رحلة الدواء العالمية من الصين إلى الأردن

mainThumb
تعبيرية

24-08-2025 08:13 AM

السوسنة - في عالم مترابط، قد تبدأ رحلة قرص الدواء الذي يتناوله المريض في الصين، وتمر مكوناته الفعالة عبر الهند، ليتم تصنيعه بشكله النهائي في الأردن قبل أن يصل إلى المستهلك. هذه الشبكة العالمية المعقدة التي تشكل سلسلة توريد الأدوية تواجه اليوم تهديدًا مباشرًا قد يؤثر على ملايين المرضى حول العالم، وذلك بسبب التعريفات الجمركية التي لوّح بها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، مما أعاد إلى الواجهة سؤالًا محوريًا: أين تُصنّع أدويتنا حقًا؟

كشفت بيانات صادرة عن "دستور الأدوية الأمريكي" (U.S. Pharmacopeia)، وهو منظمة غير ربحية تضع معايير الجودة الدوائية، أن رحلة تصنيع الأدوية ليست بسيطة على الإطلاق. فبدلًا من أن يُصنع الدواء في بلد واحد، غالبًا ما تستورد المصانع المواد الخام لإنتاج المكونات الصيدلانية الفعالة من دولة، ثم يتم شحنها إلى دولة أخرى لتحويلها إلى أقراص أو حقن أو شراب.

وأظهرت البيانات تقسيمًا جغرافيًا واضحًا في الصناعة الدوائية؛ إذ تميل الأدوية الحديثة والمبتكرة، مثل أدوية السرطان والسمنة باهظة الثمن والمحمية ببراءات اختراع، إلى أن تُصنّع مكوناتها الفعالة في أوروبا أو الولايات المتحدة. أما الأدوية الجنيسة (البديلة) منخفضة التكلفة مثل أدوية الكوليسترول والمضادات الحيوية، فتسيطر الهند والصين على إنتاجها وتشكل غالبية الوصفات الطبية عالميًا.

ويبرز الدور الأردني في هذه الخريطة من خلال دواء الأموكسيسيلين، وهو مضاد حيوي أساسي للسوق الأمريكي. فبينما تُنتج مكوناته الفعالة في أربع دول مختلفة، يتولى الأردن تحويل هذه المكونات إلى الدواء النهائي وتوريد 46% من إجمالي حاجة السوق الأمريكي، مما يجعله شريكًا استراتيجيًا في الأمن الدوائي للولايات المتحدة. ويواجه هذا النوع من الأدوية تحديات كبيرة نتيجة هوامش الربح الضئيلة واعتماده على سلاسل توريد معقدة، مما يزيد من خطورة أي تعريفات جمركية جديدة قد تؤدي إلى نقص حاد.

كما يبرز حضور عدد من عمالقة الصناعة الدوائية عالميًا؛ فشركة "نوفو نورديسك" في الدنمارك تُنتج مكونات أدوية السكري وإنقاص الوزن الشهيرة مثل أوزمبيك وويغوفي، فيما يتم تقسيم عملية التغليف النهائي بين الدنمارك والولايات المتحدة. وبعد انتهاء براءة اختراع دواء الفياجرا الشهير من شركة فايزر، انتقلت صناعته بالكامل تقريبًا إلى الهند التي أصبحت المورد الرئيسي لبدائله الجنيسة. أما الصين، فما تزال مركزًا رئيسيًا لإنتاج مكونات أدوية شائعة مثل اللوسارتان المستخدم لعلاج ضغط الدم، وهو ما يثير قلق المشرعين الأمريكيين الذين يعتبرون هذا الاعتماد "نقطة ضعف في الأمن القومي".

ويشير خبراء سلاسل التوريد إلى أن أدوية حيوية تُستخدم في المستشفيات، مثل حقن التخدير الموضعي الليدوكائين، تعاني أصلًا من نقص متكرر بسبب تعقيد إنتاجها وضعف هوامش ربحها، محذرين من أن فرض أي تعريفات جمركية جديدة قد يفاقم هذا النقص المزمن ويضع المستشفيات والمرضى في مواقف حرجة.

وفي المحصلة، تكشف خريطة صناعة الأدوية اعتمادًا عالميًا متشابكًا لا يمكن تجاهله، وتوضح أن أي اضطراب سياسي أو اقتصادي في جزء من العالم يمكن أن يمتد أثره مباشرة إلى صيدلياتنا المحلية ويؤثر على الأدوية اليومية للملايين.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد