الأرقام الماسية… مفتاح إنقاذ الجامعات ودعم أبناء الوطن

mainThumb

09-08-2025 10:30 PM

في زمن تتزاحم فيه الأزمات الاقتصادية على أبواب الوطن، وتشتد فيه الحاجة إلى حلول مبتكرة توازن بين الإنقاذ المالي ودعم المشاريع الوطنية، تبرز على الساحة مبادرة ذكية وبعيدة النظر أطلقتها الحكومة: بيع الأرقام المميزة للمركبات وتوجيه ريعها لصندوق الطالب المحتاج. للوهلة الأولى قد يظن البعض أن الأمر لا يتجاوز كونه صفقة بيع وشراء، لكنه في الحقيقة مشروع وطني عميق الأثر، يحمل رسالة سامية، ويعيد الاعتبار لقيمة التعليم كأولوية استراتيجية للدولة الأردنية.

غير أنني أرى أن هذه المبادرة يمكن أن تكون أكثر شمولاً وعدلاً إذا أُعيد تصميمها لتخدم غايتين متكاملتين: الأولى، دعم الطالب المحتاج ليستطيع مواصلة دراسته دون عوائق مادية، والثانية، تخصيص جزء من عوائدها لسداد مديونية الجامعات الأردنية التي أنهكتها الأعباء المالية. فالتقديرات الأولية تشير إلى إمكانية تحقيق عوائد تتجاوز (300) مليون دينار، وربما تقترب من نصف مليار إذا ما تم تسويق الفكرة بذكاء وإدارتها بحرفية عالية. هذه الأرقام ليست مجرد إيرادات، بل فرصة لإنعاش قطاع التعليم العالي وإحداث نقلة نوعية فيه.

إن دعم الطالب المحتاج أمر محمود وضروري، لكن لا يمكن أن نغض الطرف عن واقع الجامعات المثقلة بالديون، التي تعاني من نقص في المختبرات، وتردّي في المرافق، وضيق في قاعات التدريس، وضعف في القدرة على تحديث البرامج واستبقاء الكفاءات الأكاديمية. إن الطالب الذي يتلقى دعماً مالياً، لكنه يدرس في بيئة متداعية، محروم من التقنيات الحديثة، هو طالب مظلوم من زاوية أخرى. لذا، فإن ضخ جزء من موارد المبادرة في الجامعات هو في جوهره دعم مباشر لكل طالب، لأنه يعيد الحياة لمؤسسته التعليمية، ويرفع جودة التعليم الذي يتلقاه.

لقد بلغت مديونية بعض الجامعات مستويات خطيرة تهدد قدرتها على الاستمرار في أداء رسالتها التعليمية. تراكمت الديون، وتقلصت الميزانيات، فتراجعت القدرة على البحث العلمي، وانخفضت جاذبية بيئة العمل للأساتذة المتميزين. هذه الأوضاع لا تمس الجامعات وحدها، بل تضرب في عمق تنافسية الأردن التعليمية، وتؤثر على صورة الدولة أمام شركائها الإقليميين والدوليين.

إن تسويق هذه المبادرة بفعالية سيكون العامل الحاسم في نجاحها. فإذا ما طُرحت على الرأي العام بوضوح وشفافية، وجرى شرح أبعادها الوطنية وعوائدها الاقتصادية والاجتماعية، فسنشهد إقبالاً كبيراً من المواطنين ورجال الأعمال والمستثمرين على اقتناء الأرقام الماسية، ليس كترف شخصي، بل كمساهمة مباشرة في نهضة التعليم. وحين يتحول شراء رقم مميز إلى فعل وطني، يصبح المال المدفوع استثماراً في مستقبل البلاد.

هذه الخطوة تتسق تماماً مع الرؤية الملكية السامية التي أكدها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين – حفظه الله – في أكثر من مناسبة، بأن التعليم هو حجر الأساس لبناء الوطن، وأنه ينبغي أن يكون متاحاً مجاناً أو شبه مجاني لكل أبناء الأردن، بغض النظر عن ظروفهم المادية. إن "الأرقام الماسية" ليست مجرد فكرة إيرادية، بل أداة عملية لترجمة هذه الرؤية إلى واقع ملموس.

إننا أمام فرصة ذهبية قد لا تتكرر، لترجمة الأقوال إلى أفعال، ولإحداث فرق حقيقي في حياة الطلبة وفي بنية جامعاتنا. إن استثمار هذه المبادرة في العقل الأردني، وفي بنية التعليم العالي، سيترك أثراً دائماً يتجاوز حدود الأجيال الحالية، ويمنح أبناءنا غداً أفضل. وبقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني وسمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله، يمكن لهذه المبادرة أن تتحول إلى قصة نجاح وطنية تُدرّس كنموذج في استثمار الأفكار الإبداعية لخدمة المجتمع.

فلنجعل من "الأرقام الماسية" أكثر من مجرد لوحات سيارات، ولنجعلها عنواناً للتكافل الوطني، ورمزاً للاستثمار في الإنسان، ورسالة أمل لكل طالب يحلم بمستقبل أفضل، وخطوة شجاعة نحو تعليم عصري متطور يؤسس لوطن قوي ومزدهر.

والله من وراء القصد.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد