معايير مزدوجة بشأن تجويع الأسرى ونزع سلاح المقاومة

mainThumb

06-08-2025 12:12 PM

كان أداء المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط ويتكوف فاشلاً في ثلاثة مواقف مضللة:
الأول اتهام حركة حماس بأنها لا تريد إيقاف الحرب من خلال زعمه بأنها أجرت تعديلات مرفوضة إسرائيلياً على المقترح الأمريكي الأخير بشأن صفقة تبادل الأسرى، وكونها رفضت مبدأ تسليم سلاحها "المقدس".
والثاني قيام ويتكوف -قبل عشرة أيام- بزيارة تفقدية إلى قطاع غزة تدرج في إطار "هندسة المجاعة" لتبرئة جيش الاحتلال من تهم الإبادة الجماعية في غزة واصفاً الوضع فيها بأنه طبيعي، وبالتالي تبرئة "مؤسسة غزة الإنسانية" من تهمة قتل طالبي المساعدات وإذلالهم.. وقد استعان منظمو الزيارة المشبوهة برجال أبو شباب وهم في لباسهم المدني -المتهم الأول في سرقة شاحنات المساعدات والمتاجرة بها- لإظهار أن أهل غزة استقبلوه بحفاوة.. وفي أن المساعدات تتدفق إلى غزة براً وجواً دون انقطاع لكنها تسرق من قبل حركة حماس!. وهو زيف لا ينطلي حتى على الطفل الغرير في القماط.
والثالث ما زعم به ويتكوف أمام أهالي الأسرى الإسرائيليين في أن حماس وافقت على تسليم سلاحها إلا أن الحركة نفت ذلك في بيان رسمي.
جاء كل هذا التضليل لرسم سيناريو إنقاذٍ للموقف الإسرائيليّ السياسيّ بعد أن فشل جيش الاحتلال في تحقيق أهداف نتنياهو في غزة بإخفاق عملية عربات جدعون التي كَسَرَتْ دواليبَها المقاومةُ، وذلك من خلال عمليات (حجارة داود) المركبة.
أيضاً بفعل المظاهرات العارمة التي شهدتها العواصم الغربية مطالبة بإيقاف الحرب على غزة وإدخال المساعدات دون قيد أو شرط.
ناهيك عن محاصرة السفارات المصرية في بعض الدول الغربية للضغط على مصر بهدف فتح معبر رفح.
أضف إلى ذلك توالي الاعترافات بفلسطين على صعيد غربي.. وكان أخطرُها وعوداً فرنسيةً وكنديةً وبريطانيةً بذلك، حيث وُثِّقَتْ في مؤتمر "حلّ الدولتين" الذي أشرفت عليه الأمم المتحدة مؤخراً في نيويورك، حيث شاركت فيه جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي دونَ مشاركةٍ إسرائيليةٍ أو أمريكية؛ مع أن بعض مخرجات المؤتمر كانت تتطابق مع أهداف حرب الإبادة على غزة على نحو: المطالبة بخروج حماس من المشهد وتسليم سلاحها لسلطة التنسيق الأمني.
ويمكن استنتاج أن القائمين على المؤتمر ومن يرتبط منهم بالاتفاقية الإبراهيمية، وبهدف توظيب البيت الفلسطيني في غزة من خلال سلطة أوسلو على أساس مخرجات مؤتمر نيويورك اعلاه، توالت الضغوطات على رئيسها محمود عباس لدفعه نحو إعلان انتخابات تشريعية مبكرة، يلتزم فيها المشاركون ببرنامج منظمة التحرير، في إشارة إلى اتفاقية أوسلو، وكرسالةٍ إقصائيةٍ لخيار المقاومة.
ودعوة عباس هذه، تُعَدُّ كارثية لأنها لن تخلق مفاوضاً فلسطينياً يحظى بإجماع فلسطيني، فالانشقاق بحد ذاته استراتيجي ما بين خياري: السلام (أوسلو) التي وُئِدَتْ في مهدها، والمقاومة التي خلطت الأوراق في وجه"إسرائيل" وتمكنت من عزلها عالمياً وأعادت للقضية الفلسطينية مكانتها الأممية.
فبعد إخفاقات أوسلو برز خيار المقاومة بكافة الوسائل المشروعة وقد فرضته ظروف الاحتلال والقتل الممنهج من خلال العدوان على الضفة الغربية والقطاع منذ احتلال فلسطين عام ثمانية وأربعين.
وكان الأولى على السلطة أن تعلن تبني اعلان بكين التوافقي لإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية.. وهو اتفاق تم توقيعه في 23 يوليو 2024 بين أربعة عشر فصيلاً فلسطينياً مختلفاً، بما في ذلك فتح وحماس، كجزء من عملية المصالحة بين الفصيلين في نزاع بدأ بعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006 التي حظيت فيها حركة حماس بأغلبية الأصوات، ولعدم اعترافها ب"إسرائيل" تم حصر سلطتها الشرعية في قطاع غزة في عام 2007 ورغم حصارها ظلت ثابتة على مبدأ مقاومة الاحتلال.
وهو ذاتُ التاريخِ الذي طُرِدَتْ فيه قواتُ رئيس جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني السابق في غزة (الفتحاوي) محمد دحلان بعد أن فشل انقلابه المدعوم إسرائيلياً في إسقاط حكومة هنية.
ومنذ ذلك الحين بدأت تتصاعد الدعوات لنزع سلاح المقاومة وحصره في سلطة التنسيق الأمني العاجزة في وقتنا الراهن حتى عن حماية الفلسطينيين في الضفة المنكوبة؛ فبدت وهي تلاحق المقاومين؛ وكأنها وجدت لحماية المستوطنين الذين يعيثون فساداً في الضفة الغربية ويحتلونها بالتدريج وفق خطة سموترتش توطئة لضمها.
وبالعودة إلى ويتكوف فقد كان حصاده الخيبة في زيارته إلى القطاع ومكوثه فيها لخمس ساعات، نظراً لتدفق صور الدمار وشواهد الإبادة في غزة عبر الفضاء الرقمي التي فضحت أكاذيبه.. وكان أشدها بلاغة، تلك الشهادة المؤلمة، التي أدلى بها جندي أميركي سابق خدم في أحد مراكز توزيع المساعدات في قطاع غزة، فأحدثت موجة غضب عارمة عبر منصات التواصل، بعدما كشف تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة الطفل الفلسطيني أمير، الذي قُتل برصاص الجيش الإسرائيلي بدم بارد، بينما كان يحاول جاهداً الحصول على قليل من الطعام الذي كلفه حياته.
وقال الجندي الأميركي أنتوني أغيلار، الذي خدم في مركز توزيع تديره "مؤسسة غزة الإنسانية" بدعم أميركي وإسرائيلي في منطقة تل السلطان غرب مدينة رفح، إن الحادثة وقعت يوم 28 مايو 2025، في أحد أكثر الأيام ازدحاماً بالمدنيين.. وهذا لم توثقه زيارةُ ويتكوف التي جاءت لإخراج نتنياهو من عنق الزجاجة.. فهل بقي لمسرحيته جمهور يساندها!
فوفق(صحيفة غارديان البريطانية) نقلاً عن المقرر الأممي الخاص المعني بالحق في الغذاء، فإن: "إسرائيل" تتعمد تجويع غزة وترتكب إبادة جماعية..
وهي جريمة حرب ضد الإنسانية.. حيث أنشأت "إسرائيل" في غزة آلة تجويع هي الأكثر كفاءة.. مستخدمة الغذاء سلاحاً منذ إنشائها.. أما مؤسسة غزة الإنسانية، فقد استخدمت المساعدات للسيطرة على السكان وإذلالهم. والمعلومات عن الجوع في غزة كانت متاحة للجميع منذ مطلع عام 2024 وأن "إسرائيل" قادرة على تخفيف وطأة التجويع في غزة استجابة للضغوطات.
وعليه فليذهب ويتكوف وشهادته المزيفة إلى الجحيم فالشمس لا تغطى بغربال في عالم الفضاء الرقمي المتحرر من القيود، والسردية الفلسطينية باتت في عهدة الأجيال الجديدة في عالم يحاول التحرر من الرواية الصهيونية المضللة التي تقلصت مساحة تأثيرها رغم وجود ازدواجية في المعايير.
*إزدواجية المعايير ومشيئة الأقدار
من مظاهر إزدواجية المعايير إزاء حرب الإبادة على غزة والتي أخذ العالم يتجاوزها بعض الشئ لتعنت "إسرائيل" ووحشيتها في القطاع، ما صرّح به السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون، الأحد الماضي، على مواقع التواصل الاجتماعي، في أن مجلس الأمن الدولي سيعقد جلسة طارئة لبحث وضع "الرهائن الإسرائيليين"، وسط تصاعد القلق إزاء مصيرهم في القطاع الذي يواجه سكانه خطر المجاعة (!!!).. بعدما أثارت مقاطع مصورة نشرتها فصائل فلسطينية من غزة لأسيرين إسرائيليين بدا الوهن واضحاً عليهما.. الأمر الذي أثار موجة من الصدمة في "إسرائيل"، ودفع بمطالبات متجددة للتوصل إلى اتفاق هدنة يُنهي الحرب الدائرة ويُعيد "المحتجزين" إلى ذويهم، في وقت تحذّر فيه منظمات أممية من خطر المجاعة في القطاع التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء.
من جهته، وبكل غطرسة وصلف، عبّر نتنياهو عن "صدمته العميقة من الفيديوهات التي نشرتها المقاومة، مؤكداً أن "الجهود مستمرة بلا توقف لاستعادة جميع الرهائن" ملوحاً بإصدار أوامره نحو اجتياح قطاع غزة من جديد؛ وهذه عربدةٌ خرقاءُ لقائدِ يميني استنزفتْ حربُ غزّةَ قواتِهِ باعتراف قادتِها.
لكن مصادر ةعبرية تقول إن رئيس الأركان إيال زامير قد يستقيل إذا تم تنفيذ خطة احتلال القطاع؛ وكأنه يصفها ب(اليائسة الغبية) بينما جيش الاحتلال يستنزف بقوة، ودواليب عربة جدعون تتحطم بفعل مطرقة "حجارة داود" الغزّيّة.
وكان نتنياهو يخاطب الإسرائيليين وكأنه يمتلك كل مفاتيح الحل، دون أن يقرّ ويعترف بفشله في تحقيق أهداف حرب الإبادة التي مضى عليها ما يزيد عن 670 يوماً تحولت فيه غزة بفعل القصف الإسرائيلي إلى أرض محروقة ويباب.. في الوقت الذي يتشبث فيه الغزّيون بأرضهم وحقوقهم المشروعة ملتفين حول مقاومتهم الباسلة التي أفشلت عملية عربات جدعون التي راهن عليها الكابينت الإسرائيلي.
من جهته عبر أبو عبيدة "الناطق العسكري باسم كتائب القسام"، عن الاستعداد للتعامل بإيجابية والتجاوب مع أيّ طلبٍ للصليب الأحمر بإدخال أطعمةٍ وأدويةٍ " للرهائن".
وهذا حق مكفول للأسرى.. لكنه اشترط لقبول ذلك فتح الممرات الإنسانية بشكلٍ طبيعيٍ ودائمٍ لمرور الغذاء والدواء في أرجاء القطاع، ووقف الطلعات الجوية الإسرائيلية بكل أشكالها، التي تستهدف المجوّعين، مؤكداً على عدم تعمد حماس تجويع الأسرى، فشاءت الأقدار أن يأكلوا من زوّادة المجاعة التي أهلكت الفلسطينيين وحولتهم إلى هياكل بشرية حية مكسوة ببقايا جلود بشرية، في ظل "التجويع والحصار".. وهذه تمثل عدالة السماء رغم قساوتها.
كل ذلك يحدث جهاراً نهارا.. كأننا نعيش فنتازيا بات الشيطان يتحكم في تفاصيلها.. بحيث يتجاوب مجلس الأمن لشكوى تَقَدَّمَ بها الجلاد ضد الضحية بشأن تجويع أسراه، مقابل إمعانه في إبادة شعب بكامله ذنبه أنه يدافع عن حقوقه المشروعة.
وما زالت قضية تجويع الأسرى الإسرائيليين قيد المداولة والنقاش، فهل تطغى على أجواء مجلس الأمن بهذا الشأن سياسة تعدد المكاييل، أم أن لغزةَ التي تتعرض لجريمةِ إبادة القولَ الفصلَ في ردِّ التهمةِ الجوفاءَ المغرضة! .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد