في إسرائيل .. الأشياء تحدث للمرة الأولى

mainThumb

16-01-2024 10:22 PM

لم يكن هذا هو السيناريو المفضل، بالنسبة لدولة «الأبارتايد» ومملكة «نتنياهو الآمنة»، لم تحدث الأمور كما هو مؤمل، المشكلة الحقيقية تكمن في تعثر الجيش الذي لم ينجز المهمة، حيث يواصل رئيس الأركان «هيرتسي هليفي»، منذ ثلاثة أشهر، تكرار جملة «الحرب هنا معقدة جدا».
كان من المفترض أن يستغرق الأمر، كما جرت العادة، أسابيع قليلة، طلعات كثيفة وقاسية من سلاح الجو، اغتيال القادة وتفكيك القيادات الوسيطة ومفاصل العمل، عزل القاعدة عن القيادة، والأهم تدمير الحاضنة المجتمعية والبنى التحتية وتوفير بيئة مثالية للعذاب واليأس، ثم وساطة عربية تستكمل حلقات الضغط، هذا تقريبا ما كانت تفعله إسرائيل في معظم حروبها مع المنطقة، كانت وصفة سريعة وفعالة للنصر، يحدث كل شيء خارج البيت، حيث تتناول العائلة عشاءها بهدوء قبل أن تنتقل إلى الصالة لمتابعة إنجازات سلاح الجو وقوات النخبة، والإصغاء إلى المحللين في استوديوهات الفضائيات.
منذ عقود، تحارب إسرائيل بوحدات معينة من النخبة تطلق عليها أسماء وتنسب إليها أفعالا خارقة، مجموعات مدربة جيدا ومسلحة بشكل فائق ومتخصصة، عشرة آلاف، أكثر أو أقل، تنتصر قبل أن تصل إلى ساحة المواجهة، تداهم البيوت وتتسلل إلى الأحياء وتغتال في عمليات استعراضية الهدف منها تحقيق الردع، يسبقها في الحملات الكبيرة سلاح الجو ويتبعها «الموساد»، بينما الجيش والاحتياط والمستوطنون ورجال السياسة وقادة الأحزاب والقضاة والدولة يواصلون حياتهم، وعجلة الاقتصاد تواصل دورانها.
أكثر من ثلاثة أشهر وعشرة أيام طويلة استغرقتها الحرب على غزة، سمحت بتسرب أشياء كثيرة، أعداد القتلى والمصابين من الجيش عبر المستشفيات وحرس المقابر والصحافيين الذين لم يجر ترويضهم بشكل كامل، وعائلات الأسرى ووحدة تأهيل الجنود المعاقين...بحيث بقي الناطق باسم الجيش دانيال هغاري وحيدا مع أرقامه المدروسة حسب سياسة لم تعد تعمل، أعداد النازحين من مستوطنات الشمال نحو طبريا ومناطق الوسط، والنازحين من مستوطنات الجنوب وغلاف غزة نحو إيلات ومناطق الوسط أيضا، وتذمرهم المستمر من كل شيء؛ الجيش والحكومة والوضع الاقتصادي.
الأشياء تحدث للمرة الأولى
كل شيء يحدث خارج الروتين، لعل هذا ما يفسر الارتباك ويشرح الفوضى.
قراءة المشهد تبدو في متناول الجميع، لم يعد هناك ضرورة للمحللين.
وحدات النخبة تعود من الجبهة مصابة بقوة، والجيش بجسده الهائل وعشرات آلاف جنود الاحتياط يتعثرون بين الأنقاض والبلدات التي حرثها سلاح الجو في مدن ومخيمات وبلدات قطاع غزة، والاستنزاف الطويل في الشمال.
لم يأت الجيش بالنصر ولا يبدو أنه قادر على ذلك.
شوارع العالم، بما فيها مناطق بدت مأمونة حتى عشية السابع من أكتوبر، تمتلئ بالأعلام الفلسطينية، وثمة من يستعيد شعار «من النهر إلى البحر» بحمولاته التي تتراكم منذ «النكبة».
انعقاد محكمة العدل وتفكك مقعد الضحية الذي خدم القاتل أكثر من سبعة عقود، الدعوات للقتل التي كانت تصنع أمجاد السياسيين والجنرالات تتحول إلى أدلة اتهام.
التظاهرات في «الداخل» على أنواعها وشعاراتها، اتهام الحكومة ومجلس الحرب بالفشل والدعوات بالمحاسبة وكل ما يؤثث «اليوم التالي».
لم يعد ممكنا استعادة الزمن القديم، وعلى دولة الاحتلال أن تستبدل أدواتها لتتمكن من المشي في هذا الانقلاب.
الشيء الوحيد الذي بقي من ذلك الزمن هو «الانقسام» بين النخب السياسية الفلسطينية.
الحافة الوحيدة التي يمكن أن يتعلق فيها الاحتلال، ويتدبر أمر الخروج من الرمال المتحركة التي وجد روايته فيها.

 

(الأيام الفلسطينية)



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد