قضم اسرائيل والهروب نحو غزة

mainThumb

19-08-2024 12:36 PM

تجاذبت التكهنات اطراف الاستفهام حول اعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس امام البرلمان التركي نيته التوجه الى قطاع غزة مطالبا تامين وصوله اليه بين من يرى في هذا الاعلان محاولة من عباس للتذكير بوجوده في موقع المسؤلية عن مساحة رئيسية في الشأن الفلسطيني وبين من يرى في اعلانه هذا ترديدا لعبارات طلب منه ترديدها من قبل كل من تركيا وروسيا على اعتبار استحكام النفوذ الامريكي لضبط ايقاع الحركة في منطقة الصراع الفلسطيني ومحاولة هاتين الدولتين ايجاد موطيء قدم لكل منها في مواجهة المدّ الامريكي .
المناورة باداة فلسطينية على اساس مختلف عن فكرة المقاومة والتمحور حول طرق تقليدية تفرض على تركيا وروسيا تحالفات لا تحتاجها او ربما توقع كل طرف منها في حرج او ترتب عليه التزامات هو في غنى عنها قد تتعارض مع فكرة العلاقات بين هاتين الدولتين وفي الساحة السورية التي يبدو الوفاق فيها على السطح الذي يغطي قاع التنافر والاختلاف ، وهو على اية حال ليس حديثنا الان نحيل شرحه الى موضع اخر.
لم يعد الرئيس عباس يفكر بهدوء كما كان في السابق ، لم تعد حادثة اغتيال اسماعيل هنية تمنحه مساحة للمناورة ، بل قللت من مساحته التي يمتلكها اصلا ، تعيين السنوار الذي كان بمثابة تشكيل جديد لحركة جديدة وفقا لما نعقد الغى فكرة الكيان السياسي لحركة حماس التي كان يمكن لعباس ضمها الى فريقه بطريقة او بأخرى ولو بتفاهمات تحمل جانبا من التنازلات يمكن معها بقاء شيء من فكرة البحث عن دولة فلسطينية تمكن عباس على الاقل من اتمام سنوات عمره في موقعه .
اضف الى ذلك انتهاء وزن حماس العسكري في غزة وما تبعه من استغناء الاطراف الداعمة عن المراهنة على مقدرتها والتوجه باتجاه التعامل مع عنصر المعادلة الاقوى ولو بطريقة الإقرار بالواقع ؛ كان من احد مظاهره التعامل مع حركة حماس بلهجة المخطيء الذي تمادى في استنفاذ فرص الركون من جهته والتسامح من جهة داعميه .
فوق هذا وذاك ينبغي الاخذ بعين الاعتبار اصرار اسرائيل على عدم سحب قواتها من غزة واكمالها حربها من جهة ، والتوغل اكثر فأكثر في اثارة قلق منطقة الضفة الغربية التي يحكمها عباس وهو يسير فوق حقل الغام الاستيطان وفروع المقاومة ، واحلام اليمين الاسرائيلي بالتهجير والوطن البديل ، والتي تتخذ من مشروع سموتريتش وجها من عدة وجوه تمكن اسرائيل من قضم مساحة الحكم الفلسطيني سواء في الضفة او في قطاع غزة .
توازي اسرائيل بين قدرتها على قضم المساحة الفلسطينية وقدرتها على ضرب اعدائها وبالذات حزب الله بذات الوسيلة ؛ ألا وهي : القضم ؛ فهي لا تستطيع المغامرة بفتح جبهة ثانية لها مع حزب الله مباشرة وبالتالي فهي تعتمد اسلوب الاغتيالات كوسيلة لقضم قوة عدوها قبل التورط معه وهي بهذا تضرب مجموعة من العصافير بحجر واحد اهمها - بعد قضم قوة عدوها – استفزازه لبيان قدرته التي لا تعرفها اسرائيل ، في مقابل تعامل حزب الله بوعي حذر مع هذه السياسة وفقا لفكرة " ياواش ياواش" التي عبر عنها امينه العام .
حين ادرك الرئيس عباس حقيقة من هذا النوع اعتقد ان في ذهابه الى قطاع غزة فرصة مواتية لضم القطاع الى حكمه ؛ سيما بعد تحول حماس من مؤسسة سياسية – بغض النظر عن طبيعتا وتصنيفها – الى مجموعة من المقاتلين بفعل مقتل اسماعيل هنية ، تخلص عباس بهذا الوضع من فرضية سابقة كانت تفرض عليه في حال التوصل الى ترتيب سياسي في البيت الفلسطيني اعتبار حماس حزب سياسي ومكون من مكونات الحكم بهذا الوصف بعد نزع السلاح منها يزاحمه هو وحركة فتح قيادة الشأن الفلسطيني.
فكرة الرئيس عباس هذه سواء اكانت مدعومة مباشرة من روسيا وتركيا او مستفيدة من حالة تزاحم النفوذ بين هاتين الدولتين والولايات المتحدة ليست قابلة للتطبيق ولن تفلح في مغزاها . اعتبارات عدّة تقف في هذا الطريق ، اولها : فكرة التوافق او العلاقة مطلقا بين تركيا وروسيا ليس بسيطة الفهم الى هذا الحد ، وثانيها : ان ميدان الصراع الفلسطيني ليس طيّعا بيد اي من هاتين الدولتين ، اننا نعتقد ان الساحة الفاعلة لتجاذب العلاقات بينهما هي سوريا ولا تاثير لنفوذ اي منهما على الساحة الفلسطينية إلا بقدر التاثير في النفوذ الايراني الذي تراجع كثيرا بفعل عدم جدوى الاعتماد على حماس كذراع ضارب لها في وجه الولايات المتحدة باعتبار اسرائيل ميدانها في المنطقة.
لقد سيطر النفوذ الامريكي على تشكيل احلام القضية الفلسطينية وسيحكم قبضته اكثر في حال وصول ترامب الى كرسي الرئاسة ؛ ترامب توعد قبل وصوله بان عقاب حماس سيكون قاسيا وان على نتنياهو ان ينهي حربه ، في اشارة تلى ضرورة قضائه على حماس قبل ذلك ، يكمل مشوار التهديد هذا طريقه بما تناقلته وسائل الإعلام على لسان ترامب من ان مساحة اسرائيل صغيرة انه يفكر كيف يمكن توسيعها. .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد