سقوط الذوق العام: لماذا تتصدر التفاهة المشهد؟

mainThumb

19-11-2025 05:27 PM

في زمنٍ تتسارع فيه المعرفة وتزداد فيه فرص التعلم، كان من الطبيعي أن يرتفع الوعي العام ويتقدّم الذوق الجمعي. لكن الواقع اليوم يشير إلى عكس ذلك تمامًا: تفاهة متصدّرة، محتوى فارغ يبتلع الفضاء العام، وتراجع ملحوظ في تقدير العلم والثقافة والإنجاز الحقيقي.
هذه ليست مجرد ملاحظات عابرة… بل ظاهرة تستحق التوقف.
صعود التفاهة… صناعة لا صدفة فلم تعد الشهرة مرتبطة بإنجاز أو معرفة أو قيمة، بل بما يثير الضجيج فقط.
مقاطع سطحية تحقق ملايين المشاهدات، فيما تتراجع المواد العلمية المتقنة إلى زوايا هامشية لا يلتفت إليها إلا القليل.
لقد أصبحت "ثقافة التريند" معيارًا يحدد ما يُتداول وما يُنسى.
منصات التواصل تكافئ من يثير السخرية أكثر ممن يقدّم فكرة، وتدفع أصحاب المحتوى الجاد إلى الخلف… مهما كانت رسالتهم مهمّة تراجع الذوق العام… مسؤولية مجتمع كامل
فالتدهور في الذوق ليس حالة فردية، بل نتيجة تراكمات:
بيتٌ فقد عادة القراءة.
مدرسةٌ توقفت عن صناعة الفضول والمعرفة.
إعلامٌ بات يلهث خلف السهولة والربح على حساب دوره التنويري.
قدواتٌ جديدة بلا أثر سوى الصخب والظهور.
هكذا يتشكل جيل يرى أن الطريق الأقصر للنجاح لا يمرّ عبر الدراسة أو العمل، بل عبر لفت الانتباه مهما كان الثمن.
لماذا أصبح المحتوى الهادف في الهامش؟
لأن المقاييس تغيّرت.
الجودة لم تعد هي المعيار؛ بل الانتشار.
العبرة ليست بما نقول، بل بعدد من يشاهد.
وهكذا أصبح الضجيج أعلى من العقل، واللايك أهم من القيمة، والتفاهة أسرع طريق نحو الشهرة.
لكن الأخطر أن هذا الواقع بدأ يصنع ذوقًا عامًا جديدًا… ذوقًا واطئًا، هشًّا، سريع التأثر، قليلَ الصبر على كل ما يتطلّب تفكيرًا أو وقتًا.
هل يمكن إنقاذ الذوق العام؟
نعم، إذا توحّدت الجهود واستعاد المجتمع وعيه تجاه ما يُقدّم وما يُستهلك.
الإصلاح يبدأ من سؤال بسيط:
هل هذا المحتوى يضيف شيئًا… أم يستهلكني؟
عندما نكافئ الجيد، عندما نُعيد الاعتبار للعلم، عندما نمنح الضوء لصناع القيمة لا صناع الضجيج… عندها فقط ستتراجع التفاهة إلى حجمها الطبيعي.
التفاهة ليست مشكلة في ذاتها؛ فهي موجودة في كل زمان.
المشكلة أنها أصبحت المشهد كله، بينما تراجع أصحاب الفكر والمعرفة والحقيقة خطوة خطوة.
إعادة الذوق العام إلى مكانه ليست مهمة حكومات أو مؤسسات فقط، بل هي قرار يومي يصنعه كل فرد: ماذا نتابع؟ من ندعم؟ ولأي صوت نمنح المساحة؟وعندما يختار المجتمع أن يرفع من قيمة الفكرة على الضجة، والإنجاز على العبث، سيعود الذوق العام إلى مكانه الطبيعي… إلى أعلى.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد