قراءة اقتصادية واقعية

mainThumb

14-08-2025 02:52 PM

يعيش الاقتصاد الأردني منذ سنوات طويلة في معادلة صعبة، قوامها انخفاض معدلات الادخار المحلي وارتفاع مستويات الاستهلاك إلى حدود تفوق القدرة الإنتاجية للبلاد "وهو ماينعكس على الموازنه العامة في كل عام ". فوفق بيانات البنك الدولي للاعوام السابقه، بلغت معدلات الادخار المحلي مستوى منخفص ومتدني ..من الناتج المحلي الإجمالي، ووقفت هذه النسبة على حافة التراجع التدريجي لمعدل إلادخار ، وهي نسبة متدنية للغاية إذا ما قورنت بالمعدل العالمي الذي يتراوح بين 20 و22%، أو بالمستوى المطلوب لدعم نمو اقتصادي مستدام في الدول النامية والذي يتراوح بين 25 و30%. هذا الضعف في الادخار المحلي لا يعكس فقط محدودية الدخل وارتفاع تكاليف المعيشة التي تدفع الأسر إلى إنفاق معظم دخلها على الاستهلاك الفوري، بل يكشف أيضًا عن غياب بيئة ادخارية واستثمارية محفزة بمعنى"تراجع مُعدّل الإدخار الوطني يُضعف قدرة الدولة على تمويل استثمارات محلية كبرى من أموالها الداخليه مما يجعلها تعتمد على الأموال الخارجيه "، سواء عبر أدوات مصرفية مجزيه "كصناديق الاستثمار ""أو حوافز ضريبية تدعم الاستثمار طويل الأجل"كالإعفاءات على روؤس أموال الاستثمار وتخفيظها على ارباحها".

وفي المقابل، يشكل الاستهلاك الخاص والحكومي النسبة الأكبر من مكونات الاقتصاد"الأموال تذهب لمجالات غير إنتاجية أو خارج البلد"، فيما بلغ أرقاما مرتفعه من الناتج الإجمالي المحلي، . هذه الأرقام تشير بوضوح إلى أن الأردن يستهلك أكثر مما ينتج، وأن الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك تُغطى بشكل أساسي من خلال الموارد الخارجية، سواء عبر المنح والمساعدات أو القروض أو تحويلات الأردنيين في الخارج. ولئن ساهمت هذه التدفقات في توفير قدر من الاستقرار الاقتصادي، فإنها تبقى موارد غير مضمونة وعرضة للتقلبات السياسية والاقتصادية، فضلًا عن ارتباطها أحيانًا بشروط تقيّد قدرة الدولة على رسم سياساتها الاقتصادية باستقلالية.

هذا الاعتماد على ما يمكن وصفه بـ”مدخرات الآخرين” ليس ظاهرة طارئة، بل هو نتيجة تراكمات تاريخية لسياسات اقتصادية لم تتمكن من كسر حلقة العجز المزمن في الحساب الجاري، الذي بلغ نسبه عاليه من الناتج المحلي الإجمالي وفق تقديرات السنوات الأخيرة"نسبة مايدخل أو يخرج من عملة اجنبيه للدوله ". استمرار هذا الوضع يجعل الاقتصاد الأردني هشًا أمام أي تراجع في المساعدات أو التحويلات، ويفرض تحديات جدية على مسار التنمية المستدامة.

المخرج من هذه الحلقة يتطلب مقاربة شاملة تبدأ بتحفيز الادخار المحلي من خلال منتجات مصرفية مجزية وحوافز ضريبية تشجع على الادخار طويل الأجل، إلى جانب رفع الإنتاجية الوطنية بدعم القطاعات القادرة على خلق قيمة مضافة حقيقية، مثل الصناعة التحويلية والزراعة الموجهة للسوق المحلي، مع الاستثمار في الابتكار الزراعي والتكنولوجيا الإنتاجية. كما أن تغيير نمط الاستهلاك بات ضرورة ملحة، عبر حملات توعية تعزز ثقافة شراء المنتج المحلي وتقليل الاعتماد على السلع المستوردة غير الضرورية، وهو ما يسهم في تخفيف الضغط على الميزان التجاري. وإلى جانب ذلك، فإن تنويع مصادر الدخل الخارجي يظل خيارًا استراتيجيًا، من خلال الاستثمار في السياحة بمختلف أشكالها، بما فيها السياحة الطبية، وتوسيع قاعدة الصادرات بالاستفادة من الاتفاقيات التجارية الإقليمية والدولية.

إن المقولة التي تصف الأردن بأنه يعيش على مدخرات غيره ويدّخر أقل مما يجب ويستهلك أكثر مما يجب، ليست مجرد نقد سياسي أو شعبي، بل هي توصيف دقيق لمعضلة اقتصادية حقيقية. ومع أن الحلول ليست سهلة أو سريعة، فإن الانتقال من اقتصاد يعتمد على التدفقات الخارجية إلى اقتصاد ينتج ويدخر ويستهلك ضمن حدوده الممكنة هو الطريق الأضمن لتحقيق الاستقرار والاستقلال الاقتصادي في المدى البعيد.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد