حكومة الشرع ودولة الاحتلال
جديد، إنْ لم يكن الأوّل من نوعه، حسب ما تعلم هذه السطور على الأقل، تصريح أسعد الشيباني وزير الخارجية والمغتربين في الحكومة السورية الانتقالية، حول جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضدّ قطاع غزّة منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023: «تدين سوريا الحرب الإجرامية في غزّة أخلاقياً وإنسانياً ودينياً، ولا نقبل تسمية المعتدي بـ’طرف في نزاع’ بل هو احتلال وعدوان يجب أن ينتهي».
ولعلّ من التبسيط، إنْ لم ينطوِ على مقدار من الإجحاف أيضاً، ردّ صمت الدبلوماسية الانتقالية السورية إلى مبدأ التحفظ، أو حتى «التقيّة»، في ضبط المستويات الراهنة من التعاطي الحكومي السوري مع دولة الاحتلال. بمعنى، يساجل رأي قد لا يخلو من وجاهة نسبية، أنّ الصمت العسكري السوري عن الضربات الإسرائيلية التي تعاقبت بكثافة بعد سقوط نظام «الحركة التصحيحية»، وبلغت ذروة نوعية في قصف واجهة مبنى الأركان في ساحة الأمويين وقلب دمشق، كما اتخذت صفة احتلالية في التوغلات الإسرائيلية صوب جبل الشيخ وتخوم القنيطرة وتل الفرس ومزرعة بيت جن… يوازيه صمت سياسي، أو إعلامي رسمي، عن شتى مستويات التباحث المباشر أو غير المباشر التي شارك فيها مسؤولون في الحكومة الانتقالية؛ بمن فيهم الشيباني نفسه، مع رون ديرمر مثلاَ، كبير مستشاري رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، هنا وهناك في عواصم عالمية.
في جزء جوهري من هذه السيرورة ثمة ما يشبه المنهجية المعتمدة، غير البعيدة عن سياسة مقررة، عنوانها الامتناع عن إطلاع السوريين، الشعب عموماً ومصادر المعلومة والخبر خصوصاً، على تفاصيل هذه أو تلك من جولات الاحتكاك أو اللقاء أو التفاوض مع دولة الاحتلال. ولقد انقلب الأمر إلى سلوك مستحكم استدعى قسطاً واسعاً مشروعاً من ملامة السلطة الانتقالية، والرئيس الانتقالي أحمد الشرع شخصياً في نهاية المطاف؛ كما أتاح، وعملياً أباح، المقدار المعتاد من نظريات المؤامرة تارة، والشطحات التأويلية المغالية تارة أخرى، على جبهة مناصري النظام أسوة بمنتقديه، فكيف بخصومه سرّاً أو علانية في واقع الأمر.
ليس خافياً، بالطبع، أن الأجندة الإسرائيلية الراهنة، بصدد سوريا ما بعد نظام «الحركة التصحيحية»، لم تعد تقتصر على ضمان إبقاء جيش النظام السوري حارساً أميناً في هضبة الجولان المحتلة، وصامتاً أخرس على عمليات القصف المنهجية المستدامة لكلّ ما تبقى في ترسانة ذلك الجيش، أو كانت إيران تنشره في الأرجاء السورية، من أسلحة ذات أذى ستراتيجي لدولة الاحتلال؛ أو، قبلئذ، قصف موقع الكبر في تخوم دير الزور، حين كان المبنى محض نواة ابتدائية لمشروع برنامج نووي.
والصمت الإسرائيلي على مجازر الأسدَين، حافظ وبشار، ضدّ أبناء الشعب السوري بمختلف أديانهم ومذاهبهم وأعراقهم، في طول سوريا وعرضها، قبل مجزرة حماة الكبرى 1982 وبعدها حتى ساعة سقوط النظام؛ توجّب أن يتبدل جذرياً في سوريا الجديدة ما بعد 54 سنة من استبداد وفساد وهزيمة وانسحاب وحراسة وتواطؤ «الحركة التصحيحية». إنه اليوم برنامج يقصف دمشق كرمى لشيخ عقل دروز الاحتلال موفق طريف، وإمّعته في سوريا حكمت الهجري المستنجد بدولة الاحتلال وعراب رفع العلم الإسرائيلي في السويداء.
بل هو برنامج قد يذهب أبعد وأخطر وأقذر، إذْ قد يتلاقى (عند أيّ منعطف محتمل، تغطيه مظلّة من البيت الأبيض) مع حفنة الصقور في قلب «قسد»، خاصة رافضي اتفاق 10 آذار (مارس) بين الشرع ومظلوم عبدي، الموالين أصلاً للجيب الإيراني داخل الـPKK في جبال قنديل. هذا بافتراض أنّ مجرمي حرب وتجّار كبتاغون وفلول أمثال غياث دلا لن يتدبروا وسائل تعيد إنتاج كمائن بيت عانا في الساحل السوري، لاستدراج المزيد من المجازر الطائفية؛ مع فارق قد يكون حاسماً هذه المرّة: التماهي مع الفلول من رجال الهجري في السويداء، و… تشجيع رفع نجمة داود فوق قصور آل دوبا في قرفيص!
في المقابل، وباستثناء بقايا أيتام «الممانعة» من الحمقى عن سابق قصد واستغفال ذاتي، ما من أحد ذي صواب عقلي سوف يطالب سلطات الشرع الانتقالية بالتصدي للهجمات الإسرائيلية، عمليات القصف والتوغل على حدّ سواء؛ ليس لأنّ الميزان االعسكري والتكنولوجي منعدم تماماً، فحسب؛ بل كذلك لأنّ جعجعة النظام البائد، حول الردّ في الوقت المناسب، أو حتى «تصدّت دفاعاتنا الجوية…»؛ لم تعد أضحوكة فقط، بل باتت إهانة للعقل. وبذلك فإنّ اقتصار خطاب السلطة الانتقالية على الانطلاق من اتفاقية الهدنة لسنة 1974 لبلوغ اتفاقية أمنية معدلة، والامتناع (حتى الساعة، وحتى إشعار آخر) عن قبول اتفاقية سلام؛ يبدو بمثابة خيار الأمر الواقع الوحيد، بصرف النظر عن سجال من نوع آخر يخصّ مساوئ التعديل وأضراره.
بذلك فإنّ المقارنة بين حال دولة الاحتلال الراهنة إزاء سوريا الجديدة، مع حالها إبان حكم الأسدَين، يصعب أن تسفر عن معادلة أخرى غير التباين الصارخ؛ حيث كانت «حالة اللاحرب واللاسلم» تروّج لعداء ظاهري لفظي، ولكنها تخفي على الأرض ما يفيد العكس تماماً. هضبة الجولان بقيت سالمة مسالمة تحت سياسات الضمّ والاستيطان والاحتلال الإسرائيلية، لا تُطلق فيها بندقية صيد من جانب النظام السوري؛ وذلك طيلة 30 سنة من حكم الأسد الأب و24 من الأسد الوريث.
فما الذي كانت دولة الاحتلال تريده أكثر، بمعنى أيّ نظام كان سيخدمها أفضل؟ أو، في صياغة أخرى، ألن يكون أسوأ على الاحتلال إذا نهضت سوريا على ركائز سياسية واجتماعية واقتصادية وعسكرية جديدة، متحررة من الاستبداد والفساد، قائمة على دولة المساواة والحقّ والقانون؟ برامج السلطات السورية الانتقالية تتمتع، لتوّها، بقبول من غالبية المحيط العربي والخليجية خاصة، وانفتاح من غالبية دول الاتحاد الأوروبي وفرنسا في المقام الأبكر، ثمّ الولايات المتحدة وإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دون سواه؛ وهي تستدرّ، لتوّها أيضاً، حماساً استثمارياً واسع النطاق، كما تعد بالكثير من الإمكانيات على صعيد الأشغال والأعمال والثروات في المستقبل القريب…
فكيف، إذن، لا تنطوي الأجندة الإسرائيلية، وائتلاف نتنياهو الأشدّ يمينية وعنصرية وتطرفاً على وجه تحديداَ، على منهجية التخريب والتعطيل والإشغال والإنهاك، وصولاً إلى التحريض على الانقسام والانفصال والاستنجاد بدولة الاحتلال؛ بل مخالفة الخطّ ذاته الذي اعتمده البيت الأبيض في التعاطي مع الشرع وسوريا الجديدة، وقصف العاصمة دمشق من دون ضوء أخضر أمريكي؟ وكيف، في المقابل المنطقي على أرض الواقع والحقائق الصلبة، لا يُحسن الشرع ورجاله توظيف ما تلاقيه بعض بنود هذه الأجندة من عراقيل جيوسياسية قاهرة، من طراز يُسقط أوهام إقامة ممرّ آمن من الجولان المحتلّ إلى مضافة الشيخ الهجري، أو إنشاء كيان انفصالي مسخ في السويداء؟
تلك، غنيّ عن التشديد، شبكة بالغة التعقيد والصعوبة، حافلة بالمزالق والمخاطر، متحركة ضمن سياقات لا تخفى حساسيتها ومقادير الأضرار في كلّ خطوة خاطئة على دروب معالجتها؛ ولكن… أليس حال سوريا الجديدة عموماً، في السياسة والاجتماع والاقتصاد والعمران، مماثل كثيراً إذا لم يكن مطابقاً؛ ويٌلزم السلطات الانتقالية باتخاذ إجراءات شتى فورية حول علاقات/ معادلات الأمر الواقع مع دولة الاحتلال، تتجاوز ما ألمح إليه الشرع نفسه خلال مؤتمره الصحافي مع الرئيس الفرنسي في قصر الإليزيه، بصدد هدنة 1974؟
ولِمَ لا تبدأ أولى الخطوات من إطلاع السوريين على مباحثات الغرف المغلقة، و… طيّ مبدأ «التقيّة»؟
كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
اعتقالات تطال محتجين ضد إبادة غزة
الحملة الأردنية تكرّس جهودها لمرضى غزة
مسؤولة أممية تدعو المجتمع الدولي لمساعدة السودانيين
الفيصلي يفوز على السرحان ببطولة الدرع
ارتفاع مؤشرات الأسهم الأميركية
مصر وقطر يبحثان تطورات الأوضاع في غزة
الخارجية اللبنانية ترحب بقرار مجلس الأمن التمديد لليونيفيل
تهنئة لحلا أبوشاكر .. بمناقشة الماجستير من جامعة اليرموك
ادعاءات باطلة من لندن في قضية إربيحات
التربية تحدد مواعيد الدورات التكميلية لجيل 2008
آلية احتساب معدل التوجيهي جيل 2008
آلاف الأردنيين مدعوون للامتحان التنافسي .. أسماء
تفاصيل مقتل النائب السابق أبو سويلم ونجله
قرار بتركيب أنظمة خلايا شمسيَّة لـ1000 منزل .. تفاصيل
إربد تفتتح أكبر نزل بيئي في محمية اليرموك
عمّان: انفجار يتسبب بانهيار أجزاء من منزل وتضرر مركبات .. بيان أمني
مقتل نائب سابق ونجله في مشاجرة شمال عمّان
رسمياً .. قبول 38131 طالباً وطالبة بالجامعات الرسمية
100 شاغر ضمن المكرمة الملكية لأبناء المتقاعدين العسكريين .. أسماء
النواب يبحثون إنهاء عقود شراء الخدمات الحكومية
وظائف حكومية شاغرة ودعوة للامتحان التنافسي