مقابلة كارلسون مع بوتين

mainThumb

09-02-2024 01:38 PM

حوار الرئيس بوتين مع المذيع الأميركي تاكر كارلسون يثير غيرة أي إعلامي. أول حوار مهم للرئيس الروسي منذ قراره غزو أوكرانيا. الذين قالوا إنه يجب عليه ألا يلتقيه ويمنحه مساحة للحديث والتواصل مع الشعب الأميركي مباشرة، يقولون ذلك من باب المكايدة، أو أنهم لا يفهمون معنى المهنة الصحافية. الصحافيون دورهم أن يزيحوا عواطفهم وأهواءهم النفسية والفكرية، ويلتقوا حتى مع الشخصيات التي لا يتفقون معها أو يبغضونها. من هم خارج الإعلام يعتقدون أن دور الإعلام أن يلتقي أشخاصاً ينسجم أو يتفق معهم، ولكن مذهب الصحافيين مختلف، وعقيدتهم الرئيسية هي السبق الصحافي قبل أي شيء آخر. ولو عاد هتلر للحياة سيتسابق الصحافيون الحقيقيون لإجراء مقابلة معه رغم كل الرزايا والآثام التي ارتكبها.

تاكر كارلسون يقوم بعمل الشيء الصحيح إعلامياً، ولكن الخلاف معه ومع راعيه إيلون ماسك هو خلاف سياسي أكثر، وهو خلاف قديم متجدد بين الانعزاليين والدوليين، بين الذين يرون لأميركا دوراً أكبر في العالم، وطائفة ترى أن عليها العودة وسحب ذيولها خلف المحيطات والبقاء هناك. كارلسون وماسك من قادة الانعزاليين وأشهرهم، بسبب أصواتهما العالية في منصة «إكس». وبايدن ومؤيدوه يرون أن هناك دوراً لواشنطن في حماية النظام العالمي الليبرالي من الأعداء الذين يريدون تحطيمه مثل بوتين.

ولهذا السبب يهاجم كارلسون الرئيس الأوكراني زيلينسكي ويتهمه بسرقة أموال الأميركيين وابتزازهم دفاعاً عن دولة لا يعرفون أين تقع على الخريطة، ولا يفهمون خلفيات الصراع التاريخية. وللسبب ذاته أيضاً يشن حملة على بايدن بتهمة توريط بلاده في حرب لا طائل منها. هذا هو أصل الخلاف الآيديولوجي بين الطرفين. ولهذا يناصر كارلسون ترمب ويدعمه في الانتخابات القادمة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، لأن ترمب يقول إنه سينهي الحرب خلال 24 ساعة (طبعاً لن يحدث، ولكنها المبالغات الترمبية المعتادة).

وفي الواقع فإن ترمب في ولايته الأولى كان انعزالياً في اللسان وليس على أرض الواقع. خلال ولايته الأولى هدد بالانسحاب من أفغانستان ولكنه لم يفعلها، وفعلها في الواقع بايدن. انتقد تحالف الناتو ولكنه بقي فيه. تحدث مراراً عن الخروج من سوريا خصوصاً بعد مكالمته مع إردوغان ولكن جنرالات البنتاغون أرغموه على البقاء. ورغم الضجيج في خطاباته فإنه وطد علاقات واشنطن بالحلفاء في الشرق الأوسط ولم يغادره. ولكنّ ترمب مستفيد من الدعاية التي يقوم بها له كارلسون وماسك، وهي دعاية شعبوية تنسجم مع المزاج الأميركي الشعبي الذي يكسبه من يردد نغمة توفير المال والتنازل عن دور شرطي العالم والعودة للديار.

تاريخياً، النزعة الانعزالية في أميركا قوية منذ تأسيسها. السبب أنها بلد مزدهر يقع خلف المحيطات وبعيد عن مشكلات العالم القديم (أوروبا المكتظة بالقوميات والطوائف والآيديولوجيات)، ومحاط بجارين ضعيفين... كندا والمكسيك. قادة أميركا كانوا ينظرون لأوروبا كما ينظرون الآن للشرق الأوسط، ولا يريدون الانزلاق في مشكلاته التي لا تنتهي. ولهذا دخلت مجبرة ومتأخرة في الحرب العالمية الأولى، وكذلك مجبرة في الحرب العالمية الثانية بعد هجوم بيرل هاربر. ومن ذلك الحين شكلت العالم على صورتها الليبرالية، وساهمت بتشكيل المؤسسات الدولية السياسية والمالية، ونشرت قواعدها حول العالم (800 قاعدة عسكرية حول العالم)، وتلعب الدور الأكبر في حماية الممرات المائية (الضربات على الحوثيين لهذا السبب). ولكن هذا لا يعجب بوتين، ولا يعجب كارلسون وماسك، ولكلٍّ أسبابه المختلفة، ولكنهم اتفقوا الآن على الفكرة، ولهذا السبب وافق الرئيس الروسي على الالتقاء به وليس غيره، ولذلك يطالب كارهو كارلسون بصلبه، وينعتونه بالخائن سياسياً. أما صحافياً، فقد قام بما نريد كلنا القيام به.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد

نجاح أول عمليات كي لتسارع ضربات القلب لدى أطفال بمستشفى الأمير حمزة

نجاح عملية نوعية لطفل يعاني من تشوّه خلقي نادر بمستشفيات البشير

اتفاق لتسديد مستحقات الضمان الاجتماعي المترتبة على البلديات

إكس تحذر: خطوة يجب القيام بها لتجنّب فقدان الحساب

الأمير عمر بن فيصل يرعى إطلاق أول سباق للطائرات المسيرة

عشرات الشهداء في قطاع غزة جراء تجدد العدوان الإسرائيلي

انتخابات عامة تشمل الرئاسة والبرلمان والمجالس المحلية في تنزانيا

الأمن العام يحذر المقيمين من مخالفات السكن .. تفاصيل

فيها إيه يعني يتصدر شباك التذاكر السعودي

هل يستحوذ لامين يامال على قصر شاكيرا

وزارة الأشغال: 80 كم/س السرعة القصوى لطريق الحرانة–العمري

الأردن يشارك بفعاليات مجلس الشباب العربي للتنمية المتكاملة بالقاهرة

بنزيمة: أظهرنا رغبتنا في الفوز على النصر من البداية

Bubble tea .. مشروب عصري يخفي مخاطر صحية خطيرة

الهولنديون يدلون بأصواتهم في انتخابات برلمانية مبكرة