شوقاً للجحيم
أي أثر لمقتلة بشعة بحق مئات الآلاف من الأطفال الذين عدد هائل منهم لم يتعد عمره الأيام القليلة ودون حساب عدد كبير للقتلى منهم في أرحام أمهاتهم، على نفسية وسيكولوجية البشرية في القادم من السنوات؟ ما الذي سيفعله القتل الممنهج المشهود، تفجيراً وتشريداً وتجويعاً وإمراضاً، لمئات الآلاف من المدنيين وخصوصاً الأطفال، بالنفس البشرية والمفاهيم الإنسانية والقيم الأخلاقية التي طالما حمت هذه البشرية ومكنتها من البقاء؟
مثلما هو أثر القنبلة الذرية وخيم على البشرية بأكملها، ومثلما يمتد تلوثها النووي الإشعاعي ليلتهم الأماكن القريبة والبعيدة من موقع سقوطها، ومثلما يستمر تأثيرها الضاري عشرات وربما مئات السنوات على هذه البشرية تلوثاً وعداء وكراهية وحقداً، سيستمر تأثير مقتل مئات الآلاف من الأطفال، علناً وبالصوت والصورة، تفجيراً وتجويعاً وتشريداً وإمراضاً وحرقاً وهرساً تحت ثقل «المواد الإغاثية» الساقطة من السماء وقنصاً عند تجمعات مراكز الإغاثة، ودون أن تحرك القوى العظمى في العالم يداً أو قدماً لإيقاف المجزرة، أقول سيستمر تأثير هذه الكارثة الأخلاقية الإنسانية الوجودية على البشرية إلى آخر يوم في عمرها الذي يبدو الآن ومن سلوكيات هذه البشرية عمراً قصيراً سريعاً.
أن نرى الأطفال يتحولون إلى هياكل عظمية أمام أعيننا بالبطيء المتسارع وبالتدرج المتوقع للتجويع الممنهج، وأن نناظرهم بشكل مباشر لحظي وكأن هؤلاء الأطفال يموتون في باحات بيوتنا وتحت أنظارنا ومسامعنا مباشرة، وأن تسقط أعتى قنابل العالم على أسرتهم الصغيرة إبان نومهم المتقطع فتحصدهم بملابس اعتدنا الآن صور رسوماتها الكارتونية ملطخة بالدم أو بأحذية صغيرة مقطعة وأحياناً لا تزال محتفظة بجزء من القدم الصغيرة، وأن نشهد وفاة المواليد في أسرتهم وحاضناتهم في المستشفيات المنكوبة التي بعد أن قصفها الصهاينة، قتلوا طواقمها الطبية التي حاولت الصمود رعاية لهؤلاء المواليد، وأن نعتاد مشهد تراكم الجثث الصغيرة بعضها فوق بعض، وأن «نأنس» إلى فكرة موتهم الأسري الجماعي إخوة وأخوات معاً تحت ثقل الطابوق والإسمنت والحديد وبفعل شظايا تتفجر داخل أجسادهم الصغيرة المحشورة في كل ذلك، وأن تمر على ذاكرتنا صورة مثل تلك التي للطفل الملقى على سطح بيته وبجانبه جسد أخته الطفلة مقسوماً إلى اثنين، وأن يبقى في وعينا مشهد الأطفال المتراكضين تجاه المواد الإغاثية إما ليموتوا تحت وقع سقوطها عليهم أو برصاص القناصة الصهاينة أو في أفضل الظروف ليحترقوا من اندلاق المادة الغذائية الحارة اللزجة التي تعف عنها النفس والتي يستذبح هؤلاء الصغار للحصول عليها، على وجوههم وأجسادهم الصغيرة وهم يتدافعون أملاً في شيء منها، وأن نتشبع بالصرخات والآهات لأطفال المخيمات يموتون جوعاً وعطشاً وبرداً وحراً في أفضل الظروف وحرقاً وهم أحياء في أسوئها، وأن نشهد ذلك كله وأكثر، فيما الصهاينة يصفون هؤلاء الأطفال بالحيوانات وإرهابيي المستقبل وأنهم يحتاجون إلى حمية غذائية أو أوزيمبيك بدلاً من المعونات الغذائية، إلى آخرها من تصريحات الفحش والفجور لوحش جن جنونه ولا يجد أحداً يقف أمامه، أن يدخل كل ذلك وعينا بشكل يومي ولحظي ومباشر، ما يمكن أن يفعل كل ذلك بهذا الوعي البشري وبهذه الذاكرة الإنسانية؟
لا أتصور أن الوعي الإنساني سيشفى في أي زمن قريب قادم ولا بأي سهولة تذكر، أعتقد أننا سنبقى مرضى نفسيين عصابيين على مدى قرون قادمة، متقبلين القتل والذبح والتجويع والتعذيب والاغتصاب كوقائع إنسانية لا مفر منها، أساليب حياة داروينية قسرية للبقاء، يستمر من خلالها الأقوى. لا أتصور أننا سنكون بخير أبداً، أعتقد أننا سنبقى تحت وقع هلوسات ذكريات الصور التعذيبية ورنين آهات وصرخات الأبرياء وأثر مشاهد التعذيب والحرق والتجويع والاغتصاب، ومن يدري، ربما نمارسها كلها على بعضنا بعضاً، أو ربما نصاب بلعنة سكوتنا عنها فتهبط علينا كائنات فضائية تنتقم منا بالطرق التعذيبية ذاتها وأنكى، أو لربما نصبح أسرى وعي ولا وعي عقولنا، نغيب في داخلها بين هذه المشاهد والصرخات فنفقد كل شعور بالحياة لِنُسجن ذهنياً وجسدياً داخل عقول مكلومة وأجساد مشلولة. لا أعلم حقيقة ما يمكن أن يحدث، ولكن بكل بشاعة الحاضر ووحشيته، وبكل ما يرافقهما من سكوت واستمرار أناني اعتيادي في الحياة، لا يمكن أن نبقى طبيعيين، لا يمكن أن ننتهي وتنتهي هذه القصة بنا على أي خير.
أشعر، ولا بد أن ملايين آخرين من البشر يمرون بالشعور ذاته، أن روحي ذابت وأن لساني عجز، وأن الكلمات ما عاد لها معنى، وأن التعابير بهتت وسخفت أمام الواقع الذي فاق كل وحشية ماضية أو متوقعة في المستقبل أو مُؤَلّفة في أفلام الرعب أو مهاجِمة في الأحلام والكوابيس. هذه حرب إبادة تجاوزت بنا عتبة المعقول وتعدت بوابة السلوكيات الإنسانية المعتادة حتى في شرّها قفزاً إلى عتبة الوحشية غير الممكنة وولوجاً لبوابة البشرية البدائية الفاحشة. لقد عبرنا الحد الفاصل وتجاوزنا نقطة اللاعودة، ولا يمكن لأبداننا وعقولنا وذاكرتنا وأرواحنا أن تعود كما كانت أو أن تبقى على أي درجة من الصحية أو الطبيعية. كلنا، من بعد أكتوبر 2023، مرضى عصابيون.
هل هناك أمل لجنس كهذا؟ لا أدري، أحياناً أفكر بشوق لهذه المجرة التي ستصطدم بأرضنا بعد خمسة بليون سنة فتنهينا بكل ما لنا وما علينا، وبكل نمنمات حيواتنا وتفاهة وجودنا، وأحياناً أتلهى بالقادم من الحروب والمجازر والتلوثات والكوارث البيئية، التي في الغالب ستأتي على جنسنا قبل أن تصل المجرة الموعودة إليه بأرضه، وأحياناً أستأنس بتخيل الجحيم كما هو موصوف في الأديان وهو يلتهم المجرمين المتوحشين، وأحياناً أتخيل بشهوة حارقة بشرية نقية قادمة قاست نتاج وحشيتها فتابت وكفرت عن ذنوبها واستغفرت وبسملت وحوقلت ووصلت إلى درجة من السلام تصل للانكسار بعد أن رأت بأم عينيها ما هي قادرة على اقترافه وما قد يصل بها فعلها الذي تقترفه، فأستنشق في حلمي رائحة الندم وأتشفى في الآلام والأحزان الناتجة عن هذا الندم، وأطيب خاطراً بالوجع المصاحب له وبالاستماتة طلباً للاستغفار عن الآثام التي شكلته، وأرى دنيا جديدة، دنيا تحمي فيها البشرية أطفالها كأقل درجة إنسانية تقدمها وأول درجة منطقية تتصرف بها. أطغاث أحلام أم خيالات مستحيلة؟ لا أدري، لكنها حالياً كل ما بقي لنا من أدوات المواساة.
اعتقالات تطال محتجين ضد إبادة غزة
الحملة الأردنية تكرّس جهودها لمرضى غزة
مسؤولة أممية تدعو المجتمع الدولي لمساعدة السودانيين
الفيصلي يفوز على السرحان ببطولة الدرع
ارتفاع مؤشرات الأسهم الأميركية
مصر وقطر يبحثان تطورات الأوضاع في غزة
الخارجية اللبنانية ترحب بقرار مجلس الأمن التمديد لليونيفيل
تهنئة لحلا أبوشاكر .. بمناقشة الماجستير من جامعة اليرموك
ادعاءات باطلة من لندن في قضية إربيحات
التربية تحدد مواعيد الدورات التكميلية لجيل 2008
آلية احتساب معدل التوجيهي جيل 2008
آلاف الأردنيين مدعوون للامتحان التنافسي .. أسماء
تفاصيل مقتل النائب السابق أبو سويلم ونجله
قرار بتركيب أنظمة خلايا شمسيَّة لـ1000 منزل .. تفاصيل
إربد تفتتح أكبر نزل بيئي في محمية اليرموك
عمّان: انفجار يتسبب بانهيار أجزاء من منزل وتضرر مركبات .. بيان أمني
مقتل نائب سابق ونجله في مشاجرة شمال عمّان
رسمياً .. قبول 38131 طالباً وطالبة بالجامعات الرسمية
100 شاغر ضمن المكرمة الملكية لأبناء المتقاعدين العسكريين .. أسماء
النواب يبحثون إنهاء عقود شراء الخدمات الحكومية
وظائف حكومية شاغرة ودعوة للامتحان التنافسي