تعرف على مدينة غات الليبية

mainThumb

06-08-2023 08:47 PM

السّوسنة- وكالات

مدينة تقبع وسط الصحراء الليبية، تحتضن جغرافيتها جبال ورمال وكنوز ومعادن ظلمت وسط الحديث عن المدن المركزية ومبانيها فلم يتحدث أحد عن عراقتها وأصالتها وجذورها التاريخية الممتدة إلى بعيد الأزمان.
غات الليبية هي مدينة تاريخية وأثرية تبعد عن العاصمة طرابلس 1400 كيلومتر، تقع تحديدا في الصحراء الليبية الغربية على مشارف الحدود الجزائرية .
تبلغ مساحة المدينة قرابة 72.700 كيلومتر مربّع، وعدد سُكّانها حوالي 22.770 نسمة، وتشكل فئة الطوارق الغالبية العظمى من سكانها فيما تسكن المدينة بعضا من الأمازيغ، ويتحدّثون اللغةَ الأمازيغيّة أمّا البقية فيتحدثون اللغة العربية .
موقع المدينة في الجهة الجنوبيّة الغربيّة من مدينتي سبها ومرزق، وتبعد عن مرزق قرابة 585 كيلومتراً، وعن سبها 600 كيلومترٍ، وتبعد عن العاصمة الليبية طرابلس 1360 كيلومتراً .
وكأي من المدن التاريخية القديمة في ليبيا تمتلك بوابات عدة، حيث توجد لها أربعة أبواب هي: باب كلالة من الجهة الشرقيّة، وباب الخير من الجهة الشّماليّة، وباب تفغات من الجهة الجنوبيّة، وباب تملغات من الجهة الغربيّة.
مدينة غات السياحية تعد محطة رئيسية لمعالم النقوش الصخرية في كل من جبال آكاكوس والتاسيلي، وهي النقوش التي تعود إلى حقب تاريخية متنوعة من تاريخ سكان الصحراء الكبرى وتؤشر على حجم التغير المناخي الذي عرفته المنطقة بأكملها.
ورغم عراقتها وكبر مساحتها إلا أن سكانها هم 32 ألف نسمة فقط، رغم أنها وكمحافظة تتبع لها عدّة مدن هي غات المدينة وبركت وعوينات والتهالا وفيوت وايسن.

تأسيس المدينة

تأسست غات في نهاية القرن الأول قبل الميلاد على يد مجموعة من خمس قبائل، ولقد تعهدت هذه القبائل بحماية القوافل التجارية وبناء المدينة، لكن بعد مجيء الطوارق إليها سرعان ما عقدوا معاهدة التزمت بموجبها قبائل الطوارق حمايتها نظير جزية معلومة تؤديها غات لهم مع بقائها تحت حكم مجلس الشيوخ كمركز للسلطة التنفيذية .
وتجدر الإشارة إلى أن غات كانت مركزاً عسكرياً وتجارياً في عهد الرومان وكانت تعرف باسم أوبيدوم دي رابسا، فعمل الرومان على تأمين طرق التجارة والحماية من خطر القبائل التي تقطن الواحات الصحراوية.
واختلف العلماء وتجادلوا حول سبب تسمية المدينة بهذا الاسم حيث قال كثيرون إن اسمها جاء من مُصطلح الغيث، ويقصدون بذلك أنّها كانت تُغيث المسافرين في الصّحراء، وتُؤمِّن لهم الماء والأكل .
وفي قضية الأسماء أيضا يقول رأي آخر، وهو القول الرّاجح لدى سُكّان المنطقة، إنّها سُمِّيت بذلك على اسم وليٍّ صالحٍ كان يُطلق عليه اسم غوث، حيث كان هذا الوليُّ يعيش في المدينة، وعندما توفّي أُطلق الاسم على المدينة نسبةً إلى اسمه، وقبره لا يزال موجوداً في غات القديمة.

مملكة الجنون

تمتلئ غات بمعالم أثرية عريقة وضاربة في القدم أبرزها القلعة وهي تقع في المدينة. شيدت القلعة خلال فترة الحكم العثماني في القرن السابع عشر الميلادي، ومن ثم دمرها الإيطاليون وأعادوا بناءها في عام 1930.
والطريق إلى قمة القلعة يمر عبر دروب مدينة غات القديمة، والواقف على قمة قلعة غات يمكنه بسهولة إلقاء نظرة شاملة على المدينة ومزارع النخيل المجاورة، وكذا جبال آكاكوس بنقوشها الصخرية، وكثبان الرمال الذهبية، ويوجد تحت حائط القلعة الغربي نفق أرضي ربما كان يستخدم في الحالات الطارئة، مثل الحصار.
وتحتوي المدينة أيضا على مملكة الجنون أو كاف الجنون، وهذه المملكة الغريبة هي جبل صخري يبلغ ارتفاعه 700 متر، وجنون المقصود بها جن.
وحسب القصة المتداولة، تُسمع أصوات مرعبة من الجبل طوال الوقت من دون انقطاع وكأنها أصوات صراخ سكان مخفيين داخل الكهف.
ويُقال إن زعيم الجبل وملكه هو السبب، والأصوات هي أوامره التي يحكم بها مملكته، هذه القصة التي يتمسك بها الأهالي، لم تقنع الباحثين والعلماء، لكن هناك روايات طثيرة بشأنها يتداولها سكان المنطقة.
حيث يقال إن المكان مملكة كبيرة للجن، كما أن قصة المملكة حيرت الجميع، فما يبدو اليوم صحراء قاحلة لا توجد فيها أي حياة، كان غابات من أشجار متناهية الضخامة والكثافة تحجرت مع مرور الزمن وتحولت إلى جبل من هندسة معمارية تلفت الانتباه.
واهتم الباحثون لفترة طويلة جدا بقصة كهف الجنون وأسرت عقولهم وظلوا يتسائلون أين ذهب البشر والحيوانات الذين اتخذوا من الغابات التي كانت تغطي المنطقة في الزمن البعيد مسكنًا لهم؟ كيف تغيرت هذه المنطقة من غابات إلى صحراء قاحلة؟ والأهم ما حقيقة هذه الأصوات المريبة التي يمكن سماعها بوضوح؟
وحاول الباحثون تنظيم رحلات متعددة إلى الجبل لمعرفة تفاصيل هذه المنطقة، وكان أبرزهم جايمس ريتشاردسان، الذي توجه إلى جبل الجنون في عام 1845 لاستكشاف المنطقة، إلا أنه تعرض لأزمة صحية أثناء تسلقه قمة الجبل، الأمر تقريبا واجه المستكشف هانريش بارث، الذي ضل طريقه أثناء استكشاف الجبل، وكاد أن ينال منه الجوع والعطش، إلا أن الحظ حالفه ونجى.

منحوتات تعود إلى ما قبل 14 ألف عام

وفي غات سلسلة جبال آكاكوس الصخرية، وتعتبر من أبرز معالم ليبيا المهملة، وهي تقع في الجنوب الليبي وعلى بعد 1400 كم جنوب العاصمة طرابلس، وترتبط مع بلدة العوينات ومدينة غات، وتمتد من الجزائر غربا إلى شمال النيجر شرقا.
وصنفت آكاكوس من قبل منظمة التربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» عام 1985 ضمن قائمة مواقع التراث العالمي الخمسة في ليبيا (صبراتة – شحات – غدامس – لبدة) لتكون أحد 981 موقعا في العالم تعرف بقيمتها العالمية الاستثنائية، وتشتهر بآلاف اللوحات والمنحوتات التي تعود إلى ما قبل 14 ألف عام.
تاريخ هذه المرتفعات الصخرية التي تتكون في غالبيتها من صخور بركانية صماء شديدة الصلابة تتخلّلها كثبان رملية، يعود إلى ما قبل العصر الجرماني، كما تضم آكاكوس في تشكيلها الصخري آلاف الرسومات على جدرانها والتي تنقل للمواطنين المعاصرين لهذا الزمن ما عايشته الحضارة القديمة، وما طرأ على البلدة من تغييرات وتعديلات طالت الحيوان والنبات، بالإضافة إلى تقاليد وعادات الشعوب المتنوعة التي توالت على هذه المنطقة على مر العصور والأزمان.
منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» قالت في وقت سابق على موقعها الإلكتروني إن «آكاكوس تحتوي على بعض المناظر الأكثر استثنائية في العالم، وهي من العجائب الطبيعية الفريدة».
وفي آكاكوس مجموعة مختلفة من المناظر الطبيعية، من الرياح الرملية الملونة إلى الأقواس الصخرية والأحجار الضخمة إلى الوديان، ومن أبرز المواقع في المنطقة قوس «افازاجار» وقوس «تن خلجة» ورغم كون المنطقة من أشد المناطق القاحلة في الصحراء الكبرى إلا أن فيها بعض النباتات مثل «الكالوتروبيس».
وفيها أيضا سلسلة جبال تايسلي أو طاسيلي ناجّر، وتقع في الجزائر وبعض من هذه السلسلة الجبليّة في ليبيا، وفي هذه الجبال كهوف فيها العديد من الرسومات لثيران وزرافات وبعض الحيوانات البرّيّة الضخمة ما يدلّ على أنّ الصحراء الكبرى كانت غابة خضراء، والّذي أثار الجدل هو تلك الرّسومات الّتي تظهر كائنات ومخلوقات غريبة ترتدي أجهزة طيران وأجهزة أخرى مثل البزات الّتي يرتديها روّاد الفضاء، وأيضًا رسومات للمركبات الفضائيّة الّتي نراها الآن في أفلام الخيال العلمي، فبسبب هذه الرسومات أصبحت هذه المنطقة من أشّد مناطق العالم غموضا.

غات اليوم

كانت غات مقصدا لأفواج غفيرة من السياح الأجانب من أوروبا وآسيا والأمريكتين، وكانت هناك رحلة جوية أسبوعية بين غات ومدينة نيس في فرنسا عدا عن الأفواج السياحية التي تنزل من مطارات سبها وطرابلس وتقصد المدينة .
وكان الموسم السياحي يبدأ من شهر تشرين الأول/أكتوبر إلى شهر نيسان/إبريل وتستقبل مدينة غات أفواجا سياحية تعد بالآلاف في كل عام، ومن المؤكد أن وفود هذه الأعداد الكبيرة من السياح كان سينعكس اقتصاديا وينعش المدينة وأهلها خاصة الذين يعملون في مجال السياحة وغيرها من الأنشطة الاقتصادية الأخرى المكملة للخدمات السياحية، إلا أن الوضع الأمني حال دون ذلك.
وحسب مسؤولين فقد تعرضت عدة مواقع أثرية للتخريب والعبث خاصة بعد زيادة الإقبال على زيارة مثل هذه المواقع من قبل السياح المحليين خاصة تلك الرحلات غير المنظمة والعشوائية في ظل غياب الأجهزة الأمنية المختصة بحماية هذه الآثار، حيث يقوم عابث في لحظة من الزمن بتشويه قطعة أثرية عمرها آلاف السنين، علما أن موقع تادرارت آكاكوس يعد كواحد من أكبر المتاحف المفتوحة في العالم ومسجل كواحد من أهم مواقع التراث العالمي الخمس في ليبيا المعتمد لدى منظمة اليونيسكو التابع للأمم المتحدة.
وللأسف إلى غاية الآن تتعرض للتخريب والعبث لغياب الجهات المخولة بحماية الآثار وفي مقدمتها الشرطة السياحية التي أهملتها الدولة من حيث توفير الامكانات اللازمة للقيام بدورها على أكمل وجه .
وبخصوص انتهاك حقوق الصحراء والمعالم الأثرية في المدينة كما ذكرت صفحة البلدية، تعرض عدد من الرسومات التاريخية في المنطقة التي يصل عمرها إلى سبعة آلاف سنة قبل الميلاد إلى العبث والتخريب.
مناخ غات صحراوي حار وهو السائد في منطقة فزان، إذ تقع في قلب الصحراء الكبرى. ويتجاوز متوسط ​​درجات الحرارة المرتفعة 40 مئوية خلال الصيف لمدة 3 أشهر، حزيران/يونيو وتموز/يوليو وآب/أغسطس، وتظل متوسطات درجات الحرارة المرتفعة أعلى من 20 درجة مئوية خلال أبرد شهر في السنة. وأيام الشتاء دافئة جداً ومشمسة وجافة. ومتوسطات هطول الأمطار السنوية 8 ملم فقط (0.32 بوصة) ما يجعل الموقع أحد أكثر الأماكن جفافاً على وجه الأرض.
وتعلّق ليبيا آمالاً وطموحات كبيرة خلال المرحلة المقبلة على الدور المهم والحيوي الذي يمكن أن يلعبه قطاع السياحة في تنويع مصادر الدخل القومي من خلال وضع الخطط التي ترمي إلى تطوير المناطق السياحية، ولذلك تحولت الأنظار في الآونة الأخيرة إلى صناعة السياحة لتكون واحدة من أهم موارد الدخل القومي.

 

 

(القدس العربي)



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد