إيران وسوريا (تقسيم + واحد)

mainThumb

24-08-2024 06:27 PM

 

في سياق متصل بمحاوله النظام السوري الموازنة بين صعوده في تطبيع العلاقات العربيه معه وما يحتمه هذا التطبيع من هبوط في مستوى العلاقه مع ايران ، و بين مدّ تكهنات بعض جهات المعارضه السورية وجزر تقارير اعلاميه يوصف بعضها بصديقة النظام السوري وبعضها بالمعارض له ؛ في حين يوصف بعضها الاخر بالمعادي له ؛ حول سبب غياب راس النظام الملحوظ في الاونة الاخيرة عن ظهوره المعتاد الى الحد الذي حمل البعض على القول انه يخضع للاقامة الجبرية في موسكو .
لن نذهب الى حد البساطة المدفوعة بمشاعر كان لتشكلها ظروفا قاسية ؛ غير اننا لا نخفي ملاحظتنا التي تحتمها تقديراتنا بتغييرات المنطقة والساحة السورية بالذات التي تشكل – فيما نعتقد – محور التغيّرات الأهم ، ملاحظتنا التي تقضي بتخلخل ما في جدار علاقة المصالح التي شكلت سدا في وجه القوى التي ترى في اسقاط نظام الاسد حاجة ملحّة لاعتبارات عدّة .
تخلخل العلاقات هذا لم تفرضه حالة تغير المشاعر عند حلفاء الاسد او الاسد ذاته ، السياسة لا تعرف هذا النوع من العواطف ، انها المصالح التي بدلتها الايام ، انتجتها حالة الواقع الراهن التي صنعت تعارضا في مصالح حلف الاسد ، هذه التناقضات بين المصالح لم تولدها احداث غزة فقط .
صحيح ان حرب غزة فرضت حالة محيرة في ذهن صاحب القرار السوري ، هذه الحيرة التي تحسب حساب ضرورة التدخل السوري في هذه الحرب مباشرة من خلال جبهة الجولان والتي كانت في اول قائمة حسابات اسرائيل التي سارعت بارسال تهديداتها الجدية في حال حدوث تدخل من هذا النوع ، لكنها في ذات الوقت حملت النظام السوري اكثر من طاقته حين اثقلت عليه عبء منع القوى المدعومة من ايران من استخدام هذه الجبهة .
لم يدر في عقلية صانع القرار الاسرائيلي ان خشبة الاسناد هذه سوف تكسر ان توالت عليها الاحمال ، بقي امر جبهة الجولان شبه مستفقر طوال اشهر عدة الى ان احتاجت اسرائيل الى تعزيز حماية هذه الجبهة ضد تهديد جدي برد ايراني علة مقتل اسماعيل هنية ؛ اوقع النظام السوري في مكبس ضغط عالي الاوزان تطلب منه اسقاط أعذاره امام ايران التي حاول بطريقة او باخرى ابعادها عن هذه الجبهة لفترة .
يبدو ان النظام السوري وجد مخرجا تقليديا مفاده ارسال اسارة الى ايران يتذرع فيها بأوضاعه السياسية والامنية والاقتصادية بغية عدم مشاركته باي رد ايراني على اسرائيل ؛ علّه يحفظ ماء وجهه الذي اتعبه حفظه حين تسرب او سُرّب تقرير يتضمن اتهام رئيس اركان الجيش بمحاولة التواصل مع ايران بعيدا عن مرجعياته الرسمية ؛ في خطوة تغازل او تلطف من صعوبة موقف النظام ازاء عدم قدرته على تحجيم اعتماده على ايران والمليشيا التابعة لها .
ايران ليست ساذجة الى حد ترك اي فريق او طرف يرتاح في مناورات الميدان ، ايران تتفوق على محور الولايات المتحدة وحلفائها في اجارة المكر والدهاء ، وهي لا تصرف من جيبها وتضارب على حساب غيرها ؛ هذا ما يجعلها لا تترك احدا بلا عقاب بل وتدقّ في موازين عقابها اذا ما كان المخطيء حليفا حتى ولو كان يعتقد هذا الحليف بحسن نية افعاله .
ازداد احمرار هذه الملاحظة الايرانية منذ محاولة الولايات المتحدة سحب بساط حلف ايران من تحت اقدامها من خلال بوابة التطبيع العربية مع الاسد التي انساق الاسد ذاته خلفها دون ان يعلم بخطورة عواقبها وبدأ بمحاولة امساك العصا من المنتصف التى رأى فيها حلفاؤه واعداؤه على السواء عصا تهديد ؛ استدعت رفع درجة التحذير ازاء التعامل معه .
لن تنتظر ايران كثيرا حتى تبدأ اجراءاتها التأديبية بحق الحليف ؛ يستدعي هذا خلطا لأوراق اللعب على ساحة الصراع الداخلي تقتضي السماح بانقسام التكتلات التقليدية للازمة السورية والذهاب نحو خسارة المركز لثقله لصالح تقوية اطراف النزاع السوري التي ستبدأ ـ على وقع هذه الاهتزازت المدعومة من حليف غاضب ـ فور اعطاء اشارة انطلاق سحب غطاء الرضا عن الحليف لصالح تثبث تكتلات معينة باستقلالها عن مركزها ما يعني ظهور كيانات غير تقليدية .
قد لا يكون لون التقسيم جديدا ـ مع تاكيد كل الاطراف على مدار سنوات الازمة على وحدة سوريا ـ لكنّ الحقيقة التي نراها تكشف ذلك ، بل اننا نؤكد فوق ذلك حتمية ولادة دولة واحد جديدة ـ لا نقصد احد اجزاء التقسيم ـ بل دولة بشكل جديد مغاير ؛ لا ينتمي الى اي جزء من اجزاء اطياف النزاع السوري .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد