هـــي غــــزة .. !

mainThumb

03-11-2023 10:47 PM

وتأخذ الحرب شكلاً أكثر توحشاً حيث لا قيود ولا قفازات ولا قوانين ولا مؤسسات دولية، وبدت كأنها تنفلت إلى عصر ما قبل الحضارة، ماذا يعني أن تلقي الطائرات الإسرائيلية ست قنابل تزن بمجموعها ستة أطنان على حي صغير في جباليا المخيم الأكثر كثافة بالعالم لتقتل وتجرح حوالي 400 من سكان هذا المخيم.
ما هو المبرر؟ أن قيادياً في حركة حماس كان يتواجد هناك وإذا ما صدقنا تلك القصة رغم أن لا شيء يصدق في الحروب ولكن هل يساوى اغتيال مطلوب أربعمائة بريء وفي أي عرف أو قوانين هذا؟ وكيف لمجتمع دولي عبّأ ما يكفي من الورق في خزائنه للحديث حول حماية المدنيين وقت الحرب وحقوقهم التي يستنفر هذا العالم عندما يتعلق الأمر بجنس أو لون... هذا اكتشاف ليس جديداً ولكنه للحظة يدعو للإحباط من شعور يعتقد أن البشرية تتقدم متخلصة من نزعاتها التمييزية، ولكن الصدمة أنها مازالت عند قرونها الأولى.
يتحدث الإسرائيليون عن حرب طويلة وقد تمتد لأشهر ...! هل يعرف الجميع ماذا يعني ذلك؟ هل يمكن أن تتحمل غزة التي تحملت ما يكفي من الوجع أن يستمر هذا الضرب وهذا القتل وهذا الدمار لأسابيع؟ هذا يعني الحكم بالإعدام على هذه المنطقة على مرأى ومسمع مَن تتساقط قيمُهُ كما تتساقط الصواريخ على تلك البقعة الصغيرة والحزينة.
تأخذ الحرب شكلاً من المأساة ويأخذ من يستمر بها شكلاً ساخراً حين يكتشف تلعثمه ليلعب لعبة صغيرة باتت مكشوفة، تتنقل بين ضعفه المعنوي وقوته التسليحية التي لا تجد من الثقة ما يضبط توازنها بعد أحداث عاصفة، ليقول مساء الجمعة الماضية ليلة أن بدأت الدبابات بالتحرك أنه بدأ يقوم ببعض العمليات البرية المحدودة، ويزيد على ذلك مسرباً أن الإدارة الأميركية تطلب عدم توسيع الهجوم البري، ثم يعلن بعد ثلاثة أيام حين بدأت دباباته بالتقدم وبعد أن اطمأن للحركة أنه يقوم بهجوم بري واسع.
ماذا كان يعني ذلك؟ إنه يعني أزمة الثقة بالقدرة وبالجيش وبالخوف، معلناً عمليات محدودة وبطلب من البيت الأبيض، فإذا ما تعثر سيعود معلناً أنه لم يكن ينوي القيام بشيء موسع ..هكذا كان يقصد، ولأن إدارة بايدن قامت بالضغط عليه وإكراماً للإدارة سيتواضع في مهماته، ولكن إن نجح سيعلن توسع عملياته، وهذا ما حصل بعد ثلاثة أيام من الهجوم ..!
لكن اليوم الرابع للمعارك حمل أخباراً سيئة بمقتل ستة عشر جندياً وهو ما لم يكن يريد هذا بعد أن أعلن توسيع العمليات مطمئناً، لتضعه في المنتصف لا قادر على التراجع ولا التقدم، وإن لم يكن له خيار سوى الاستمرار الذي أعلنه وزير الدفاع غالانت في اليوم الخامس للحرب، ولكن ماذا لو استمرت الخسائر على هذه الوتيرة؟ أحدهم يقول علينا أن نتوقع 7 أكتوبر جديداً من ساحات المعارك، وقد لوحظ قدر من التغير في الخطاب في اليوم الخامس أي الأربعاء من خطاب الذي تطوي دباباته مساحات في غزة وخطاب التقدم على الخطاب الذي يتحدث عن الثمن وفداحته مقابل سمو الهدف.
ما هو الهدف؟ شيء له علاقة بالقوة وتكريس لعقل القوة، دون أن يدرك أن الأمر في غزة لا يرتبط بحركة حماس، فقد صعدت الحركة على روح غزة لكنها لم تصنعها، وهي روح الكتلة السكانية اللاجئة التي لا تملك خيارات سوى خيار العودة، فظلت تشاكس وتعاند وامتهنت صناعة الفصائل والتنظيمات والثورات والحروب، وتعاند بأسنانها وتتحدى الرياح بصدرها العاري، وتحاول كتابة تاريخها الحالم رغم الكوابيس التي تحيط بها من كل اتجاه ورافقتها كظلها على امتداد الزمن، تبكي وتمسح دموعها، تسقط وتعود واقفة، تبدأ من جديد قبل أن يتنكر لها الأصدقاء وذوو القربى ويضربها الأعداء بلا رحمة.
هي كذلك، إنها غزة التي لا تكف عن صناعة تاريخها وتاريخ المنطقة رغم صغر مساحتها وبؤس يومياتها وفائض الدم الذي يسيل بلا حساب. لكنها حين تتحرك تحرك العالم وحاملات طائراته ومؤسساته الدولية، وتحبس العالم على وقع حركتها، ولعقود طويلة تكتب بالدم حاضرها كما ماضيها ومستقبلها دون أن تعرف أين سترسو سفينتها المتلاطمة والممزقة، ودون أن تسأل عن الثمن .... وتمضي.
كم يحتاج التاريخ أكثر كي يشبع من دم أبنائها؟ وإلى متى ستستمر اسرائيل في شن الحروب؟ فالامر لا يتعلق بحماس التي جاءت في العقد ونصف الأخيرين، فرابين كان قد تمنى أن يبتلع البحر غزة قبل أن تأتي حركة حماس، فإسرائيل تكرهها وتضربها بقوة، تريد التخلص منها لكنها تمسك بعنق إسرائيل بشدة ولا تسمح بان تفلتها إلا بالحقوق الوطنية كافة، وتلك مأساتها ومعجزتها، وهو ما يثير الدهشة في منطقة ليس لها مقومات للصمود لكن لديها من الإرادة ما يمكّنها من البقاء، لم يبتلعها البحر لكنها فجأة تخرج من العدم وتزيح كل ملفات الكون لتتربع فارضةً نفسها بقوة على العالم... هي غزة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد