سواعد تصنع مجد الوطن بصمت

mainThumb

04-05-2025 01:16 AM

في زوايا المدن ودهاليز الحارات، حيث تمر بنا الحياة ولا نكترث كثيرا لما حولنا، هناك من يمضي عمره في صمت كي تبقى شوارعنا نظيفة ووجوه مدننا مضيئة. إنهم عمال الوطن، أولئك الجنود المجهولون الذين لا تصحبهم أضواء الشهرة ولا تسلط عليهم عدسات الكاميرات، لكنهم يملكون من الكرامة والرجولة ما يجعلهم هامات عالية في سماء الوطن.
هؤلاء النشامى لا يعرفون رفاهية المكاتب ولا دفء الكراسي الوثيرة، بل يولد يومهم مع أول خيط للشمس، يتوشحون بلباسهم الأخضر كأنهم شعلات مضيئة تمضي في طرقات الحياة، يزرعون الجمال في كل زاوية ويمسحون عن الأرصفة غبار التعب. جبلت أياديهم بعرق الصباحات الباكرة، وخطت قصصهم على جبين الوطن بحروف من صبر وكد وتضحية.
تراهم في عز الشتاء والبرد يلسع وجوههم كما يلسع الحديد، يمضون بثبات كأن المطر لا يمسهم وكأن الريح لا تعرف طريقها إليهم. وفي قيظ الصيف، حين تنكمش الأرواح من شدة الحر، يقفون تحت الشمس كأشجار صامدة لا يتزحزحون عن مواقعهم، يعملون بصمت كمن أقسم ألا يغادر مكانه إلا وقد أتم رسالته.
وفي يومهم، عيد العمال، لا يكفي أن نهديهم كلمات ولا أن نكتب لهم سطورا من الشكر، لأن ما يقومون به يتجاوز طاقة الحروف ويعلو على سقف الثناء. نكرمهم لأنهم يستحقون، نذكرهم لأنهم لا ينسون، ونحني لهم رؤوسنا احتراما لأنهم اختاروا أن يكونوا جنود الميدان في معركة الحياة اليومية.
هم ليسوا مجرد عمال نظافة، بل هم حراس الجمال وصناع الرقي وأصحاب الأيادي البيضاء التي لا ترى، لكن أثرها يبقى حاضرا في كل شارع نظيف وفي كل رصيف يليق بالمارة. هم الذين يعلموننا أن الكرامة لا تحتاج إلى لقب، وأن الشرف لا يقاس بالمناصب، بل بالعمل والإخلاص.
فلنرفع لهم القبعات، ولنحفظ لهم قدرهم، لأن الوطن الذي نحبه لا يكتمل إلا بجهودهم، ولأن الأردن، هذا التراب العزيز، لا يزدهر إلا بسواعدهم التي لا تعرف الكلل.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد