الغدر في عمق البحر: حين يغرق الأبناء في اختيار الآباء
كانت حياتنا مثل باخرةٍ كبيرةٍ ولا ماء تحتها، تهبُّ عليها الرياح من كلِّ جانبٍ،شراعها غَضَبْ، وأمواجها تعنيفٌ وضَرْبْ، يقتربُ الخوف منَّا كل يوم عن كَثب، وصافرة النِّهاية تعلنُ عن خاتمةٍ لحياةٍ شبيهةٌ بالموت.
كان بيتنا جدرانه متصدّعةٌ من الصراخ، وأرضيّته ترتعشُ تحت وطأةِ الخلافات، أبي وأمي كانا مثل غيمتين تتصادمان في السماء، فلا ينزلُ المطر، بل صواعق الفزع،
كان كلُّ شيءٍ فيه صاخبًا، حتى صمتهِ.
كنتُ أختبئ خلف البابِ أحيانًا، وأتركُ فُتحةً صغيرةً؛ لأراقبَ منها تطورات المعركة ، معركةٌ، و للأسفِ كانَ أطرافها أكثر شخصين كانَ ينبغي لهما أن يحرصوا على تمكينِ هذا العُشِِّ، لا أن يهدموه بالتخريبِ والبطشِ، لا جاهٍ سليلٍ يمكنهُ أن يشفعَ للتعبِ، و لا التزوير ولا الغِشِّ، ولا حُمرةِ خدٍّ ولا بدلة أنيقة، و لا قرارٍ قد يَكسرُ أجيالًا، ويُصلَحُ في كأسِ قهوةٍ مرٍّ وترشِّي.
ثم جاء ذلك اليوم، حينما حملتِ حقائب القهر، وتركتنا في بيتٍ باردٍ مليء بصدى الشجارِ، ناشدتُك حينها وبكيتُ؛ لأنني لمحتُ وقتها في عينيكِ مرارة الصبر، و شقاوة البقاء،و عاتبتُك في ضميري: لماذا لم تُغادري مبكرًا؟
لماذا الآن تحزمين الموقف؟
إنتظري قليلًا يأ امي، فدموعي انا ومحمد عما قليل ستنشفْ...
وذات مرةٍ، ناداني والدي وقال: " غلا، أحضري محمد وتعالي ، سأخذكم إلى مشوار.."
كانت الكلمات تخرج من فمه بهدوءٍ، لكن في داخلي كانت أصداؤها تحمل بشائر أمل، كنتُ أظنُّ أننا ذاهبون لمصالحتكِ يا أمي، أو ربما سنذهب لشراء قرطاسية الفصل الجديد، ويبدأ عهدنا مع الفرحِ.
وقفتُ أمام مرآة الطفولة، وهندمتُ شعري، وارتديتُ لباسًا ثقيلًا، كما لو أنني أستعد لرحلةٍ إلى عالمٍ آخر، عالم بعيد عن الألم، حملت محمد بين ذراعيّ الواهنة، حيث كان قلبي ينبض بشدةٍ وأنا أفكر أن "شيئًا جميلًا سيحدث".
وصلنا إلى النهر، وظننت أننا هناك لنلتقط صورةً مع الأمان ، لكن النهر كان هائجًا، كما لو كان يبتلعُ كل غضب أبي،أدركتُ حينها أن الذي كنتُ أظنه الحامي، قد غدر بي، وألقى في قلبينا سم الانتقام. كأنَّه لا يرى فينا إلا رسالة انتقام يريد أن يغرسها بمنتصفِ قلبك يا أمي.
رفعني يا أمي، رفعني وكأنني قشة في بحرٍ عاصفٍ، ثم ألقى بي في الماءِ، ومابين لحظة الادراك ولحظة السقوط، كان الموت يُغني لي تهويدتك، بصوتٍ حزينٍ:
"يلا تنام يلا تنام لادبحله طير الحمام..." الموتُ يغني، والبحر يعزفُ ألحان الوداع الأخير.
رأيتُ محمد يُلقى بعدي، صوته الصغير يختفي في موجةٍ عاتيةٍ، صرخاتهِ أيقظت سُبات البحرِ، حتى لو كانَ للبحرِ لسانًا، لأقسمَ على وحشيةِ المشهدِ،لصرخَ في وجهكَ مستنكرًا من أبوّتكَ! ،مُستحقرًا لخيانتكَ لمَنْ هم من صُلبك! مُتسائلًا عن غيابِ معاني الرَّحمة والشفقة في قلبكَ! البحر شهِد على جريمتك يا أبي، وربّ البحر لن يعفو عنك مهما انتهشتكَ أنياب الذكريات، و سيّلت دماعكَ أطيافنا وهي تلعبُ في الدَّار، لن ترحمكَ نفسك يا أبي، فقد غلَبك غُراب بني آدم ، أمَّا أنت فهزمتكَ إنسانيَّتك.
مدّ لي الموت ذراعيهِ،و تذكرتُ قبل أن أُغمرَ في حضرتهِ، كلماتكِ يا أمي حينما كنتِ تمشطين لي شعري: "غلا، غدًا ستكبرين وتُصبحين نجمة." كنتُ أضحك وأقول: "لكن يا أمي النجوم بعيدة جدًا." لم أفهم وقتها أنكِ كنتِ تُحاولين أن ترفعي بي عن هذا الطين الذي سقطنا فيه، أن تُضيئي لي طريقًا وسط ظلامٍ كثيف،وأنكِ كنتِ تخبئين عني حقيقة هذا العالم الموحش الذي يحكمهُ الغدر.
الآن، أنا ومحمد هنا، في عمق السيلِ. لم يعد البرد يؤلمني، ولم يعد الماء يُخيفني. لكنني أريدكِ يا أمي أن تحكي قصتي.
قولي للنساء إنَّ الاختيار ليس رفاهية. قولي لهنَّ إنَّ الأطفال يدفعون ثمن أخطاء الكبار. قولي لهنَّ إنَّ الرجل الذي لا يحمي أبناءه لا يستحقُّ أن يكون أبًا، وإنَّ المرأة التي تهربُ دون أن تحمل أطفالها معها تتركهم للهاوية، وأن البيت الذي لا يقومُ على الرحمةِ تنهارُ جدرانهِ، والأب الذي يصفقُ الأبواب، سيأتي يومًا يُصفق فيها أي شيء حتى ولو كان "أرواح أطفالهِ".
أخبري النساء أن يتخلين حينما تُهدر الكرامة، وتغدو العِشرة لقمة عسيرة البلع، أخبريهن أن الرحيل باكرًا قوّة، و البقاء في قلبِ النارِ ليست "شطارة".
أنا ومحمد الآن أقربُ إلى السماء،و أعلمُ أن قلبكِ لا يزالُ ينزفُ حبًّا، لكن الحبَّ وحده لا يكفي، أريدكِ أن تتذكري شيئًا واحدًا: نحن لسنا مجرد ذكرى تُطوى مع الزمنِ، أو حدثٍ مأساوي على قائمة الأخبار اليوميَّة ، من أعماقِ البحرِ نكتبُ عن نبوءةِ الإختيار السليم، نساءًا ورجالًا، وأن الاختيار مسؤولية، ومسؤولية الأخطاء لا تسقط بمجردِ مُغادرة الغرفة .
إقرأ المزيد :
لقاء يبحث احتياجات مواطنين وأصحاب أعمال في العقبة
مدير الأمن العام يلتقي وزير العدل لبحث تعزيز التعاون المشترك
الصفدي: سوريا يجب أن تنجح والفشل ليس خيارا
وزير الزراعة يتفقد مديرية وادي السير
المبعوث الأميركي: الأردن شريك محوري في جهود السلام بالسويداء
التعليم النيابية تزور جامعة الشرق الأوسط
مشاريع تعبيد طرق في جرش لتحسين البنية التحتية
مواجهتان في نصف نهائي كأس الأردن لكرة الطائرة الأربعاء
وزير الخارجية: الأردن يقف بالمطلق مع سوريا في جهود إعادة البناء
لجنة أمانة عمّان تمدد قرار تصويب مخالفات الارتدادات واللافتات
زراعة الأعيان تطلع على عمل مؤسسة الإقراض الزراعي
اطلاق ملتقى مسارات الإبداع في وادي الأردن
وزيرة التنمية الاجتماعية تلتقي نقيب الصحفيين ولجنة المرأة
تعديل ساعات عمل جسر الملك حسين الشهر الحالي والقادم
أسرار حجز تذاكر طيران بأسعار مخفضة
عمل إربد تعلن عن وظائف وإجراء مقابلات بشركة اتصال
سعر الذهب عيار 21 في الأردن اليوم
الصفدي يلتقي وزير خارجية كرواتيا في عمّان اليوم
نصائح لقبول تأشيرة شنغن بدون عقبات
مرحلة جديدة تدشّنها إسرائيل… عنوانها العربدة
دراسة تكشف ديناميكيات الانقلابات العسكرية في إفريقيا
قيادات حماس التي استهدفتها إسرائيل في الدوحة .. أسماء
العياصرة: التوسع الاستيطاني يعبر عن حالة التوحش في إسرائيل
الصحة النيابية تطلع على الخدمات بمستشفيي الإيمان
جامعة اليرموك تحصد المركز الأول في مسابقة أكاديمية حكيم
اتفاقية بحثية بين البلقاء التطبيقية وماليزيا كلانتان .. صور