المائة. وتحصل الثاني على 7 مليون صوت بنسبة 29 في المائة، وتحصل الثالث على 6.1 مليون صوت بنسبة 25 في المائة. التقارب في أعداد الأصوات بين المتنافسين الثلاثة يعدّ سابقة.
مرشح الحزب الحاكم والفائز في الانتخابات السيد بولا تينوبو، يبلغ من العمر 70 عاماً، وواسع الثراء والنفوذ. قضى أعوام عقد السبعينيات من القرن الماضي في أميركا للدراسة والعمل. ولدى عودته في الثمانينيات اشتغل مع شركة موبيل أويل النفطية، ثم انتخب حاكماً لمدينة لاجوس عام 1999، وهو العام الذي يعلّم لنهاية الحكم العسكري في نيجيريا، وبدء التجربة الديمقراطية. وشغل منصب الحاكم لفترتين حتى عام 2009. يقول أنصاره إنه خلال تلك الفترة شهدت لاجوس كثيراً من الإصلاحات، أهمها انخفاض ملحوظ في نسبة الجريمة، وتحسن في أداء الخدمات، واستقطاب المستثمرين الأجانب. ويقول خصومه إنه أكبر سنّا مما يدّعي. وأنه متورط في قضايا فساد، وكان على علاقة بشبكات تهريب المخدرات. وفي عام 1992 ادعت وزارة العدل الأميركية أنها وجدت في حساباته المصرفية أموالا مودعة من شبكات تهريب مخدرات. وتمت تسوية الأمر بدفعه غرامة بلغت قيمتها قرابة 400 ألف دولار أميركي. ورغما عن ذلك، أصر على نفي التهمة. ولعل أهم ما نشرته التقارير الإعلامية البريطانية أنه كان خلال الحملة الانتخابية لا يتوقف عن ترديد مقولة: «حان دوري الآن». والمقصود أنه كان خلال الانتخابات الرئاسية الماضية يقود حملات مرشحي الحزب للرئاسة، ومن ضمنهم الرئيس محمد بخاري الذي انتهت مدة رئاسته الثانية. وأطلقوا عليه اسم عرّاب لاجوس، لأنه كان هو من ينتقي من سيكون حاكماً للمدينة. اللافت للاهتمام أن الناخبين في مدينة لاجوس، أكبر مدن نيجيريا، أعطوه ظهورهم، وأدلوا بأصواتهم إلى مرشح حزب العمال بيتر أوبي.
واستناداً إلى مراقبين محايدين، قامت المفوضية الانتخابية بمهامها على وجه مناسب. لكن المرشحين الآخرين يؤكدان أن العملية الانتخابية شابها الكثير من الشوائب تهدد مصداقيتها. مراكز الاقتراع فتحت أبوابها متأخرة. كما أن وعد رئيس المفوضية بإعلان النتائج حسب التصويت، أولاً بأول، في كل إقليم لم يتحقق، بسبب خلل في الأجهزة في عدد 177 ألف مركز اقتراع. ولم يتم إصلاح العطب إلا بعد ساعات. النظام التقني المستخدم كان الغرض منه ضمان الشفافية في عد الأصوات إلكترونياً لتفادي التزوير. إلا أن تعطل الأجهزة اضطر المسؤولين في تلك المراكز إلى العودة إلى النظام السابق في عدّ الأصوات يدوياً.
قاعات المحاكم النيجيرية، ستتحول خلال الأيام القادمة إلى ميادين حرب قانونية. ويرجح بعض المعلقين أن القضاة النيجيريين، هذه المرّة، سيجدون أنفسهم أمام امتحان شديد الصعوبة. وأنهم من المحتمل أن يصدروا أحكاماً بإعادة الانتخابات في العديد من مراكز الاقتراع.
مرشحو الأحزاب الثلاثة، خلال حملاتهم الانتخابية، تعهدوا بمحاربة الفساد والجريمة. الأمر الذي يعيد إلى الأذهان وعود الرئيس منتهي الولاية محمد بخاري الذي وعد هو الآخر، في الانتخابات السابقة، بمحاربة الفساد والجريمة. وها هو يستعد لمغادرة القصر الرئاسي وقد ازداد الفساد تفاقماً، وانتشرت عصابات الإجرام في أقاليم عديدة، وغاب الأمن والأمان. ناهيك عن الوضع الاقتصادي السيئ، في بلد يؤكد الخبراء أن عدد سكانه سيصل إلى 400 مليون نسمة في عام 2050!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد