بلغ السيل الزُّبَى

mainThumb

23-07-2025 02:23 PM

كثيرًا ما نسمع عبارة "بلغ السيل الزُّبَى" حين يتحدث الناس عن لحظة الانفجار بعد طول صبر، أو حين يصل الإنسان إلى الحدّ الذي لا يمكن تحمُّله. وهذه العبارة تعني باختصار: أن الأمور قد تجاوزت حدود الاحتمال.
في أصل العبارة، كلمة "الزُّبَى" جمع زُبْية، وهي الحُفرة التي تُحفَر في الأرض لتُحبس فيها المياه، أو لتُستخدم كمصيدة للوحوش. فإذا امتلأت هذه الحفرة بالماء وفاضت، كان ذلك دليلاً على فيضان السيل وشدّته. ومن هنا جاءت العبارة لتدلّ على أن الوضع قد بلغ أقصى درجاته، ولم يعد بالإمكان تحمّله أو السكوت عنه.
وعلى سبيل المثال، حين يتعرض الإنسان للظلم مرارًا، ويتجاهل المسؤولون صوته، ثم يلجأ إلى الإعلام أو القضاء أو الاحتجاج، فإنه يكون قد وصل إلى مرحلة يقول فيها: "لقد بلغ السيل الزُّبَى". أي أنه صبر طويلاً، لكنه لم يعد قادرًا على الاحتمال، وقد قرر أن يتصرّف.
إنّ هذه العبارة تختصر مشاعر الغضب واليأس في آنٍ واحد، وتعبّر عن لحظة مفصلية يتغيّر فيها الصمت إلى فعل، والانتظار إلى مواجهة.
بلغ السيل الزُّبَى... ولن نصمت
بلغ السيل الزُّبَى، ولم يعُد في النفس متّسعٌ لمزيدٍ من الصبر أو التجاهل. فما نراه اليوم من فسادٍ مستشرٍ، وتلاعبٍ بالمناصب والفرص، وتحطيمٍ للكفاءات، لم يَعُد خافيًا على أحد، ولا يمكن تغليفه بشعارات الوطنية أو تبريره تحت مسميات "الإجراءات" و"الأنظمة".
أصبحنا نرى أصحاب المناصب يُعيّنون بوساطات مكشوفة، لا يخجل منها أحد، بينما يُترك أصحاب المؤهلات العالية والتفوق الحقيقي على قارعة الانتظار، يطرقون الأبواب المغلقة، فلا تُفتح، ويكتبون الرسائل فلا يُردّ عليهم، وكأنهم لا يُحسبون من هذا الوطن.
هل يُعقل أن يتحوّل التعيين الأكاديمي – الذي يجب أن يُبنى على العلم والاستحقاق – إلى صفقةٍ تحت الطاولة، أو مكافأةٍ تُمنَح لمَن "يرضى عنهم" فلان أو علّان؟ هل يُعقل أن تموت أحلام المجتهدين، ويُدفن تعب السنين، فقط لأنهم لا يملكون واسطة أو ظهرًا يسندهم؟
إننا لا نطلب فضلًا ولا منّة، بل نطالب بالحقّ. والحقّ لا يُطلب بصوتٍ خافت في زمنٍ تعلو فيه أصوات الباطل. لقد بلغ السيل الزُّبَى، وحان الوقت ليُسمع الصوت، ويُفضح التجاهل، ويُكشف الزيف.
فإما أن يُعاد للحق وزنه، وللكفاءة مكانها، أو فليتحمّل الجميع نتائج الظلم المُزمن... لأن الوطن لا يُبنى على المجاملات، بل على أكتاف من يستحقونه فعلًا.





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد