مخيم جنين بين الحنين والأنين

mainThumb

05-07-2023 09:03 PM

فرق شاسع بين الأمل والألم، وبين السعادة والأسى، تماما كما هو الفرق بين الحرّية والاحتلال، وبين رائحة الياسمين ورائحة البارود، وبين صوت البلابل ودويّ القنابل، وزقزقة الطيور وأزيز الطائرات.
وفي فلسطين يقبع مخيّم جنين على ربوة من شمالها، وهناك كلّ معاني الحنين للرجوع إلى الأرض التي إليها العودة ومنها كان اللجوء، فذكريات الأجداد حملها الأحفاد، ولإخماد تلك الذكريات، يصبح أهل مخيّم جنين بين الفينة والأخرى على اجتياح مدمّرٍ كأننا في العصور الوسطى التي يمقتها التاريخ والمؤرخون.
وما أنْ جاء العيد وفرح أطفال مخيّم جنين للاجئين الفلسطينيين، حتى جاء الاقتحام يدمّر بقايا ألعاب الأطفال هناك، بعد أن حوّلهم إلى أيتامٍ وأمهاتم إلى أيامى وثكالى، ليس لشيء إلا لأنهم هنا سكنوا، ومن هنا أوقدوا مدفأة الذكريات والحنين.. في جنين.
وارتحلت مواكب الشهداء، مع دعاء الوداع الأخير، وتوسّد التراب الشباب الأتراب، تركوا ذكرياتهم وضحكاتهم وقد انجبلت مع طين الأرض، لأنّ الطين جزء من فلسطين وهم جزء منها، في تركيبة صعبة، تمنع الإنسان أن ينسى الأوطان.
ومع الزغردات من أمهات الشهداء، وأنين الجرحى، سيبقى الجرح نازفا، ودم المِسكِ يفوح من قبور الشهداء، ليذكّر الجميع باقتحامات المخيّم بمجنزرات عاتية، وبقوّة عسكرية عنجهية لا تعرف للإنسانية معنى، ولا للرأفة مبنى.
في مخيّم جنين.. اختلط الحنين إلى الحرّية، بأنين ضريبة الحرّيّة، وساءت الظنون إلا بالله الكريم المنان، وتقطعت السبل بأهلها، إلا من أهل الخير المساندين، وما زلنا منذهلين مما يحدث هناك ويتكرر، وأما الأسباب الواهية المزعومة فلا تقنع رأس إبرة حتى تقنع رؤوس الأحرار والأبطال.
في جنين.. يعلو صولجان الحقّ، ويزداد التمسّك بالحقّ، وما ذلك الجيش العرمرم المجرّد من الإنسانية، بمنتصر أمام المجرّدين من السلاح المتمسكين بإنسانيتهم، وسيبقى صوت الحقّ يعلو ويلملم الجراحات في كلّ مرَّةٍ مُرّةٍ، ويسطر الذكريات والحنين لأهل جنين ولأهل فلسطين، ليذكِّرَ العالم بأنّ الحرّيّةَ حقٌّ أصيلٌ لا يمكن التنازل عنه، حتى لو لم يبق إنسان يطالب به، لتكلّت الجبال وسالت الأودية تطالب بحرّية الذين قضوا حياتهم لأجلها.
ومواكب الشهداء في جنين توالت، وها هم الأبطال يودّعون شبابَهم وأعمارهم، ليس لذنب اقترفوه، إلا لأنّ الأرق أصابَ المحتلَّ فاختلّ توازنه ولا يمنع أرقَه سوى إراقة الدماء، وهكذا هو كلّ محتلّ على مرّ الزمان والمكان.
لا نقول: يا جنين وادعا. لأنكِ مدينة باقية منذ أعماق التاريخ، ولسانك فلسطينيّ عربيّ مبين، وأنتِ في قلوب العرب والمسلمين، ولقد تعلّم العالم منك درسَ الإباء والصمود والحنين وما سمعنا منك الأنين.. بل نحن الذين نئنّ على جراحات الأمة.
فهل سيَعِي المحتلّون مدى غِلظة غطرستهم؟ أمْ أنّ السلام الذي ينادي به العالم وأَدَه الإسرائيليون في جنين؟.


محمد عبدالجبار الزبن
agaweed1966@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد