غزة: محرقة وأوهام اليوم التالي
«إنهم هنا»؟ الجملة الوحيدة التي قالتها ريما حسن مبارك، لعالم لا يسمع، بعد أن تم الاستيلاء على سفينة مادلين السلمية. كلمة «إنهم هنا» كانت باردة ومرعبة، أي أصبحنا تحت رحمة القتلة الذين تخطوا كل العتبات، ودخلوا إلى السفينة ولا أحد يعلم ماذا سيحدث بعدها، كل وسائل الاتصال ستنقطع. المفارقة هي أنها بعد الصمت والظلمة، ظهر كوماندوس الاحتلال داخل السفينة وهم يكرمون ركاب مادلين بالخبز والماء. نفس العساكر وأشباههم من يمنعون الماء والخبز والحياة عن مليوني غزاوي ويحاصرون أغلبية مدن الضفة الغربية. سيطلق سراح من يقبل التوقيع بالخروج، وسترفض ريما الحسن فعل ذلك، وستسجن. وستطالب حركات دولية بإطلاق سراحها. أناس يمنعون من الأكل والشرب ويدفع بهم إلى الموت وتحضيرهم للمغادرة. يقول المثل «جوّعه، يتبعك»، لكن شيئاً واحداً بسيطاً وعميقاً لا يدركه الاحتلال، وهو أنه لم يعد للفلسطيني ما يخسره بعد الإبادات الجماعية التي تدور رحاها حتى اللحظة، في فلسطين كلها، والتعدي على الأطفال والنساء. خسر كل شيء: بيته وأهله، ترابه وسماءه التي سكنتها غربان المسيرات، وهو يعيش بصدفة الثواني والدقائق. اليأس هو سيد كل التطرفات، فمرحباً بما سيأتي ويتحمل الاحتلال المسؤولية كاملة. لتحضر إسرائيل نفسها لأيام مظلمة مع الجيل الذي سيخرج سالماً جسدياً من هذه الحرب الإبادية. أستغرب ممن يتحدث عن «اليوم الموالي» وأي «يوم موال» في ظل وضع سيده العنف الأعمى والنار والحرق و»هولوكوست» جديدة ترسمها أصابع المائة ألف ضحية. يخطئ كلياً مَنْ ما يزال يحلم بأن تقدم له «إسرائيل» غزة المبادة التي تنام تحت ردمها آلاف الأصوات المكتومة، على طبق من ذهب، في ظل وضع دولي متواطئ من رأسه حتى قدمه، وآلة حربية متقدمة مآلاتها محسومة كما في الخرب العالمية الثانية، وقبل الإمبراطوريات الرومانية، والفارسية، والصينية وغيرها. الآلة الحديدية سيأتي من يفلها بجسده وصبره وإيمانه الداخلي. لا يوجد شيء اسمه اليوم الموالي، كل شيء يتحدد اليوم والآن. لا يمكن للفلسطيني أن يدفع ثمن الدم اليهودي. ليس هو من خلق أفران الحرق وغرف الغاز. ليس هو من خلق مراكز العبور Les camps de transit، موريغان وأوكرماك للنساء تحضيراً لإبادتهم، أو بولزانو في جنوب إيطاليا. ليس الفلسطيني من بنى محتشد أوشفيتز واحد واثنين وثلاثة. ولا محتشد موكنفالد وكوشن وداشو وغيرها. الغرب الاستعماري هو المسؤول الأول والأخير، ليعد إلى نفسه ويغسلها من الداخل، ولكن ليس بالدم الفلسطيني. تواطؤه اليوم مع جريمة الإبادة لا شيء يبرره. لم يستفد من درس الحرب العالمية الثانية. التعاطف مع الإجرام ومجازره لا يخفف من عنف الذاكرة التي صنعوها حتى تحولت إلى عقدة جماعية. يأتي الجواب الفلسطيني في رماد غزة: طيب، موافقون على حل عقدة الغرب بارتكابه جريمة الهولوكوست، ننصحه فقط بوضع أراضيه ما دام هو مرتكب الجريمة، تحت تصرف من كان ضحية له؟ الفلسطينيون لم يرتكبوا هذه الجريمة ولا خططوا لها، فلماذا تهدى أرضهم للغير؟ بأي حق؟ يهود فلسطين قبل 48، كانوا يعيشون عيشة عادية، ويؤدون أعمالهم وطقوسهم الدينية مثلهم مثل غيرهم، إلى حين هجموا عليهم بسفن محملة بأناس لا شيء يجمعهم بتلك الأرض إلا الأيديولوجية الصهيونية التي جعلوا منها منارة تاريخية لهم. فكان يهود فلسطين هم أول الضحايا قبل غيرهم. وساروا بهم نحو أرض لا يعرفون ناسها، ولا لغتها. إمبراطورية المنتصرين أو الحلفاء شاءت ذلك. هم من ضبط المقاييس وحددها وطبقها. بدأت عمليات التهجير والإخلاء والترحيل Déportation لدرجة أن الصهيونية جعلت منها مصطلحاً لا ينطبق إلا على ترحيل اليهود؟ ويمنع استعماله في غير السياق الصهيوني إلى اليوم، مع أن ما حدث للفلسطينيين ويحدث مفجع. لم يعد هناك أوشفيتز 1، 2، 3، فقد عوض بغزة، بثلاثة محتشدات: رفح، ودير البلح، وجباليا. مكان طوله الكلي 41 كيلومتراً، وعرضه من 6 إلى 12 كيلومتراً. مساحة قدرها 360 كيلومتراً مربعاً. يعيش فيه مليونا سجين، كل يوم يُقتل منهم من 100 إلى 200 شهيد. سجن كبير مفتوح على السماء، يباد فيه الناس قتلاً وحرقاً وتمزيقاً، في وضح النهار بلا رقيب. وسدنة الشر الذين كانوا وراء هذه المأساة في 1948، ما يزالون هنا، يتفرجون على المقتلة دون أن يحاولوا إيقافها مخافة غضب الجزار الذي لا يتوقف عن تذكيرهم بمعاداة السامية. أما المسلمون والعرب فهم خارج المدار كلياً. لا وجود لهم في هذه المعادلة، هم في خارج الخارج.
من وراء هذه المشهدية المؤلمة، عصر جديد يرتسم بالدم، في الأفق المظلم. هل هي نهاية الأحادية والقطبية المقيتة التي لم تجر على البشرية إلا الويلات وعودة الحروب الاستعمارية، وتجلي الأطماع بشكل معلن وبدون رادع قانوني. من يردع من؟ القوي يأكل الضعيف، وتقاسم العالم كما في العصر الكولونيالي البائد الذي صبغ حقبة القرن التاسع عشر بختم من نار؟ أم هو عصر بداية التجمعات الكبرى أو إمبراطوريات الجديدة التي تدافع عن مصالحها باستماتة لتفادي الانهيار الكلي الذي يصاحب الحضارات، وأصبح اليوم حتمية. ولا تهم المصائر البشرية مطلقاً؛ فطاحونة الموت جوعانة، فقد ظلت مقموعة طوال التوازنات الدولية التي مرت، وغطتها الحرب الباردة.
لا رادع اليوم، فمن يملك القوة يسطِّر قوانين الحق ويرسم حدود تطبيقاته؛ لأن المعايير القديمة لم تعد نافعه. ما تراه حقاً قد لا يكون كذلك في منظور القوي الذي يحتاج إلى سلب أراضيك وطردك وتحويلك إلى العبودية واتهامك بممارسة الإرهاب. القوانين التي تحفظ الإنسان دولياً موجودة مثل حقوق الإنسان وحق الدول في الدفاع عن نفسها، حماية الطفولة العدالة الدولية وغيرها، لكن لم يعد لها أي معنى؛ مجرد كلمات مرصوصة في كتب أصبحت اليوم قديمة ولم تعد تشكل مرجعاً للقوي. الإبادة في غزة فاصل بين الحق الأدنى للبشر في أن يكونوا بشراً أو على العكس، حيوانات بدائية لا يعنيها شيء مما يحيط بها سوى مصالحها واستعباد البشر. الدول الغربية التي كانت لا تتوقف عن إعطاء الدروس في حقوق الإنسان والعدالة، وتطالب بالإسراع في تسريح المساجين، بالخصوص إذا كان الأمر يتعلق بالدول العاقة، أي تلك التي لا تسير في ركب القوى المهيمنة أو في ظل النظام الدولي الجديد؟ لم تعد أقنعة الخطابات كافية لستر عورة غرب رأسمالي رسمي همجي. الموت بالعشرات والمئات دون أن يحرك الذي كان يعطي الدروس، أصبعه الصغير وكأن المحرقة عادية، كما لو أن التاريخ مجرد سلسلة من الجرائم المغلفة بخطابات تجعلها مستساغة وليست عملاً وإجهاداً فعلياً حتى لا تتكرر الجرائم والمحارق؟
حتى إنجاز هذه المقالة، ما تزال الإبادة المنظمة ضد الشعب الفلسطيني في غزة تجري على مرأى العالم والقنوات الدولية، دون أن يصاب الضمير العام بوخز ولو صغير. عندما هُزمت النازية، ووُضِعَ حد لجرائمها، حوكم قادتها وعساكرها بلا رحمة، وتمت المعاقبة بالشنق والرصاص، ولم يفلت أي متورط من الإعدام. حتى الذين فلتوا من الرقابة بالهروب تابعهم «الموساد» و»الشاباك» وقتلتهم أو اختطفتهم وحاكمتهم.
لنا أن نتساءل اليوم في ظل هذه الإبادة والجريمة ضد الإنسانية، التي لا تقل عما حدث في الحرب العالمية الثانية، هل سيحاكم رواد المقتلة في إسرائيل من نتنياهو ومكتبه المصغر والذين أعطوا أوامر إبادة الشعب الفلسطيني، إضافة إلى الذين يختفون وراء اللوحة الدموية؟ لكن يبدو أن أرواح البشر في عالمنا اليوم لا تتساوى، والقوانين لا تطبق إلا على المستضعف، ويحق للإيتابلشمنت الصهيوني ما لا يحق لغيره.
منافسة قوية في جولة الأردن الثانية للسرعة
مسؤول أذري يؤكد عمق العلاقات مع الأردن
وزارة العمل تؤكد استمرار برنامج "عمل أفضل"
الجمعية الفلكية: الانقلاب الصيفي يصادف السبت 21 حزيران
الزراعة تحذر من شراء الخضار المعروضة عشوائيًا
الأمن العام يحذر من السباحة في أماكن خطرة
تسجيل 30 براءة اختراع في أول خمسة أشهر من العام الحالي
الزراعة تدعو مرشحين لإجراء مقابلات شخصية .. أسماء
العمل: ضبط 97 طفلا عاملا منذ بدء العام الحالي
الخيرية الهاشمية: توزيع 616 أضحية على أكثر من 2400 أسرة
للأردنيين .. تحذيرات هامة من الأمن العام
فيفا يمنح الأردن 10.5 مليون دولار بعد التأهل إلى كأس العالم 2026
التربية تدعو معلمين لحضور الاختبار التنافسي الالكتروني
تنفيذ قرار زيادة الحد الأدنى لأجور المتقاعدين العسكريين
الملك والملكة يصلان إلى الملعب لمؤازرة النشامى
كتلة هوائية حارة قادمة للمملكة من الجزيرة العربية .. تفاصيل
ماذا يشغل الأردنيين على مواقع التواصل اليوم
موعد مباراة الأردن أمام العراق والقنوات الناقلة
زيت الزيتون أم زيت الأفوكادو .. أيهما الأفضل لصحتك
الملكة للملك: كيف لا أستند إلى قلبك ووطن بأكمله يستند إليك
ولي العهد يشكر سلطنة عُمان على كرم الضيافة وروحهم الرياضية
الملكة رانيا تشارك صورة عائلية احتفالاً بالعيد
الفايز يهنئ المنتخب الوطني تأهله لمونديال كأس العالم لكرة القدم