الهجري وحلم الانفصال

mainThumb

04-08-2025 12:37 AM

تركة ثقيلة، تلك التي ورثتها إدارة أحمد الشرع عن النظام البائد، ليس فقط في ما يتعلق بالاقتصاد المنهار والبنى التحتية المدمرة، ولكن في الشقاق الطائفي والعرقي، الذي ضرب بجذوره في سوريا طيلة عهد حكم عائلة الأسد.
ما إن تحقق حلم السوريين في إسقاط نظام بشار الأسد، وما إن رُفع شعار «كل ما بعد سقوط بشار هين»، حتى اصطدمت الأحلام بالواقع المر، الذي نشأ في حقبة النظام السابق، إذ برزت على السطح مشاريع انفصالية قديمة، وجدت الحرب بيئة خصبة للتنامي، بما يمثل تهديدا لتطلعات الدولة الوليدة في الاندماج الكامل لكل العرقيات والطوائف تحت راية واحدة.
حكم علوي في الساحل السوري، وحكم ذاتي للأكراد على الحدود مع تركيا، ودولة في الجنوب للطائفة الدرزية المتمركزة في السويداء، أحلام تهدد استقرار سوريا، وتضع العصا في عجلتها النهضوية التي شرعت في الانطلاق.
فأما دولة الساحل، فإن العلويين ينظرون إليها باعتبارها إرثا تاريخيا، إذ إن الاحتلال الفرنسي لسوريا، أسس هذه الدولة بالفعل بين عامي 1920-1936قبل أن تندمج في الدولة السورية، إلا أن العلويين أبدوا رغبتهم في الاندماج في الدولة السورية تحت قيادة الشرع، والنأي عن إيجاد حاضنة شعبية لفلول النظام السابق، لأن كثيرا من أبناء الطائفة لم يكونوا جزءاً من دائرة السلطة والنفوذ، بل كانوا مهمشين مقهورين كسائر الأطياف.
أما الحكم الذاتي للأكراد في شمال شرقي سوريا على الحدود مع تركيا، فقد عملت عليه قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية ،التي فرضت بالدعم الأمريكي سيطرتها على أبرز حقول النفط.
إلا أن طموحات قوات سوريا الديمقراطية، تراجعت من الفدرالية إلى اللامركزية، كما عقدت اتفاقا مع الحكومة السورية يقضي بالاندماج في مؤسسات الدولة في مارس الماضي، على الرغم من تبادل الاتهامات بين الحكومة وقوات سوريا الديمقراطية، حول قيام الأخيرة بشن هجوم صاروخي على مواقع للجيش السوري في منبج مطلع هذا الأسبوع.

لكن أخطر الملفات الثلاثة، هو أزمة السويداء ذات الأغلبية الدرزية في الجنوب، والتي تخضع لهيمنة حكمت الهجري، أحد أبرز الزعماء الدينيين في السويداء، الذي يأبى الاندماج في الدولة السورية الجديدة، ويتطلع لحكم ذاتي للدروز بإسناد إسرائيلي. لم تكن تطلعات الهجري وليدة الساعة، بل نشأت إبان الصراع الدائر في سوريا عقب اندلاع الثورة، إذ إن بشار الأسد منح الدروز صلاحية الإدارة اللامركزية في الجنوب مقابل نأي الطائفة عن مواجهة قوات النظام، لذلك تأسست هذه النزعة في حقبة بشار الأسد، وترفد الموقف الحالي للهجري في تعسفه أمام مساعي الدمج التي تقوم بها الدولة.
تبين منذ اندلاع الثورة السورية في 2011، ضلوع الهجري في الصراع الدائر، بدعم نظام الأسد بشكل علني، وحث الشباب الدرزي على القتال للدفاع عن النظام.
أحلام الهجري وجدت من يغذيها وينميها، إذ تلاقت هذه التطلعات مع أطماع صهيونية بتفتيت سوريا، وإقامة دولة على حدود فلسطين المحتلة موالية للاحتلال من الطائفة الدرزية، التي لها امتداد في الداخل الإسرائيلي، ولذلك تبنى نتنياهو رعاية حلم الهجري ودعمه في عدم الاندماج في الدولة، وقام بقصف مواقع للنظام السوري من بينها وزارة الدفاع، بحجة حماية الطائفة الدرزية، وتحولت منطقة الجنوب إلى منطقة يحرم على القوات السورية دخولها، وإلا تعرضت للقصف الصهيوني. إزاء هذا الغطاء الإسرائيلي، يهيمن الهجري بشكل كامل على مجريات الأمور في السويداء، وأدت ممارساته القمعية إلى تهجير كثير من البدو العرب، وقام بالتحكم في المساعدات التي أرسلتها الحكومة إلى السويداء، وتوزيعها على أساس انتقائي بين الموالين له. الشرع الذي يعاني أزمات داخلية ضخمة، من بينها نزعات طائفية وعرقية انفصالية، كان رده قاطعا في رفض المحاصصة على أساس الطائفية والمناطقية، والتأكيد على مبدأ المشاركة لعدم عرقلة العمل على بناء سوريا قوية موحدة.
الدعم الإسرائيلي والرعاية الإسرائيلية لأحلام الهجري بقوة السلاح، جعلت تطلعات الدولة في دمج السويداء مهمة غاية العسر، في ظل تعسف الهجري الذي يتخذ من الخلفية الأيديولوجية لحكومة الشرع ذريعة للاستعداء عليها بدعوى أنها حكومة طائفية ذات توجهات إرهابية. لا بديل لحكومة الشرع عن الاستمرار في العمل على التفاوض مع الدروز في الجنوب، للاندماج في الدولة، وهناك ورقة ينبغي أن يحسن الشرع استغلالها، وهي ذلك التيار المعارض لسياسة الهجري داخل الطائفة الدرزية نفسها. فهناك شخصيات بارزة لها أتباعها، ترى عدم الخروج عن السياق الوطني، وترفض التبعية للكيان الإسرائيلي، وتندد بتدخله في الشأن الداخلي السوري، أبرزهم القائد الدرزي ليث البلعوث زعيم قوات شيخ الكرامة، وهي حركة ذات قوة محدودة، لكنها تعمل على الحفاظ على وحدة سوريا، وله رصيد ثوري وشعبية قوية، ويؤكد دائما على العمل تحت مظلة الحكومة السورية.
التلاقي والتنسيق مع هذا التيار ودعمه وإنماؤه من قِبل الدولة، يعزز من قوة تأثيره في الطائفة الدرزية، ومن شأنه أن يقوض ويحدّ من هيمنة الهجري على مجريات الأمور في السويداء، بما يخدم مهمة دمجها في السياق الوطني.

كاتبة أردنية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد