الدولة الوطنية وحساسيات الهوية
قال أمية بن أبي الصلت قبل ظهور الإسلام: «إذا كان أصلي من تراب، فكلها بلادي، وكل العالمين أقاربي». ما قرأت مثل هذا البيت في التعبير عن علاقة الإنسان باٍلأرض، وعلاقة الإنسان بالإنسان في علاقتهما بالأرض. يتعالى هذا البيت على العشيرة والقبيلة، والحدود التي اصطنعها الإنسان. فما يجمع الإنسان في علاقته بالتراب، يصله بالإنسان الذي يشترك معه في انتمائه إليه، فإذا بهما أقارب، ولا فواصل بينهما. أتذكر هذا البيت كلما رأيت الصراعات تستعر حول علاقة الإنسان بالأرض، وادعاء أطرافها أنها ملك لها دون غيرها. فلم يكن تاريخ البشرية سوى صراع على الأرض، وإن اتخذ أشكالا متعددة حسب العصور.
إن ما يجري في غزة أوضح مثال على من يسلب أرض غيره، ويعمل على تهجيره منها، ولا حديث عن إبادته نهائيا ليترك له تلك الأرض. وما جرى في السويداء أوضح مثال على ما تقوم به الصهيونية وهي تدعي حماية أهلها، بزعم أن الدولة لا تحمي الأقليات، ضاربة عرض الحائط الدولة التي ينتمون إليها. إنها تدافع عن طائفة، وتعمل على جعلها تحت وصايتها، وهي التي تدمر شعبا بكامله، بمختلف طوائفه، وتسعى لنسف أي حق له في أن يكون له وطن، أو دولة.
هذا التناقض وليد الاستعمار الذي وضع الخرائط مقسما الشعوب، وما فيها من قبائل وهويات مختلفة، حسب مصالحه، مبقيا الحدود التي سطرها بالمسطرة برميل بارود قابل للانفجار في أي وقت. وما الصراع على الهويات حاليا في كل الوطن العربي سوى ترجمة لذلك التناقض. ومع ذلك نجد الاستعمار الجديد يدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو يتبجح بالدفاع عن حقوق الأقليات، أو يغذي حساسية الهويات، ويدعم بعضها ضد الآخر، أملا في استمرار الوضع الذي خلفه منذ التوقيع على معاهدات الاستقلال، وفق الشروط التي كان قد فرضها.
عندما نتأمل جيدا واقع الدول الحديثة في العالم نجدها، من دون استثناء تزخر بالكثير من الهويات المختلفة عرقيا ولغويا ودينيا. تعطى لهذه الهويات بعض حقوقها، في بعض الدول المتقدمة، لكن ضمن إطار الدولة الوطنية التي تتعالى على أي هوية خاصة، باستثناء ما اتصل بالهوية الجامعة، التي لها فرادتها اللغوية والثقافية المتحققة عبر تاريخ طويل من الحضور والتأثير.
فالهوية الفرنسية مثلا، التي صارت تختزل في «الجمهورية» فوق أي هوية خاصة، مهما كان تاريخها وعرقها ولغاتها، بل حتى الأجنبي المقيم لا بد له من أن يكون «فرنسيا» لغة وثقافة وشعورا، بالدرجة الأولى، وله الحق في ممارسة هويته الخاصة وفق ما يسمح به القانون الذي يعطيه «جنسية» تجعله فرنسيا أولا. وأي مطالبة بجعل الهوية الخاصة تتجاوز البعد الوطني، يصبح دعوة للانفصال تواجه بمختلف الأوجه والصور، التي تمس وحدة الوطن وحدوده المعترف بها.
إن مفهوم الدولة الوطنية، في الدول المتقدمة، جامع لمختلف الهويات والأقليات التي لها الحق في ممارسة طقوسها، من دون أن يتعارض ذلك مع الهوية الجامعة. لذلك كان القول إن الأفراد متساوون أمام القضاء «الوطني» معناه، أن الدولة والوطن «بلاد» الجميع، وكلهم «أقارب». لا نجد هذا التصور في الدول المتخلفة، خاصة لدى بعض النخب «الثقافية»، التي ترى أن هويتها الخاصة هي الهوية الأصل، وهي تبذل قصارى جهودها لجعلها الهوية الحقيقية، والمهيمنة على غيرها بدعوى مقاومة التهميش، الذي تمارسه هوية «جامعة» لا أحقية لها، تاريخيا ولغويا ودينيا وعرقيا. هذا هو الواقع الذي يعرفه الوطن العربي.
إبان انعقاد أحد مؤتمرات اتحاد كتاب المغرب، في قاعة علال الفاسي في الرباط، وعمل الاتحاديون على إقصاء مترشحي المنظمة، خرج أحد الرفاق من قاعة الاجتماع منفعلا، وكنت واقفا قرب باب القاعة. سادت التصفيقات الحارة فسمعها الشاعر أحمد المجاطي، وكان خارج القاعة فاقترب من الباب محاولا الدخول لرؤية ما يجري، وهو يصفق، فتصادف دخوله مع خروج الرفيق الذي استفزه بقوله: أنت تصفق ولم تسمع ما يجري. فأجابه الشاعر: أن أكون مع القبيلة (الحزب) أخير من أن أكون مع العشيرة (المنظمة). إن مملكة الشاعر أوسع وأعرض من أن يحدها زمان أو مكان يصطنعه السياسي. فالشاعر المغربي الحقيقي يرى الشاعر العراقي الأصيل قريبا منه، ومعا ينتميان إلى مملكة الشعراء التي لا مجال فيها للعرقية أو الطائفية، أو الهوية الخاصة. أما التافهون من الشعراء فهم في خدمة سياسة الطائفي والعرقي والهويات الضيقة.
حارب الإسلام القبلية والعصبية، فبنى الدولة التي ساهم فيها كل من دخل فيه من كل الأعراق، فكانت الحضارة العربية الإسلامية ملكا للجميع، وبذلك كانت حضارة إنسانية. لم يفرض الإسلام على أي قوم التخلي عن لغاتهم وثقافتهم. فظلت اللغات والثقافات المختلفة مؤطرة ضمن الدولة الإسلامية، التي تعاقب عليها، في كل التاريخ الإسلامي، خلفاء وأمراء ومماليك من مختلف الأقوام والجنسيات والثقافات.
جاء الاستعمار فقطع الأوصال، وصنع الخرائط. وبعد خروجه ربط الدول التي شكلها، أو وقَّعت معه على الاستقلال بمصلحته، وخلّد استمرار بقائه بتوظيف من يطعم الهويات الخاصة، ويروج لها، للحيلولة دون أن تكون للدولة وللوطن دلالة تؤكد الترابط بين مختلف المكونات التي تعيش في بلاد واحدة. عندما نرى الطوائف المختلفة والمحاصصة اليوم، هل يمكننا الحديث عن «الدولة» الجامعة في الوطن العربي؟ أم عن «هويات» تتصارع لفرض الهيمنة؟ ولا يمكن لهيمنة أي هوية إلا أن تكتسب شرعيتها من دولة أجنبية.
تقترن كل مشاكل العالم العربي اليوم بحساسية الهويات التي يكرسها الغرب والصهيونية، فصارت الطائفية والعرقية مهيمنة في كل البلاد بشكل أو بآخر. فمتى يمكننا الحديث عن الدولة والوطن والمواطنين، الذين يؤمنون بأن الوطن للجميع، وألا فرق بينهم إلا بخدمة هذه الأرض التي تجمعهم؟
كاتب مغربي
بعد فرض قيود .. مهم بشأن استيراد الدواجن من البرازيل
مناطق تصل فيها درجات الحرارة إلى 44 اليوم
عبور قافلة مساعدات أردنية إلى شمال غزة
تراجع الذهب عقب اتفاق واشنطن وطوكيو
ترامب يتسبب بهبوط الدولار أمام الين
موظفون مهددون بالفصل من أمانة عمان .. أسماء
وظائف ومقابلات شخصية في الحكومة .. أسماء
إحباط محاولة تسلل طائرة مسيّرة على الواجهة الغربية
محادثات لوضع اللمسات الأخيرة على ممر للمساعدات إلى غزة
أول رد من راغب علامة بعد منعه من الغناء في مصر
منتدى استثماري سعودي سوري يعقد الأربعاء في دمشق
إنجلترا تبلغ نهائي بطولة أوروبا للسيدات على حساب إيطاليا
التربية تدعو هؤلاء لإجراء المقابلات الشخصية لوظيفة معلم/ـة
سيدة تعثر على أبو بريص في وجبة شاورما من مطعم شهير بعمان
فصل الكهرباء عن هذه المناطق غداً من الساعة 8 صباحاً حتى 6 مساءً
مطالبات مالية على مئات الأردنيين .. أسماء
وظائف شاغرة في مؤسسات حكومية .. تفاصيل
نتائج الفرز الأولي لوظيفة أمين عام وزارة التربية .. رابط
رئيس وزراء السودان يتعهد بإعمار الخرطوم
مواعيد الترخيص المتنقل المسائي في لواء بني كنانة .. تفاصيل
مكافحة الأوبئة يعلن عن وظائف شاغرة .. صورة
مراهق يقتل شقيقته طعنا جنوب إربد
مستشفى السويداء مقبرة جماعية .. صور
بديل جديد للسجن .. الجريدة الرسمية تنشر تعليمات المراقبة الإلكترونية
نفي مزاعم حول مغادرة الرئيس الشرع وعائلته سوريا